اتفاقية جنيف وامتحان حلب

2 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016
8 minutes

جيرون

وضعت المأساة السورية وطرق تعامل النظام، والميليشيات المساندة له وروسيا، مع المواطنين السوريين، من خلال استهدافها الأحياء السكنية والمرافق الحيوية بأنواع الأسلحة كافة، وإطباق الحصار الخانق عليها، في خرق سافر للقانون الدولي، وللاتفاقات الخاصة بالمدنيين.

الانتهاكات السابقة وضعت المجتمع الدولي أمام تحدّيات جديدة، وتساؤلات تتعلق بمدى الالتزام بتلك الاتفاقات، وبضمانات تنفيذها، وكذلك الأمور الرادعة في حال تجاوزها.

تُشير مقدمة اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب إلى أن “الموقعين أدناه، المفوضين من الحكومات الممثلة في المؤتمر الدبلوماسي، المعقود في جنيف من 21 نيسان/ أبريل، إلى 12 آب/ أغسطس 1949، بقصد وضع اتفاقية لحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب”، قد اتفقوا على ما يلي: “لتُورد تلك الاتفاقية في نصوصها وأوراقها، 159 مادة مع تفصيلاتها الدقيقة، وملاحق تضمنت عدة مواد، تتعلق بالأماكن الطبية والإغاثة والرعاية”، وجاء في مادتها الأولى: “تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال”.

موقف المتفرّج

وقد أوضحت اللجنة الدولية للصليب الأحمر -بدورها- أهمية هذه الاتفاقية بقولها: إن “اتفاقيات جنيف قبل تاريخ 1949 تخص بالحماية الجرحى، والمرضى، والغرقى، والمقاتلين الأسرى، وأدركت الاتفاقية المعنية بالمدنيين، تغيّر طبيعة الحرب، وحدّدت حماية قانونية يتمتع بها كل شخص لا ينتمي إلى قوات مسلحة، أو جماعات مسلحة، وشملت الحماية -أيضًا- الممتلكات المدنية، وجاء اعتماد البروتوكولين الإضافيين إلى اتفاقية جنيف، في 1977، ليؤكد لاحقًا هذه الحماية”، وأضافت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن اعتماد اتفاقية جنيف الرابعة -عام 1949- كان ردًا من المجتمع الدولي على الحرب العالمية الثانية، وذكرت أنه “خلال الحرب وفي كثير من النزاعات التي تلتها، تَحمّل المدنيون العبء الأكبر من ويلات النزاع المسلّح، وإن كان المدنيون قد عانوا دائمًا من شدائد الحروب، إلا أن الآثار الوحشية التي خلفتها الحرب العالمية الثانية أودت بحياة أعداد كبيرة من المدنيين، الذين تعرضوا للإبادة الجماعية والهجمات العشوائية، وعمليات الترحيل، وأخذ الرهائن، والنهب، والاعتقال”.

في سورية ليس نظام الأسد -وحده- وحلفاؤه من أساء للخطوات الجبارة، التي وصلت إليها البشرية في القرن الماضي، باعتمادها اتفاقيات وقوانين تتعلق بكرامة الإنسان والمجتمعات والحقوق التي تجب مراعاتها وتدعيمها في هذا الشأن، بل أيضًا يمكن عدّ المجتمع الدولي -برمّته- متقاعسًا عن القيام بدوره المُفترض، ووقفَ موقف المتفرج، أو الناقل للأخبار في أحسن تقدير، فالجلسات التي تجري في مجلس الأمن، بين الحين والآخر، لبحث المسألة الإنسانية في سورية، بات تأثيرها على مسامع السوريين كأصوات القصف، وكحرب معنوية زيادة على الحرب المباشرة التي تدور رَحاها في مدنهم، وإن مشاركة دولة كروسيا لها عضوية دائمة في مجلس الأمن في تلك الجرائم بحق البشرية، ومن ثم إنكارها لذلك، متناسية ثورة الاتصالات التي أصبحت توثق كل شيء، يزيد من حجم الألم.

إن خروج آلاف المدنيين في اتجاهات مختلفة من أحياء حلب الشرقية، هربًا من الحرب والحصار، بعد تقدم ميليشيات المرتزقة المدعومة من إيران، مع بقايا قوات النظام بغطاء جوي روسي، عرّضهم لمعاملة مهينة من قوات النظام وميليشيا حزب الله اللبناني وغيرهما، حيث حاصر هؤلاء آلاف الأسر على المعابر، ثم إحاطتهم والتجول حولهم بمكبرات الصوت التي تطلق الأناشيد الطائفية، لاستفزاز المشاعر الإنسانية بطريقة غير لائقة، مع اعتقال عدد من الشبان، واقتيادهم لجهات مجهولة، كما ذكر بعض الناشطين من حلب، أن النظام يعتقل جميع الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و 40 عامًا، ويقتادهم إلى معسكرات تدريب سريعة لزجهم في المعارك، في حين توضح الصور والفيديوهات التي تناقلتها وسائل الإعلام، والصفحات المحلية في المدينة، أن آلاف المدنيين يفترشون الأرض في العراء في ظل فقدان التدفئة والغذاء والمساعدة الطبية للنساء والأطفال وكبار السن والمرضى.

انتهاكات الميليشيات

إلى ذلك طالبت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، منظمة الأمم المتحدة بالعمل على ضمان سلامة ومصير المشرّدين من أحياء حلب الشرقية، وقالت الشبكة في تقرير لها إنه “منذ انتهاء مدة وقف الأعمال العدائية الثاني، الإثنين 19/ أيلول/ سبتمبر 2016، لم تتوقف قوات النظام السوري والروسي يومًا واحدًا عن قصف وتدمير أحياء حلب الشرقية، مرتكبةً مئات الانتهاكات التي ترقى إلى جرائم حرب، حيث استهدفت تلك الهجمات أحياء سكنية ومستشفيات ومدارس، بصورة فوضوية وأحيانًا مُتعمَّدة، وإضافة إلى القصف، عادت تلك الأحياء إلى وضعيّة الحصار الخانق مرة ثانية”. وتضيف الشبكة في تقريرها أن الهجوم على أحياء حلب الشرقية “أدى إلى السيطرة على حي مساكن هنانو، ثم حي جبل بدرو، وأجزاء من حَيَي الحيدرية والصاخور، ووصل مُعدَّل الضحايا الوسطي من المدنيين إلى 35 شخصًا يوميًا، وقد وثَّقت الشبكة مقتل 676 مدنيًا، بينهم 165 طفلًا، و87 سيدة في أحياء مدينة حلب الشرقية، على يد “القوات السورية” والروسية، منذ 19/ أيلول/ سبتمبر 2016؛ حتى 30/ تشرين الثاني/ نوفمبر 2016″.

تشير الشبكة في تقريرها -أيضًا- إلى أن أحياء حلب الشرقية “انقسمت إلى شطرين: شمالي وجنوبي، فرّ معظم أهالي الأحياء التي اجتاحتها قوات النظام وحلفاؤه، إلى القسم الجنوبي بشكل أكثف، بوصفه القسم الأكبر، وقسمٌ آخرُ من الأهالي فرّ إلى الجزء الشمالي، وقسم ثالثٌ نزح إلى حي الشيخ مقصود، الواقع تحت سيطرة ميليشيا “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي”.

وأضافت الشبكة أن “هناك عدد كبير من الأهالي لم يتمكَّن من الهرب، حيث اعتُقل من قوات النظام وحلفائه من الميليشيات الشيعية، ومصيرُ أغلبهم مجهول”، مع معلومات عن “عمليات إعدام سريعة خارج نطاق القانون، ووقوع جرائم اغتصاب لعدد من النساء”، وما زالت الشبكة تحاول جمع المعلومات المتعلقة بذلك، وقد ناشدت “المفوضية السامية لحقوق الإنسان”، وكذلك مكتب المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا ومجلس الأمن، “بلعب دور حيوي للكشف عن مصيرهم”؛ كي لا تتكرر “مأساة حي بابا عمر في حمص”.

يُذكر أن اتفاقية جنيف قد عرّفت في مادتها الثالثة الأشخاص الذين يجب أن تشملهم الاتفاقية بأنهم “الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال؛ بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز، أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر”، وتحظر أي أفعال فيها تعدٍّ على الكرامة الشخصية، أو الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وخاصة القتل بجميع أنواعه والتشويه، والتعذيب، وأخذ الرهائن، وإصدار الأحكام، وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمات.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]