النظام يتكئ على دعم روسيا وإيران ..لكن إلى متى؟ .. رحى الحرب تطحن القمح السوري وتحوّله إلى طحين مستورد  

2 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016

 

لم يكن غريباً إعلان وكالتين تابعتين للأمم المتحدة؛ منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي؛ أن إنتاج الغذاء في سوريا تراجع إلى أدنى مستوياته، وأن إنتاج القمح انخفض من 3.4 مليون طن قبل خمس سنوات إلى 1.5 مليون طن هذا العام.

وقد اعتمدت الوكالتان على حساب متوسط إنتاج القمح في تحديد مستويات الغذاء في سوريا. خاصة إذا علمنا أن هذا المحصول يُعتبر استراتيجياً في أي دولة في العالم.

 

 في نظرة إلى أهمية هذا المحصول في سوريا قبل خمس سنوات فقد بلغ

متوسط المساحة المخصصة للقمح 1.68 مليون هكتار منها 43% مروية و57% منها مساحة بعلية.

وبالنسبة للصوامع فيوجد 32 صومعة في سوريا تبلغ طاقتها الاستيعابية نحو 2 مليون طن، إلا أن الأوضاع التي مرت بها البلاد أخرجت 16 صومعة عن العمل وخاصة في حلب والرقة وريف دمشق والحسكة، وبحسب تصريحات حكومة النظام فقد عملت على إنشاء صوامع لاستيعاب مليون طن من القمح، عدا عن تنفيذ عشر صوامع من قبل إيران بطاقة مليون طن أيضاً، وذلك بهدف الوصول إلى طاقة استيعابية للصوامع قدرها 5.5 مليون طن، وهي تكفي لمدة عامين كمخزون استراتيجي لهذه المادة.

 

انحدار مؤشرات الإنتاج

 قبل الحرب التي اندلعت إثر محاولة النظام إخماد الثورة السورية كانت سوريا تستورد القمح ولكن بكميات قليلة لسد العجز في المخزون الاستراتيجي، ولكن مع حلول عام 2011 تغيرت المؤشرات لتبدأ بالتراجع، حيث خرجت مساحات ومناطق الإنتاج عن السيطرة وتحولت لساحات معارك أحرقت آلاف الهكتارات من القمح وذلك في شمال وجنوب البلاد ما أدى لتدني إنتاج القمح إلى أقل مستوى له منذ الستينيات، عدا عن تدمير الصوامع المنتشرة في المناطق الشرقية.

وكان عام 2012 شهد باكورة استيراد سوريا للطحين لأول مرة، وما زاد الأمر سوءاً موجة الجفاف التي ضربت البلاد خلال عام 2014، إذ أدت إلى انخفاض الإنتاج إلى أقل من مليون طن، وسجلت المساحات المزروعة بالقمح خلال العام نفسه نحو 1.2 مليون هكتار مقابل 1.1 مليون هكتار للشعير.

 

 

تسويق نصف مليون طن فقط.. فأين ذهب المليون الآخر؟

 وخلال عام 2015 قدّرت منظمات تابعة للأمم المتحدة إنتاج سوريا من القمح بنحو 2.5 مليون طن أي بعجزٍ قدرُه نحو 800 ألف طن عن العام الذي يسبقه، وبانخفاض يُقدر بـ 40% عن مستويات الإنتاج ما قبل الثورة.

وفي العامين الماضيين شهد القمح مشكلات أخرى تتعلق بنقله من مناطق الإنتاج إلى الصوامع ومراكز الشراء، وذلك نتيجة توتر الأوضاع الأمنية في الكثير من المناطق المنتجة، كما واجه الفلاح صعوبات كبيرة طالت الحرث وتخصيب التربة والحصاد والنقل وارتفاع سعر المازوت، وإثر ذلك بلغت كمية القمح المُسَوقة في موسم 2015 نحو نصف مليون طن فقط، وقامت حكومة النظام برفع سعر كيلو غرام القمح إلى 61 ليرة بالنسبة للفلاحين في حين كانت تكلفة كيلو القمح 51 ليرة كمتوسط.

وشهد عام 2015 عمليات استيراد للقمح بأرقام ضخمة، وبكميات كبيرة، واستمر هذا الأمر خلال العام الحالي، حيث بلغ إنتاج سوريا من موسم القمح 1.7 مليون طن.

 

تراجع إنتاج القمح 50%

 وبحسب ما ذكره تقرير صادر عن مركز دمشق للأبحاث والسياسات “مداد” فقد تعرضت البنية التحتية للقطاع الزراعي السوري خلال السنوات الماضية للاستهداف، ودُمرت الطرق والجسور وأقنية الري والآبار وخُربت خطوط نقل الطاقة، وعانى القطاع من نقص كبير في الكهرباء والمحروقات، وبرزت ظاهرة هجرة الأيدي العاملة في الزراعة (نزوح، هجرة داخلية، لجوء) نتيجة تدهور الوضع الأمني في الأرياف، وصعوبة وصول المزارعين إلى حقولهم نتيجة انعدام الأمن والأعمال العدائية، ولفت التقرير إلى أن مساحات الأراضي المزروعة تقلصت بحوالي 40 % وتراجع إنتاج المحاصيل الرئيسة “القمح، الشعير، البطاطا، البندورة” خلال السنوات الخمس الماضية بحوالي 50 %، كما عانى القطاع من نقص شديد في مستلزمات الإنتاج الأساسية  (البذار، الأسمدة، المبيدات الحشرية، المحروقات).

 

 الفلاح يخزن كميات أكبر من القمح خوفاً من الحصار

 وأكد باحث في الشؤون الزراعية، فضل عدم ذكر اسمه، في تصريحه لـ”صدى الشام” أن الفلاح السوري حالياً يحتفظ بأكثر من مليون طن من القمح ضمن مخازنه، وخاصة في المناطق التي تشهد أعمالاً عسكرية، مشيراً إلى أنه ليس جديداً على الفلاح احتفاظه بكميات من القمح لاستخدامات أسرته، إلا أن الظروف المستجدة والخوف من الحصار الطويل الذي قد يفرض على منطقته دفعه للتحوط أكثر ووضع كميات أكبر من القمح لاستخدامه عند اللزوم، عدا عن تهريب كميات كبيرة من القمح إلى دول الجوار، وهذا من شأنه أن يرفع من فاتورة الاستيراد أكثر وخاصة مع تراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار واليورو، وبالتالي تحول سوريا إلى بلد يستورد القمح بعد أن كان منتجاً له.

وبيّنَ الباحث أن المتتبع لواقع القمح السوري يجد أنه كان يسير بثبات من حيث الإنتاج خلال 10 أعوام إذ تًقدر احتياجات سوريا من القمح بـ 3.8 مليون طن، وكان الإنتاج المُسوَّق للمراكز يصل إلى 3.5 مليون والعجز الحاصل كان يُغطى عن طريق القطاع الخاص واستيراده.

ونوّه الباحث إلى أن سوريا حالياً تعاني من قلة مراكز استلام القمح، فقد كان عددها نحو 140 مركزاً، أما حالياً فعددها لا يتجاوز 29 مركزاً فقط.

ولفتَ إلى أن حكومة النظام أقرّت سعراً جديداً للقمح خلال 2016 يبلغ 100 ليرة سوريّة للكيلو غرام الواحد من القمح، و75 ليرة سورية للكيلو غرام من الشعير، إلا أن رفع سعر المحروقات أكثر من مرة جعل من هذه الأسعار غير مُجدية للفلاح وهذا ما يفسر تراجع تسليم القمح لمؤسسة الحبوب من قبل الفلاحين إلى نحو 450 ألف طن فقط، ولا يمكن إغفال دور التجار في السوق والذي نشط خلال العام الماضي وهذا العام، حيث توجهوا لشراء القمح من المزارعين بأسعار أعلى.

 

2016..أرقام استيراد كبيرة

 وأشار الباحث إلى أن مساحات القمح تتراجع، موضحاً أن الجزيرة السورية زرعت مساحة 652 ألف هكتار بالقمح في عام 2010، بينما تقدر المساحة المزروعة في هذا العام بحوالي 472 ألف هكتار، بخسارة 28% من المساحة، وبمقدار 180 ألف هكتار، وهذا وفق التقديرات الرسمية، ويمكن القول بأن الجزيرة خسرت ما بين 180- 237 ألف هكتار من المساحات التي كانت تزرع بالقمح، والتي أصبحت تزرع بمحاصيل متنوعة أخرى، أو أنه لا تتم زراعتها. ومجمل هذه الخسائر تعود إلى ظروف تراجع الجدوى الفعلية، والعائد الزراعي من زراعة القمح.

وفي نظرة سريعة إلى الكميات المستوردة خلال العام الحالي من القمح نجد أنه حملَ أرقام استيراد ضخمة حيث تم الإعلان في آب الماضي عن استيراد خمس بواخر وصلت تباعاً إلى مرفأي طرطوس واللاذقية محملة بـ 1.6 آلاف طن من القمح، وفي أيلول الماضي، ذكرت مؤسسة الحبوب أنها تعمل على استيراد مليون طن من القمح الروسي الطري المعد للطحن، كما استوردت سوريا خلال نفس الشهر كمية 150342 طناً من مادة القمح الطري من روسيا بالإضافة إلى كمية بلغت 67000 طن تم التعاقد عليها.

وخلال تشرين الأول الماضي أعلنت المؤسسة العامة للتجارة الخارجية عن وصول 35 ألف طن من القمح الطري إلى ميناء طرطوس، وخلال هذا الشهر أيضاً وصلت باخرة محملة بـ 11 ألف طن من القمح، وفي الشهر نفسه كذلك ذكرت حكومة النظام أن مؤسسة الحبوب تلقت عروضاً مناسبة في مناقصة طرحتها لشراء مليون طن من القمح الروسي موضحة أن التمويل قد يكون بالدفع الفوري أو تسهيلات ائتمانية، في حين ذكرت وزارة الزراعة الروسية أن روسيا قد تزود سوريا بـ100 ألف طن قمحاً كمساعدة لكن أية كميات إضافية ينبغي أن تُسدد قيمتها.

وفي تشرين الأول أيضاً استوردت سوريا 80 ألف طن قمح من روسيا،  وذكرت وزارة الزراعة خلال أيار الماضي، أن إرساليات القمح الواردة إلى سوريا بلغت 21 إرسالية موزعة بين 10 إرساليات لصالح القطاع الخاص بكمية إجمالية بلغت 99965 طناً، و11 إرسالية لصالح القطاع العام بكمية 267502 طنًا.

وفي آذار الماضي أعلنت مؤسسة الحبوب عن توريد 200 ألف طن من مادة القمح الطري للطحن على الخط الائتماني الإيراني.

وطبعاً الأرقام المذكورة أعلاه لا تشمل كل الطلبيات المُورّدة إلى سوريا، ولكن تشمل ما تم الإعلان عنه بشكل رسمي، وربما ما خفي كان أعظم.

 

بادرة جديدة لتغطية النقص

 أمام هذا الواقع الصعب واستنزاف الموارد للحصول على القمح قامت حكومة النظام بزراعة جانبي اتوستراد دمشق- درعا بمحصولَي القمح والشعير، وحالياً يجري تداول فكرة بين مجموعة من الفعاليات الاقتصادية بشأن دفع الشركات الصناعية والمعامل وغيرها في المدن الصناعية والأرياف لزراعة الأراضي التي حولَها بمحصول القمح، وذلك لتعويض نقص المساحات التي كانت مَزروعة سابقاً.

وهنا نجد أن سوريا بعد أن كانت بلداً مكتفية في زراعة القمح باتت مستوردة له وبكميات كبيرة ما يضعها تحت وطأة الديون الخارجية لاستيراد هذه المادة الأساسية فقط، مع تراخٍ حكومي واضح، وتراجع الكميات المزروعة والمستَلمة من القمح عاماً بعد عام دون أي تحرك إسعافي.

 

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]