مصير جنوب دمشق على صفيح الاحتمالات


مهند شحادة

نفى مصدر من اللجنة السياسية في جنوب دمشق ما تناقلته مواقع إعلامية تابعة للنظام، عن موافقة الأولى على بنود التسوية القائمة على ما أسمته المواقع “إنهاء المظاهر المسلّحة وعودة مؤسسات الحكومة”، مشيرًا إلى أن المفاوضات “ماتزال مستمرة لإيجاد حلٍ يلائم المنطقة”، لافتًا إلى أن “كل الاحتمالات، في ما يتعلق بمصير المنطقة، ممكنة، ولا يمكن استثناء أي منها” على حد تعبير المصدر.

تأتي هذه التطورات في الوقت الذي تصاعد فيه الحديث عن إمكانية إبرام اتفاق في أحياء وبلدات الجنوب الدمشقي، بين فصائل المعارضة المسلحة والنظام السوري، يؤدي إلى تهجير مقاتلي المعارضة مع عوائلهم، ومن يرغب من المدنيين إلى الشمال السوري، وعودة المنطقة بأكملها تحت سيطرة النظام، وفق ما يسميه الأخير المصالحة، والعودة إلى حضن الوطن.

اللجنة مظلة سياسية تمثل جنوب دمشق

أكد ناشطون من جنوب دمشق، أن اللجنة السياسية في مناطقهم هي من يتولى المفاوضات مع النظام، وهي تتلقى دعمًا كبيرًا من معظم الفاعليات العسكرية والمدنية في المنطقة، وصل حد إطلاق حملة بعنوان “اللجنة السياسية تمثلني”.

الرضا والقبول الذي حازته اللجنة جاء بعد تعرّضها، في بداية تشكيلها، لحملات انتقاداتٍ عديدة وصلت إلى التشكيك في نياتها وقدرتها على التوصل لاتفاق منصف مع النظام، فما اللجنة السياسية؟ وإلى أين يمكن أن تصل المفاوضات المتواصلة؟ وما النقاط المطروحة في عملية التفاوض؟

في هذا السياق، أكدّ عمار عيسى، عضو المكتب السياسي لـ “تجمع عهد”، أحد أبرز المكوّنات الممَثلة في اللجنة السياسية، أن الأخيرة عبارة :”عن لجنة توافقية، تُمثل الشرائح الاجتماعية والفصائل العسكرية في المنطقة كافة، وتضم 6 أعضاء”.

وأضاف لـ (جيرون) أن اللجنة مؤلفة من ممثل لكل من بلدات (يلدا – ببيلا -بيت سحم) وممثل عن “جيش الإسلام”، وممثل عن “لواء شام الرسول”، وممثل عن “تجمع عهد” (وهو التجمع الأكبر. تشكّل أخيرًا من فصائل عسكرية عدة، أهمها “جيش الأبابيل”، أحد أبرز فصائل جنوب دمشق، و”لواء شهداء الإسلام”، و”أكناف بيت المقدس” وقوى مدنية)، وتشكلت اللجنة منذ ما يقارب شهرين، في إثر المتغيّرات المتلاحقة التي عصفت بمحيط العاصمة، ويمكن القول: إنها بمنزلة غرفة عمليات سياسية لإدارة المرحلة الحالية”.

الهدنة لم تكن خيارًا

يعد بعضهم اللجنة السياسية، وما يمكن أن تصل إليه من اتفاق أو تفاهم مع النظام، لا يعدو كونه أحد أبرز نتائج خيار الهدن والمصالحات الذي ذهبت إليه مناطق جنوب دمشق، منذ نحو ثلاثة أعوام، وهو ما أدى -وفق آرأئهم- إلى شلل كامل في أحياء وبلدات المنطقة، نتج عنه فقدان أي قدرة لمواجهة خطط النظام ومشروعاته.

ورفض عيسى توصيف الهدن على ذلك النحو، وعده غير منصف، لأن: “الهدنة كانت نتيجة أوضاع شديدة القسوة ولم تكن خيارًا مبنيًا على رغبة الفصائل والفاعليات المدنية الثورية في جنوب دمشق”. على حد وصفه.

، وأضاف أنه: “قبل الدخول في أي توصيف لواقع أحياء وبلدات جنوب العاصمة، وما وصلت إليه، لابد أن نتذكر ونعود إلى المرحلة التي أجبرت هذه المناطق على خيار الهدنة، فقد مر على المنطقة حصار جائر ومطبق، استمر لأكثر من ثلاث سنوات، مُنع خلالها إدخال الطعام والدواء والمواد الأساسية، ونتجت عنه وفاة ما يقارب 186 شخصًا من “طرفي” العمر، بفعل الجوع ونقص الرعاية الطبية. هذه الأوضاع الموضوعية هي التي اضطرت الثوار إلى إبرام هدنةٍ مع النظام عام 2014، ومازالت مستمرة إلى يومنا هذا، تخللتها فترات متقطعة من التوتر وإغلاق جزئي للحواجز، وغيرها من أساليب التضييق”.

وأضاف عيسى :”انطلاقًا من هذه المعطيات لا يمكن القبول بتبسيط الواقع إلى درجة القول: إن الهدنة دفعت باتجاه شلل المنطقة، وعدم القدرة على مواجهة خطط النظام فيها، لأنه توصيف ظالم لجنوب دمشق وثواره، فمازالت في المنطقة فصائل عسكرية ترابط على الثغور، ومؤسسات وهيئات طبية وإغاثية وإعلامية وتعليمية ثورية، وناشطو مجتمع مدني، وتجمعات مدنية ثورية منظمة، وهذا الكلام لا يعني أن الهدنة لم تتسبب في العامين المنصرمين إلى انزياح فئات وشرائح معيّنة من المجتمع باتجاه البحث عن مصالحهم الحياتية الخاصة، بعد تجربة الحصار، والذاكرة الجريحة المليئة بالحرمان”.

المفاوضات والخيارات

يرى عدد من ناشطي جنوب دمشق أن خيارات منطقتهم في ظل عملية التفاوض التي تقودها اللجنة السياسية محدودة جدًا، ولن تختلف كثيرًا عن غيرها من مناطق محيط العاصمة، بينما يرى آخرون أن الخيارات جميعها ممكنة، مؤكدين أن المفاوضات لن تُفرّط بالأرض، وتعود بها إلى حكم النظام السوري. عن هذا الجانب قال عيسى: “عجلة الأحداث متسارعة، وكل يوم لدينا معطىً جديدًا يُغير من التكتيك المُتبع، وانطلاقًا من ذلك، توافقت اللجنة السياسية منذ نحو ثلاثة أسابيع، على مُبادرة تضمن الحفاظ على الأرض والنفس، وعدم التفريط بثوابت الثورة، دون تدمير المنطقة وتهجيرها، ولم نطرح البنود في وسائل الإعلام؛ كي لا تُفهم خطأ ولا تُحلّل تحليلًا يفتح باب التأويل ويثير البلبلة داخل المنطقة، إلا أن رد النظام كان سلبيًا وقبيحًا، حيث رد النظام بالتضييق على الحاجز وعدم السماح بدخول المواد الغذائية والحاجات الأساسية، محاولًا إثارة الشارع وتحريضه ضد اللجنة السياسية، وعلى الرغم من ذلك لم نتعامل وفق ردود الفعل إثر هذا التصرف، بل نحاول التفاهم على صيغ تضمن مصلحة المنطقة وقاطنيها”.

وأوضح عيسى أن الأوضاع :”الموضوعية لمناطق وأحياء جنوب دمشق، تختلف عن غيرها في محيط العاصمة التي هُجّرت أخيرًا”، وأشار إلى أن “منطقتنا لها خصوصية تجعل النظام يتعامل معها بحذر، ونحن نتجه كلجنة سياسية لوضع سكان الجنوب الدمشقي في صورة ما حصل، ورفع مستوى الوعي وإحاطة السكان بالمخاطر والتداعيات من جراء سياسة التهجير التي ينتهجها النظام، وسيتضح -خلال الأيام القليلة المقبلة- أين تتجه الأمور، الاحتمالات كلها مفتوحة وواردة لا يُستثنى منها شيء، ولدى اللجنة كثير من الخيارات والبدائل، سنلجأ لها في الوقت الملائم”، ونوّه عيسى إلى “غرفة عمليات مشتركة لمعظم الفصائل العسكرية في المنطقة تشكلت أخيرًا” وهو “توجه طبيعي وصحي، فإن لم نتوحد الان متى إذن، نحن الأن في مفترق طرق ونخوض معركة وجود”.

(داعش) والضاحية الجنوبية

طرح أحد بنود التفاوض، بين اللجنة السياسية، ووفد النظام، مُمثلًا برئيس فرع الدوريات، طلال العلي، أن يتحول عدد من مقاتلي فصائل المعارضة المسلحة في مناطق جنوب دمشق إلى قتال تنظيمي “داعش” و”فتح الشام”، بإشراف وإدارة القيادة العسكرية للنظام، وهو ما اعدّه كثيرون بداية لاحتراب أهلي في المنطقة، سينهي أي إمكانية للتعايش بين مكوّناتها، ولا سيما أن المبادرة ذاتها ذكرت إمكانية التوصل إلى تفاهم بين قيادة بعض فصائل المعارضة والنظام على تهدئة وإنهاء القتال ما بين الأولى والميليشيات “الشيعية” في مناطق السيدة وزينب ومحيطها.

وعلّق عيسى أن الموضوع “ذُكر خلال المفاوضات، ولكن هل نقبل بذلك؟ هذا هو السؤال. كثيرون سيحاولون الاصطياد في الماء العكر، وفي النهاية نحن لن نوافق إلا على ما يضمن مصالح المنطقة، أما هذا الغمز واللمز فمردودٌ على أصحابه، لأنه وببساطة كل المعطيات، وعلى مدار السنوات الماضية، أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن (داعش) كانت دائمًا ورقةً بيد النظام، و”هناك أدلة دامغة” على ذلك، فهل يعلم أصحاب ذلك الطرح أين يتلقى جرحى (داعش) العلاج؟ في مستشفى المهايني بحي الميدان في قلب العاصمة دمشق، هل يعلمون عن خروج عدد من أمراء التنظيم باتجاه الرقة؟ هل سمعوا بالجلسات المغلقة في السيدة زينب بين قيادات التنظيم وقيادة الميلشيات هناك؟ وهل سمعوا عن المعلومات التي تتحدث عن الاتفاقيات المحتملة خلال الفترة المقبلة والقائمة على أن تخرج فئة قليلة من قادة وأمراء التنظيم، بينما يدخل بعضهم في تسوية وضع، ويتحول إلى لجان عسكرية تابعة للنظام”؟

تبقى مسألة (مشروع الضاحية الجنوبية) للعاصمة السورية دمشق، على غرار مثيلتها في بيروت، حاضرة وماثلة في أذهان كثيرين من أبناء المنطقة، ولا سيما أن أطماع طهران وميليشياتها في العاصمة السورية لم تعد طيّ الكتمان أو السرية، إلى جانب أن الميليشيات المحيطة بمناطق جنوب العاصمة بمعظمها من لون طائفي واحد يُدين بالولاء لإيران، وهنا قال عيسى: “في اعتقادي هذا طرح أيديولوجي غير دقيق، وبرأيي الشخصي النظام يهدف إلى استعادة السيطرة على جنوب دمشق، مُستغلا حالة العطالة الدولية وتراجع قدرات المعارضة ودعمها، ثم إن واقع سورية يختلف عن واقع لبنان؛ لأن الأوضاع الموضوعية لذلك البلد الخارج منهكًا من حرب أهلية، إلى جانب وجود احتلال في الجنوب، وما أعطاه اتفاق الطائف من شرعية واعتراف لوجود حزب الله العسكري بصفة مقاومة، هذه الأوضاع مجتمعة وبدعم من النظامين السوري والإيراني، وتفكك الحالة اللبنانية، أتاحت للحزب أن يقيم دولةُ داخل دولة، وأعتقد أنه من المبكّر الحكم النهائي على إمكانية الحياة لمثل هذه الخطط”.




المصدر