العدو الحقيقي لترامب المركنتيلية (1)، وليس العولمة (2)


أحمد عيشة

كما هو الحال في زمن آدم سميث (3)، تفضل الدولة بعض الشركات من خلال القوانين والضرائب والإعانات والتراخيص

00

بالنسبة إلينا نحن ـ غير الأميركيين ـ إنه من الصعب أحيانًا أن نفهم دونالد ترامب، لأنه يتحدث ويكتب في ما سماه الفيلسوف البريطاني برتراند رسل “بقع صغيرة من اللون”ـ وقائع ميكروية يجب تجميعها معًا لتشكيل صورةٍ ذات معنى.

بالنسبة إليّ، كخبير اقتصادي من أميركا الجنوبية، يعمل في جميع أنحاء العالم، بما يجعل من الرأسمالية أكثر شمولًا ومحاولًا التكيف مع تكنولوجيا المعاملات التجارية غير المراقبة (blockchain) لذلك الغرض، فالصورة التي يبدو أن السيد ترامب يرسمها، هي أن الشعب الأميركي والاقتصاد محتجزان/ممسوكان من جانب النخب، الذين يحصلون على الامتيازات في حكومة فاسدة تسيء إدارة العولمة والهجرة، بينما تفشل في احتواء الإرهاب. هذه هي المشكلات التي نواجهها أيضًا، نحن الموجودون خارج أميركا الشمالية وأوروبا الغربية ـ تسعون في المئة من سكان العالم ـ.

نحن جميعًا لدينا مصلحة في إصلاح المسعى النبيل للعولمة، والتي منذ الحرب العالمية الثانية، قد جعلت من الممكن للناس في جميع أنحاء العالم أن يصبحوا أكثر إلمامًا ويستفيدوا من الأسواق الحرة. عند قبول الحزب الجمهوري ترشيحه للرئاسة، قال السيد ترامب “الأمركة، وليست العولمة، ستكون عقيدتنا. “ربما كان يجهل أن العالم خارج الولايات المتحدة يواجه تحدياتٍ مماثلة. إنه يلوم منافسي أميركا الاقتصاديين على عديدٍ من تلك التحديات وهذا يعني التخلي عن الزعامة العالمية للولايات المتحدة.

إذا ما ابتعدت أميركا بعيدًا عن العالم، ستظهر زعامة أخرى، حيث كان الرئيس الصيني شي جين بينغ الأكثر سعادةً، ليخبر الحاضرين في اجتماع منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في مدينة ليما، في البيرو، هذا الشهر، أن بلاده ستدعم جميع أولئك الذين يريدون إبقاء الأسواق العالمية مفتوحة، حيث وقف المندوبون من جميع أنحاء العالم وصفقوا له بحرارة.

بينما كنت أجمع بقع السيد ترامب اللونية الصغيرة معًا، أدركت أن عدوه الحقيقي ليس العولمة لكن الميركانتلية ـ المرحلة الأولى من الرأسمالية التي كانت سائدة في أوروبا من القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر والمعروفة أيضًا باسم رأسمالية “المحسوبية” أو “المحدودة” ـ. حارب آدم سميث ومحدثين آخرين الحكومات الميركانتلية لمنح المنتج المفضل والنخب المستهلكة حقوقًا خاصة عن طريق أنظمةٍ معقدة، وعن طريق الإعانات، وعمليات الإنقاذ والضرائب والتراخيص والمعاهدات الثنائية التي سمحت لهم بالوصول إلى الأسواق العالمية على نطاقٍ واسع، واستيراد العمالة الرخيصة.

مع مرور الوقت تم التقليل من النزعة الميركانتلية بشكلٍ ملحوظ، ولكنها عادت إلى الظهور في القرن الحادي والعشرين، بطريقةٍ واحدة هي من خلال ظهور اتفاقات معقدة للتجارة الثنائية، بالتأكيد أفضل من أي تجارة على الإطلاق لكنها مليئةٌ بالمتاهات التي من خلالها تختلس المصالح الخاصة لالتقاط فائض القيمة وتهرب نحو عملٍ منخفض التكلفة.

خطة عمل السيد ترامب، “خطة المئة يوم لعودة أميركا قوةً عظمى ثانية” تستدعي “قوات مهمات خاصة” لتحديد وإغلاق الثغرات التي يتم من خلالها منح الامتيازات في الاتفاقات التجارية المعقدة. هذه، إذا تمت بشكلٍ صحيح، يمكن أن تُحسن التجارة من خلال جلب منافع أكبر لعددٍ أوسع من الناس.

اليوم، في البلدان النامية، كثيرًا ما يتم تحدي تلك الاتفاقيات التجارية، ليس من قبل الحكومات، ولكن من الناس المحرومين من امتيازاتهم، لماذا يتقدم هذا إلى الصدارة الآن؟ لأنه بعد هزيمة الشيوعية قبل 27 عامًا، توقع الناس العاديون أن يُسمح لهم بأن يستفيدوا مباشرةً من اتفاقيات التجارة الدولية، ولكن معظمهم لم يتلق سوى نوعٍ من إجراءات التشغيل القياسية التي قدمتها لهم المركنتيلية.

ما لم يحصلوا عليه، ويحتاج أكثر إلى الاستفادة من العولمة، هو الحقوق لتشكيل الشركات التي يمكن أن توظف المواهب وتبني المشاريع الهرمية خارج نطاق الأسرة، أو النظام القبلي المنتقد، للحد من المخاطر بمسؤوليةٍ محدودة، لم يحصلوا على الملكية والحقوق الفكرية لتقسيم وحماية أصولهم، والتي تتعهد لهم بزيادة رأس المال والائتمان، كما أنهم لم يحصلوا على شهاداتٍ قابلة للتحويل حتى يجمعوا هذه الحقوق لالتقاط فائض القيمة الموّلَّد، وتخزينه وتحويله إلى نقد. الآن إنهم يهاجرون إلى الولايات المتحدة وأوروبا، يفيضون المدن، ويختصرون الوقت والمال، ويغذون صفوف الإرهاب.

لقد رثى الاقتصادي في جامعة كولومبيا جاغديش باغواتي المعاهدات الثنائية، والتي تعطي الشركاء الحق في الاستبعاد والتمييز ضد البلدان غير المدرجة في الاتفاق، التي حلت محل اتفاقات التجارة العالمية متعددة الأطراف، والتي كانت فوائدها مشتركةً تلقائيًا بين جميع البلدان. هذا، كما يقول السيد باغواتي، يخلق أنظمة “قصعة السباغيتي” وجيوشًا من المحامين والنخب الجديدة المنظمة لشق طريقهم عبر المستنقع.

في فرنسا القرن الثامن عشر، أدت ستة مجلداتٍ من الأنظمة الخانقة على تجارة المنسوجات إلى إعدام 16000 من رجال الأعمال، الذين لم يتمكنوا من الامتثال. يذكرنا ماضي أوربا بنزعته الميركانتلية المشوهة، بالربيع العربي الذي اندلع في أوائل عام 2011 عندما ضحى نحو مئة من رجال الأعمال/الرواد في جميع أنحاء المنطقة بذاتهم احتجاجًا على عدم السماح لهم بالقيام بأعمالٍ تجارية (4). وكان الرائد الأول الذي تقدم هو محمد البوعزيزي، بائع فاكهةٍ تونسي الذي توفي ـ مرتدياً حذاءً رياضيًا على النمط الغربي، والجينز، تي شيرت والسترة ـ احتجاجًا على مصادرة بضاعته.

البوعزيزي، مثل الأميركيين المحبطين الذين صوتوا لمصلحة السيد ترامب، ليسوا ضحايا العولمة لكنهم ضحايا الميركانتلية. والسؤال هو ما إذا كانت إدارة السيد ترامب يمكن أن تصنع من بقعه اللونية الصغيرة صورة كبيرة ذات معنى ـ ليس فقط في أميركا ولكن في العالم.

اسم المقالة الأصليThe Real Enemy for Trump Is Mercantilism, Not Globalism
الكاتب*HERNANDO DE SOTO ، هيرناندو دي سوتو
مكان وتاريخ النشروول ستريت جورنال، The Wall Street Journal

27-11-2016

رابط المقالةhttp://www.wsj.com/articles/the-real-enemy-for-trump-is-mercantilism-not-globalism-1480279192
المترجمأحمد عيشة

* دي سوتو، مؤسس معهد الحرية والديمقراطية في ليما، بيرو، هو مؤلف كتاب “لغز رأس المال: لماذا تنجح الرأسمالية في الغرب وتفشل في أي مكان آخر”




المصدر