إسكات الصحافيين الاستقصائيين حول العالم


نشر معهد “بوينتر” للدراسات الإعلامية، الخميس، تقريراً موسعاً، سلّط من خلاله الضوء على التهديدات التي تواجه الصحافيين بعد تسريبات وثائق بنما، حين عمل 370 صحافياً على مشروع واحد في أكثر من ثمانين دولة. وبقي المشروع سرياً، ثم خرج إلى النور محدثاً زلزالاً صحافياً، وذلك تحت إشراف “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”.

وجاءت التسريبات بعد خمس سنوات على قضية التسريبات الأشهر “ويكيليكس”، وبعد حوالي 45 عاماً على تسريبات “وثائق البنتاغون” حول حرب فيتنام، والتي تعدّ الأشهر في تاريخ التسريبات التي غيّرت مجرى أمور كثيرة حول العالم.
أشار التقرير إلى أن مدير تحرير صحيفة “L’Évènement” النيجرية، موسى أكسر، تلقى اتصالاً هاتفياً، نبهّه إلى وجود خطر على حياته، طالباً منه أخذ الحذر في تحركاته واتصالاته الهاتفية، في يوليو/تموز الماضي. وكان أكسر قد نشر الفضيحة النيجرية الأولى من سلسلة تسريبات أوراق بنما، إذ ظهر على غلاف الصحيفة، في 25 يوليو/تموز الماضي، مقالاً عرض تفاصيل جديدة، حول ارتباط شركة خارجية برجل أعمال، يعدّ الممول الرئيسي للحزب السياسي الحاكم في النيجر. وبيعت نسخ الصحيفة كلها في غضون ساعات قليلة.

قبل ذلك، سُجن أكسر لمدة ستة أيام في عام 2008، بسبب تقريره الاستقصائي عن الفساد والاتجار بالأدوية المغشوشة والسوق السوداء لبيع الأطفال في النيجر.
لا يعدّ أكسر وصحيفته الوحيدين اللذين عانيا من تداعيات سلبية بعد تسريبات بنما، والتي تعدّ التعاون الأضخم بين الصحافيين حول العالم. إذ أثارت التسريبات 150 تحقيقاً رسمياً على الأقل في أكثر من 79 بلداً في أنحاء العالم كافة، لكنها سببت أيضاً استياء بعض الحكومات والأفراد، بعد الكشف عن الملكيات الاقتصادية السرية للنخبة العالمية.

وردّ سياسيون ورجال أعمال والآلاف من مؤيديهم على الأمر باستخدام النقد اللاذع، والتهديد، وشنّ هجمات إلكترونية، بالإضافة إلى رفع دعاوى قضائية ضدّ الصحافيين، وفقاً لاستطلاع أجراه “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”.
في إسبانيا، أعلنت الشركة الأم لصحيفة “El Pais”، “غروبو بريزا”، عن خطتها لمقاضاة صحيفة “El Confidencial”، ومطالبتها بتعويض بقيمة تسعة ملايين دولار أميركي. إذ اعتبرت الشركة أن التحقيقات في تسريبات أوراق بنما التي نشرتها الصحيفة، وتضمنت تورط الزوجة السابقة لصحاب الشركة، خوان لويس سيبريان، “بلغ حد المنافسة غير المشروعة”.

في تونس، اخترق قراصنة إلكترونيون الصحيفة الإلكترونية “إنكيفادا”، وتعرض رئيس تحريرها، وليد الماجري، للتهديد بالقتل عبر رسائل على موقع “فيسبوك”. وكانت شخصيتان تونسيتان ذكرتا في تسريبات بنما، هما المنسق العام لحركة “مشروع تونس” والمدير السابق للحملة الانتخابية للباجي قائد السبسي، محسن مرزوق، ورجل الأعمال والمرشح الرئاسي السابق، سمير العبدلي. وفتحت السلطات التونسية، حينها، تحقيقاً رسمياً في القضية.

أما في منغوليا، فرفع وزير بيئة سابق دعوى ضد “مونغول آي تي في”، بتهمة التشهير، وخسرها. في تركيا، واجهت صحيفة “جمهورييت” تهديدات عدة بإقفالها. وهددت مصلحة الضرائب الفنلندية بمداهمة منازل الصحافيين ومصادرة الوثائق، وهي خطوة غير مسبوقة في التعامل مع الصحافة في البلاد. كما تلقى العاملون في صحيفة “لا برنسا” اليومية في بنما، تهديدات من قبل مجهولين عبر موقع “تويتر”، وقال أحدهم “ما شعوركم وأنتم تدمرون بلادكم؟”.

وتصاعدت القضية في الإكوادور، حيث استخدم الرئيس الإكوادوري، رافايل كوريا، “تويتر” لمهاجمة الصحافيين الذين عملوا على تسريبات بنما بالأسماء. بعدها، بدأ مناصروه بمضايقة الصحافيين المذكورين، وأعيد نشر تغريدات كوريا حوالي 500 مرة، ووصفوا الصحافيين بـ”الفاسدين” و”المتوحشين”، و”المرتزقة” و”أذناب الإمبراطورية”.

واستدعى “مجلس الإعلام المستقل” في أوكرانيا، وهي هيئة غير حكومية، الصحافيين الذين عملوا على التسريبات، بعد تلقيها شكاوى كثيرة بأنهم انتهكوا المعايير الأخلاقية للعمل الصحافي، علماً أن التسريبات كشفت عن وجود شركة تابعة للرئيس الأوكراني، بيترو بوروشينكو، خارج البلاد، وأسسها في ذروة الحرب بين الحكومة الأوكرانية والقوات الموالية لروسيا.

أما مراسلة صحيفة “Últimas Noticias” التي تعدّ من أهم الصحف في فنزويلا، أهيانا فيغيروا، أقيلت من منصبها في الصحيفة. كما هاجمت سبع وسائل إعلامية فنزويلية، على الأقل، الصحافيين الذين عملوا على تسريبات بنما، وفقاً للتقرير. وأجبر كبير المحررين في صحيفة “Ming Pao” في هونغ كونغ، كيونغ كووك يوين، على تقديم استقالته.



صدى الشام