العیادات المتنقلة تخفف مأساة الطبابة في إدلب


سونيا العلي

لم تعد الخمسينية أم عدنان، من قرية حوّا، مُضطرة للاستعانة بجیرانها كل حین؛ لاصطحابها إلى المستشفى الوطني في معرة النعمان، لقياس ضغطها؛ لأن سیارة العیادة المتنقلة باتت تصل إلى منزلها، حیث يقوم الطبيب بمتابعة حالتها الصحية وقياس ضغط الدم والسكري وإعطائها ما تحتاجه من أدوية.

تعیش محافظة إدلب مأساة حقيقية في القطاع الصحي، إذ يعاني المواطنون من صعوبة الحصول على الرعاية الطبیة والصحیة؛ حتى الأوليّة منها، بسبب خروج عدد كبیر من المستشفيات العامة والخاصة عن الخدمة؛ نتيجة تعرضها للتخريب والقصف، أو تحويل بعضها إلى مواقع عسكرية، إضافة إلى نقص الكوادر الطبیة والأدوية.

نتیجة لهذا التراجع، وفي سبیل تقديم الخدمات الطبیة والرعاية الصحیة اللازمة للمواطنين، لُجئ إلى أشكال بديلة، منها العیادات المتنقلة التي يقوم علیها عدد من الأطباء والممرضين والمسعفين.

وقال المدير الطبي للعيادات المتنقلة، الطبيب عقبة الدغیم، لـ (جيرون): “إن منظمة (سورية للإغاثة والتنمية) أنشأت عیادتین في ريف إدلب منذ آذار/ مارس الماضي، لتغطیة القرى والمخيمات الواقعة في ريف معرة النعمان الشرقي، حیث توجد كل عیادة ضمن سیارة إسعاف مزودة بالمعدات الطبیة والأدوية، وتقدم الخدمات الطبیة الأساسية لنحو 100 مريض يومیًا، كما تُقدم للمرضى الأدوية الملائمة مجانًا، ويتألف الكادر الطبي من طبیب عام وممرضَین وصيدلي ومُوثّق، إضافة إلى مرشدة نفسية”.

ويضيف الدغيم أن فكرة العیادات جاءت “استجابة سريعة لحاجة الناس، من مقیمین ونازحين، وخاصة في المناطق غير المُخدمة، والبعیدة عن المراكز الصحیة، كما تغطي المخیّمات العشوائیة التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحیاة، محاولين تلبیة حاجاتها الصحیة”.

يلاحظ مدين العثمان، الطبيب الفاحص في إحدى العیادات المتنقلة، تزايدًا في حالات الإعاقات، وانتشار الأمراض المعدية، وأمراض سوء التغذية، إضافة إلى الأمراض التي تنتقل عن طريق المیاه الملوثة، لذلك؛ “كانت العیادات المتنقلة ظاھرة إيجابية لتغطیة المناطق غير المغطاة طبیًا”، ومن شأن هذه العيادات “تقديم طبية جيدة وكافية؛ بسبب حيازتها معدات طبیة مثل (جهاز تخطیط قلب – سكشن – أجهزة ضغط – سماعات – منظار أذن – میزان أطفال) إضافة إلى أدوية متنوعة”، وقد جرى “اختيار المناطق بناء على الأماكن المكتظة بالنازحين خاصة، حیث تقدم كل عیادة خدماتها لنحو 12 مخیمًا وقرية”.

تنتشر الأمراض المعدية في ريف معرة النعمان؛ بسبب اختلاط الناس، ويلاحظ الأطباء كثرة أمراض الأمعاء واللیشمانیا والجرب صیفًا، أما في الشتاء، فتنتشر الإنتانات التنفسیّة والزكام والتهاب القصبات.

تعرض أبو بلال (29 عامًا) من قرية سنجار لجرح في قدمه، في أثناء ممارسة عمله في البناء، والتهب الجرح نتیجة الإهمال، وعدم عرضه على طبیب مختص، لذلك؛ عقّم طبیب العیادة المتنقلة الجرح، ومنح أبو بلال مضادًا للالتهاب، وخاط الجرح، ونصحه بالراحة وعدم تعرضه للبرد، حتى يشفى.

الطفل كمال الحسن (6 سنوات) من ريف حماة، نزح مع أسرته إلى مخیم جرجناز، أصابه التهاب أمعاء. فحصه الأطباء. شخّصوا مرضه. تقول أمه: “كان ولدي يشكو من ألم في بطنه، وترتفع حرارته، ولا أدري ما أفعل لعدم توافر إمكانية العلاج، وخلو المنطقة من المراكز الصحیة، ومع وصول العیادة المتنقلة عرضته على الطبيب، الذي منحه الدواء، ووصف له حمیة غذائیة عن تناول بعض الأطعمة، وأحمد الله على شفائه، وأشكر كل من يساھم في مد يد العون لنا.”

المرشدة النفسية، عائشة، ترافق سیارة العیادة المتنقلة لتقدم الدعم النفسي للأطفال، تستمع إلى “همومهم ومشكلاتهم” وتقدّم لهم بعض “النشاط والحفلات والدروس التوعوية والترفيهية، والدعم النفسي التي من شأنها أن تنسیهم بعض معاناتهم، وتردم الهوة بین ماضیهم وحاضرھم، وتعزز إنسانيتهم التي سرقتها الحروب”.

في مدينة كفرنبل شغّل “اتحاد المكاتب الثورية” عیادة طبیة نسائیة متنقلة، كادرها طبیبة عامة، وطبیبة نسائیة، وممرضة، وقالت الطبیبة، ھلا الخطیب، مديرة العیادة النسائیة، المختصة بأمراض العین وجراحتها، لـ (جيرون): إن “السیّارة مجّهزة بإيكو محمول – جهاز أوكسجين – جهاز رذّاذ – جهاز لتحلیل السكر، وآخر لقیاس ضغط الدم، إضافة إلى أدوات جراحیة ومواد إسعافات أولية”.

تقدم العيادة النسائية (كفرنبل) خدماتها الطبیة في “قرى سهل الغاب النائية التي تفتقر للخدمات الطبیة، وفق برنامج منظم، وتعاين أكثر من 80 حالة يومیًا من نساء وأطفال”، كما تقدم “للأمهات الحوامل المتممات الغذائية اللازسمة”. وأحیانًا “نقوم بتوليد النساء في الحالات المستعجلة داخل العیادة”.




المصدر