خيارات مرعبة أمام الفارين من أهالي حلب..أين يذهبون للنجاة من القصف؟

4 ديسمبر، 2016

أثناء تقدم قوات النظام داخل حي الصاخور الذي كان خاضعاً لسيطرة المعارضة في حلب قال حسن العلي إنه وجد نفسه مضطراً للاختيار بين البقاء والوقوع في قبضة جيش النظام وبين الهرب إلى جيب متضائل لمقاتلي المعارضة يتعرض لقصف متواصل بلا انقطاع.

وقع اختيار العلي وهو أب لثلاثة أولاد على الخيار الثاني رغم تضاؤل الكميات المتاحة من الغذاء والوقود والماء والدواء إلى مستويات حرجة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة وذلك لشدة خوفه من إجرام قوات النظام.

وقال العلي (33 عاماً) في حلب الشرقية “ما أخذت شيئاً معي. أخذت الأولاد وجريت لسيارتي ورحلت (..) أخذنا القرار في اللحظة الأخيرة لأنه كان من الممكن أن ينقض الجيش علينا في أي لحظة.”

وفي رأي العلي وكثيرين غيره ممن يعيشون في المناطق التي سقطت في أيدي جيش النظام في الأيام الأخيرة يبدو أن ما في حلب الشرقية من خطر وحرمان رهان أصوب من السجن أو التجنيد في جيش النظام الذي يخشونه إذا انتقلوا إلى المناطق الخاضعة لسيطرته.

غير أنه في حين قرر البعض الفرار إلى عمق الأحياء الباقية في أيدي المعارضة في حلب قرر آخرون المجازفة بعبور الخطوط الأمامية إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام في المدينة في رحلة محفوفة بالخطر باعتبار أن ذلك الخيار أكثر أمناً من البقاء مع المعارضة التي تواجه قوة أكبر بكثير منها.

وقال عبد السلام أحمد الذي عبر إلى مناطق سيطرة النظام مع زوجته وبناته الست بعد أن أصابت قذيفة بيتهم “أرجو أن تعود سوريا كما كانت وأن يعود للناس الأمن والسلام كما كان الحال.”

وأضاف أحمد عامل البناء السابق أن الأوضاع بلغت من السوء حداً لا تستطيع معه الحيوانات احتمالها. وفرت أسرة أحمد فجراً رغم تردد أصداء النيران وهي تعبر الخط الأمامي.

وتحدث أحمد لتلفزيون رويترز في مصنع للقطن توقف العمل به في منطقة جبرين بحلب يمثل إحدى منشأتين صناعيتين سابقتين فتحتهما قوات النظام لاستقبال النازحين.

ويمثل الاتجاهان المتباينان اللذان اختار العلي وأحمد السير في أحدهما دون الآخر الخيارات المرعبة التي تواجه المدنيين الهاربين من أشرس معارك الحرب السورية.

من جهته قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا إنه منذ اجتاح جيش النظام الشطر الشمالي من الجيب الذي تسيطر عليه المعارضة قبل أسبوع وسيطر على عدة أحياء كبيرة كثيفة السكان فر ما لا يقل عن 30 ألف شخص عبر الخطوط الأمامية من مناطق المعارضة.

والإحصاءات أكثر صعوبة في حلب الشرقية بسبب عدم وجود مؤسسات دولية في المنطقة غير أن ألوفاً آخرين تراجعوا إلى القطاع الخاضع لسيطرة المعارضة بما في ذلك الأحياء شديدة الكثافة في الحي القديم. ويقدر مكتب الأمم المتحدة أن 5000 نزحوا عن بيوتهم في حلب الشرقية.

وقال مبعوث الأمم المتحدة في سوريا يوم السبت إن عدد الباقين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة ربما يتجاوز 100 ألف شخص. وبينما يقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن عددهم قد يصل إلى 200  ألف شخص.

والأوضاع تتدهور بالنسبة للباقين في مناطق المعارضة بفعل نقص السلع الأساسية واستمرار خطر القصف في المناطق المدنية والاشتباكات بالقرب من الخطوط الأمامية سريعة التغير.

وقالت امرأة فرت إلى مناطق النظام من بيتها في حي جب القبة وعرفت نفسها بأم علي “كانوا يعطوننا كيساً من الخبز كل يوم أو يومين (..) خمسة أرغفة.”

وتأمل أم علي بعد أن أتم جيش النظام فحص أوراق هويتها هي وأسرتها الانتقال للإقامة مع شقيقها في حي غربي في حلب يخضع لسيطرة النظام.

ويعتقد كثيرون ممن اختاروا البقاء في مناطق المعارضة أن فحص أوراق الهوية مقدمة لاعتقالات جماعية وعمليات تعذيب وقتل خارج نطاق القانون استناداً إلى تقارير إعلامية مختلفة عن مثل هذه الخطوة. وينفي النظام هذه الاتهامات ويدعي أنها ملفقة.

بينما صرح المرصد السوري يوم الأربعاء أن النظام اعتقل المئات. ونفى مصدر عسكري تابع لحكومة النظام ذلك وقال إنه يجري التحقق من هويات الجميع لكن السلطات لا تحتجز أحداً.

وانتقل خليل حلبي (35 عاماً) الصيدلاني من حي الشعار القريب من الخط الأمامي الجديد مع زوجته وأطفاله إلى الحي القديم الذي تسيطر عليه المعارضة بعد ما وصفه بتصعيد القصف على مدار 11 يوماً.

وقال: “الدمار لا يوصف. الأطراف (البشرية) أطراف محترقة. انهارت مبان واحترقت ودمرت مساجد بالكامل.”

وأضاف: “فقدنا أناساً كثيرين (..) بالبراميل المتفجرة والصواريخ. بعضهم مات وبعضهم أصيب بإصابات دائمة” وفر بعض الناس من الحي الذي كان حلبي يعيش فيه في الاتجاه الآخر طلباً للملاذ في مناطق النظام.

وبالنسبة لسكان حلب كان قرار مغادرة بيوتهم حتى في مواجهة الحرمان وبعد الحرب التي بدأت في سوريا عام 2011 ووصلت مدينتهم في 2012 قراراً صعباً.

وذكر محمود زكريا رنان الخياط من حي الشيخ نجار بالمدينة وهو أب لستة أطفال ويمتلك محلاً صغيراً أن أسرته قررت أخيراً الرحيل بعد أن أصيب بجروح عندما سقطت قذيفة على منزلها.

وأضاف: “عشت في بيتي 40 سنة. فأتركه في يوم واحد؟” انتقلت الأسرة إلى حي الشيخ خضر ثم إلى الحي القديم. لكن مع استمرار الاشتباكات قررت الانضمام إلى شقيقه في حي الأعظمية الذي يسيطر عليه النظام.

وقال رنان: “عندنا أطفال وأنا مصاب (..) ولذلك اضطررنا للسير ببطء شديد”. وخلال الرحلة اضطرت الأسرة للسير ساعتين عبر المدينة بدءاً من الساعة الرابعة صباحاً. وأضاف: “كانت معنا مجموعة كبيرة. وحتى ضربوا علينا النار على طريق المطار.”

وربما كان بعض المحاصرين في قطاع المعارضة من المدينة يأملون النجاة من خلال اتفاق بين المعارضة والنظام مثل الاتفاقات التي سمحت للآلاف بمغادرة داريا بالقرب من دمشق إلى إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة بعد حصار استمر سنوات.

وقال العلي: “سأنتقل إلى منطقة أخرى سآخذ أسرتي وأسعى للجوء في منطقة أخرى منطقة محررة ليس فيها النظام. ليس لدي أي ثقة بالنظام للبقاء في مناطقه”.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]