مهد الثورة صامدة وعصيّة على النظام

4 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016
9 minutes

مهند شحادة

حاول النظام السوري -ومازال- إنهاء الثورة في أحياء درعا البلد (الجزء المحرر من المدينة) جنوبي البلاد، إلا أن المدافعين عنها صمدوا على مدار أعوام، على الرغم من شراسة الحملات العسكرية التي شنها النظام؛ لكسر خطوطهم الدفاعية.

من جهتهم، يؤكد ناشطو درعا أن أحياء المدينة الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة المسلحة ستبقى عصية على النظام وحلفائه، مشددين على أن مهد الثورة السورية ستبقى “أم اليتامى”، كدلالة على أنها والدة الجنين الذي ينمو حتى الآن، وخرج من رحمها أساسًا، وستستمر في ترديد مقولة الثورة الأولى (الموت ولا المذلة)، مؤكدين -في الوقت نفسه- أن إصرار النظام على اقتحام مناطقهم لا ينبع من رغبته في إلحاق هزيمة معنوية وجدانية بجمهور الثورة فحسب، وإنما للأهمية الاستراتيجية لأحياء درعا البلد كذلك، إذ تُعدّ تلك الأحياء أحد أهم عقد المواصلات في الجنوب السوري، ومن يسيطر عليها يحصل على هامش كبير للتحرك والمناورة؛ نظرًا لامتلاكه خطوط إمداد وتموين غير محدودة.

درعا البلد في مواجهة دائمة

تعرضت أحياء درعان وما تزال، لقصف عنيف بأنواع شتى من الأسلحة، في محاولة من النظام لتغطية قواته على الأرض؛ بهدف إحداث خرق في دفاعات مقاتلي المعارضة، والتقدم في عمق تلك الأحياء؛ ما يجعل من المنطقة في حالة مواجهات دائمة لا تهدأ، وهو ما يؤكده أبو رضا أبو نبوت، قائد لواء توحيد الجنوب، في حديثه لـ (جيرون)، حيث قال: “درعا البلد صامدة وستبقى، نحن سندافع عن المدينة حتى الرمق الأخير؛ لأنها مدينتنا التي تربينا وعشنا فيها، وأهلها أهلنا”.

أما الحديث عن الأوضاع “السيئة وانتظار المؤازرات”، فقال “إن ثوار حوران جميعهم أبناء فصيل واحد، وإن تعددت الأسماء، فهذه شيمهم وأخلاقهم، ولن يتخلفوا لحظة عن نصرة أهلهم في المدينة، إن تعرضوا للخطر، ونحن -حتى اللحظة- لم نطلب الدعم والمؤازرة من أحد، وضعنا جيد ومعنويات مقاتلينا مرتفعة”.

وأضاف أبو نبوت: “درعا لن تصالح، هذه المدينة تمسك قرارها السياسي والميداني جيدًا، ولن تسمح لنظام بشار الأسد وحلفائه أن يأخذوا قرارها من يد أبنائها وأبناء حوران، النظام لم يترك صنفًا من صنوف الأسلحة إلا واستخدمه في درعا البلد، ومع ذلك، رفضنا وسنرفض أي مشروع للمصالحة مع قاتل الأطفال، وكل محاولاته ستفشل، أما من يتحدث عن سيناريوهات مشابهة لتلك التي حدثت في ريف دمشق، فأقول لهم: أنصتوا جيدًا إلى أوهامكم، نحن سنبقى على أرضنا، ولن يرحل أحد منا طالما أنه ما زال يتنفس”.

وقال الناشط الإعلامي سامر المسالمة لـ (جيرون): “المواجهات والاشتباكات والقصف على جبهات درعا البلد متواصل يوميًا، ومقاتلينا صامدين وسيبقون؛ لأن الفصائل والألوية الموجودة في درعا البلد هي من النخبة المدربة جيدًا على قتال المدن والشوارع، وصاحبة باع طويل في المواجهة، وهذا ليس إنشاءً، بل تثبته الوقائع على الأرض، وأعتقد أنه من الصعوبة بمكان أن ينجح النظام في التقدم داخل أحياء درعا البلد، إلا في حال استخدم وسائط عسكرية غير متوقعة، بالاعتماد على الحليف الروسي” هنا يمكن القول “بأن الوضع سيصبح صعبًا”.

وعن موضوع المصالحة، لفت المسالمة إلى أن “أحياء درعا البلد (طريق السد، المخيم، وغيرها) يستحيل أن تقبل الدخول في خطط مصالحة مع النظام، على الرغم من أن الأخير قدم عروضًا لثوارها لم يقدمها لأي منطقة في سورية، ومع ذلك رفض ثوار المدينة، بل إن المنطقة الوحيدة في حوران التي لم تهدأ فيها الاشتباكات هي درعا البلد، ومن يروّج لفكرة المصالحة هم ممن يمكن تسميتهم بالطابور الخامس، وخلايا حزب البعث، بالاعتماد على شائعات وأوهام غير موجودة سوى في أذهانهم، نحن مطمئنون تمامًا أن خطط المصالحة لن تمر في درعا البلد، أما فيما يتعلق بسيناريوهات الترحيل، فأعتقد أنها نجحت في ريف دمشق؛ لأنها مناطق محاصرة منهكة، احتفى نظام الأسد بانتصار على الأطفال والنساء الذين نهش الحصار أجسادهم وأرواحهم، ولكن الأوضاع في درعا مختلفة؛ لأنها تمتلك بنية تحتية للزراعة، يجعلها في حالة اكتفاء ذاتي، إضافةً إلى المجال الحيوي للمدينة، واتصالها بالأشقاء في الأردن؛ ما يجعل حصارها مستحيلًا، لذلك؛ أقول وبثقة: إن الباصات الخضر لن تصل درعا، مهما حاول النظام ومن يتحالف معه”.

أهم عقد المواصلات في الجنوب

منطقة درعا البلد استراتيجية بامتياز-يقول المسالمة- لاعتبارات عديدة، منها اتصالها بالحدود الأردنيةن وإشرافها على أهم طرق المواصلات في الجنوب، مضيفًا أن “أحياء درعا البلد تعد أهم عقد المواصلات بين الريف الشرقي، والريف الغربي من محافظة درعا، كما أنها تقع على الطريق الرئيس الواصل بين الريفين، ومن هنا تأتي محاولات النظام المتكررة للسيطرة عليها، بهدف الوصول إلى الجمرك القديم وكتيبة الهجانة؛ ما يعني عمليًا السيطرة على الطريق الحربي وفصل الريفين عن بعضهما، فهي منطقة حساسة جغرافيًا وسياسيًا؛ لأنها تضم جمرك درعا القديم، وهو مقر سيادي للنظام، يقع على الحدود الأردنية مباشرة”.

وأوضح المسالمة أنه لا خشية على درعا البلد من السقوط، على الرغم من شراسة الحملات العسكرية للنظام؛ لأن من يدافع عن المدينة أبناؤها، وهو ما يجعل الإصرار على القتال والدفاع أكثر ضراوة، ليس لأسباب سياسية فحسب، بل أيضًا لأن أكثر من 15 ألف إنسان مازالوا داخل هذه الأحياء، وهم الحاضنة الشعبية للمقاتلين، وهنا يصبح للقتال معنىً آخر للدفاع عن الأهل والأرض والعرض، وأضاف: “النظام شن عشرات الحملات العسكرية على درعا البلد، ولم يستطع التقدم مترًا واحدًا، وأعتقد أنهن من خلال معظم التجارب السابقة، بمكن التأكيد أن لا خوف على درعا البلد”.

وكشف المسالمة “أن هناك قرارًا متخذًا من جميع القوى في حوران، بأنه في حال استطاع النظام اقتحام أحياء درعا البلد، بما تحمل من دلالات رمزية ووجدانية، سيكون الرد كبيرًا على جميع مناطق سيطرة النظام، وأعتقد أن الأخير يعجز عن تحمل تبعات مثل هذه التغيير في خريطة المعارك، بمعنى: توجد توازنات عسكرية سياسية يفهمها الطرفان، ولا أعتقد أن الوقت حان لكسرها أو تغييرها بعد”.

قطاع طبي شبه عاجز

ولفت المسالمة إلى أن الوضع الإنساني داخل أحياء درعا البلد سيئ، وذلك؛ لأن القصف لا يهدأ، ولا سيما على كل من حيي طرق السد والمخيم، و “هناك خسائر كبيرة على المستوى البشري والمادي، القطاع الطبي بحاجة إلى دعم بالأطباء من اختصاصات مختلفة، أحياء درعا البلد تعاني من فقدان عديد من السلع الحيوية والاستراتيجية، إضافة إلى النقص في المواد والأدوات الطبية، وكثيرًا ما يواجه الكادر الطبي عجزًا في إسعاف الجرحى؛ نتيجة هذه الأوضاع، ونلجأ إلى نقلهم نحو المراكز الطبية في المناطق المجاورة، مثل مستشفى الطيبة أو مستشفى تل شهاب، كذلك تعاني أحياء درعا البلد من نقص كبير في مياه الشرب؛ نتيجة استهداف أنابيب وخطوط المياه بالقصف، هناك معاناة كبيرة داخل المدينة، لكن الأهالي صامدون، ويعرفون أن ما يمرون به هو ثمن يدفعوه؛ لأنهم لم يساوموا على كرامتهم وكرامة السوريين”.

بدوره قال أبو نبوت: “الوضع الانساني صعب وسيئ، ولكننا ندرك أن لكل شيء ثمن، وثمن حريتنا هو الوضع الذي نعيشه، بتفاصيله اليومية من قصف لا يهدأ، إضافة إلى جميع الضغوطات الناجمة عن واقع غير سوي، وعلى الرغم من ذلك، نحن سنتمسك بهذه الثورة المجيدة التي تحاول إيران والروس إخماد جذوتها، سيفشلون، وستبقى بإذن الله كلمة الحق الأعلى”.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]