ازدواجية القوانين في الجزيرة السورية… حمامةٌ نسيت مشيتها


جيرون

يعاني المواطنون في الجزيرة السورية من تناقض المرجعية الإدارية والقانونية الناظمة لأمور حياتهم، فثمة قرارات تُصدرها، ما تسمى بـ “الإدارة الذاتية”، وتُوزعها على “مؤسسات” انشأتها هي، في الوقت الذي يحتفظ النظام السوري بقوة وجوده هناك، “مدعومًا” بعشرات المؤسسات التي يواظب على دفع رواتب موظفيها حتى الآن.

بلغ عدد ما يسمى بـ “القوانين” التي صدرت عن “الإدارة الذاتية” نحو200 قانونًا، منها ما طُبق بالفعل، وبعضها لم يزل قيد الدراسة لدى ما يسمى بـ”المجلس التشريعي” التابع لـتلك “الإدارة”.

وفي هذا السياق، قال المحامي علي كوران لـ (جيرون): “إن ما تُسنّه الهيئات التابعة لـ (الإدارة الذاتية) في منطقة الجزيرة من قوانين، يخلو من أي بُعد قانوني. وعلى الرغم من أنّ بعضها يُطبَّق -بالفعل- كيفما اتّفق، فإنّ الغالبية العظمى من الناس غير راضية عنها”، لأسباب متعدّدة، أهمها “انعدام الشروط القانونيَّة في ما يصدر من قوانين، فالمتعارف عليه هو عرض القانون على الشعب، ومن ثم معرفة نسب الموافقة أو الرفض ليُنظَر -بعدئذ- في إمكانية تعميمه أم لا، وهذا ما لا يحدث في منطقة الجزيرة، كما أنّ القوانين في العادة تكون ملائمة للأوضاع التي يعيشها الناس، وما صدر -حتّى الآن- من قوانين لا تتلاءم وحالة الفقر وانعدام الأمن والاستقرار الضروريّيَن لسرَيَان القوانين”.

التعارض بين القوانين الصادرة عن هيئات ما يسمى “الإدارة الذاتية” والنظام السوري، التي لا تزال سارية المفعول في مناطق الجزيرة السورية؛ حتّى اللحظة، يُسبّب إرباكًا لدى المواطنين.

وقال سمير، سائق سيارة أجرة من مدينة القامشلي، بأن “المواطن هو الجهة الوحيدة التي تدفع الثمن، فنحن ندفع غرامتين أحيانًا، تصل قيمة الواحدة إلى 4 آلاف ليرة سورية، وهو مبلغ كبير، ونضطّر إلى ترخيص سياراتنا لدى جهتين، وإصدار بطاقات مرور للسيارة من جهتين أيضًا، وعندما نسأل “الإدارة الذاتية”، يكون الجواب: ادفعوا الغرامات، والتزموا بالقوانين الصادرة عن “الإدارة”، ما يزيد في إرباكنا أكثر، لأنّنا نصطدم في اليوم بجهتين مروريتين، تتقاسمان الشوارع بالتساوي، وكلٌّ يمارس علينا قوانينه الخاصَّة به، وما علينا سوى الدفع فحسب!”.

يقول مواطن آخر: “أنا منشقّ عن الجيش السوريّ النظامي، وتمكّنت من الفرار إلى منطقتي، التي يفترض أنّها آمنة وخالية من القوات الأمنية التابعة للنظام السوري، ولكن الآن أنا مطلوب لأداء ما يُسمّى بواجب الدفاع الذاتي، المعمول به من الهيئات العسكريَّة التابعة لـ (الإدارة الذاتيَّة)”.

يذكر أنّ شرطة المرور التابعة للنظام السوري لا تزال تعمل في شوارع محدّدة ضمن مدينة القامشلي، وهي شوارع من المفترض أن تكون تحت سيطرة ميليشيا “الأسايش”، وبخلاف ذلك، فإنّ دوائر الأحوال المدنيَّة والشخصيَّة لا زالت تعمل لصالح النظام السوريّ في أغلب مناطق الجزيرة السوريَّة، إضافًة إلى المستشفيات الوطنية وبعض الهيئات الصحيَّة والدوائر الرسميَّة والهجرة والجوازات، وجميعها تتركّز في مدينتي القامشلي والحسكة وتمارس سطوتها كالمعتاد.

تحاول ما يسمى “الإدارة الذاتية” إضفاء مسحة الاستقلالية على وجودها في الجزيرة السورية، ولهذا الغرض أصدرت حزمة واسعة من “القوانين”، أبرزها ما يسمى بواجب “الدفاع الذاتي” الذي يُوازي “خدمة العَلَم” عند النظام السوري.

لكن تبقى “الاستقلالية” كذبة تريد (الإدارة) تسويقها بين الناس، فهيئة الاتصالات التابعة لها تعدّ شكليَّة، كون الاتصالات المتوفرة في الجزيرة هي اتصالات تتبع النظام، وأيضًا معاملات الزواج والطلاق لا زالت تتمّ في دوائر السجّل المدني التابعة للنظام، وبرزت في الآونة الأخيرة معضلة المدارس التابعة للنظام السوري، وتلك التابعة لـ (الإدارة الذاتيَّة) لتزيد من تمزق المواطن الجزراوي بين سلطتين، فُرضتا عليه فرضًا.




المصدر