القلمون الشرقي يبرع في صيد الصقور

5 ديسمبر، 2016

خالد محمد

اشتهر العرب في فتراتٍ مبكرة من تاريخهم بابتكارهم أساليب وطرقًا في صيد الطيور، مندفعين بذلك وراء حاجتهم إليها في قضاء بعض المهمات الشاقة، أو لتحسين أوضاعهم المعيشية، وعلى الرغم من أن عملية تطويع الطيور لا تخلو من الصعاب والمحن، إلا أنها -بحسب ممارسي هذه الحرفة-جزءٌ من تراثٍ، عشقه أبناء منطقة القلمون الشرقي، وتوارثوه من جيلٍ لآخر على امتداد السنين.

توجّب على أبناء المنطقة، الذين اتخذوا من صيد الصقور “حرفةً” لهم، أن يُطوروا أسلوبهم الخاص بالصيد بطريقة أكثر إقناعًا؛ بغية الاحتيال على طائر الصقر، والإمساك به حيًا، ولا سيما أنه يُعد واحدًا من أشهر الطيور الجارحة قوةً ورشاقةً، إضافةً إلى ذكائه. كما أنهم سرعان ما تجاوزوا حدود الصيد بقدرتهم على تأنيس هذا الطير الجارح وتأديبه.

وقال الخبير في صيد الصقور، علي الحسين، لـ (جيرون): “الصقور تختلف في أشكالها وألوانها وأحجامها، نظرًا لاختلاف الموطن والبيئة، ويبدأ موسم الصيد في العشرة الأخيرة من شهر أيلول/ سبتمبر، وينتهي مع بدايات كانون الأول/ ديسمبر الجاري، من كل عام”، وهي الفترة التي يهاجر فيها هذا “الطائر بين قارتي أفريقيا وأوربا تبعًا لتقلبات المناخ صيفًا شتاءً”.

وأوضح الحسين، أن أبرز الطرق المتبعة في اصطياد الصقور تتمثل بما يُطلق عليه “محليًا (الكوخ)، وهي طريقةٌ قديمة توارثناها عن الأجداد، علمًا أن العرب ومنذ العصر الجاهلي عرفوا صيد الصقور الجارحة، والقنص بها بعد تدريبها، فالحارث بن معاوية، كان مولعًا بالصقور والصيد بها، بينما يشير المؤرخون إلى أن هارون الرشيد، هو أول من سن التهادي بـ(الصقور)، وأصبح لديه عادةً وتقليدًا بإهداء الصقور الثمينة لبعض الملوك والأمراء والأصدقاء”.

ما الكوخ؟

الكوخ، حفرةٌ مُقبّبة ومُموهة تمويهًا جيدًا تقام على تلةٍ مرتفعة، حيث يجلس فيها الطرّاح (الصيّاد)، ويُراقب الأفق من حوله عبر فتحاتٍ صغيرة، ضمن منطقة دائرية قطرها حوالي 30 مترًا تدعى بـ(الكِنْز).

“تنظف هذه المنطقة جيدًا من الحصى والحشائش، حتى لا تُشكل عائقًا للخيط الذي يربط به (الغراب)، الذي ينحصر دوره في خداع الصقر، وتنبيه الصياد إلى وجود الصقر في الأفق، إضافةً إلى أداة تدعى بـ (ميزان الهواء)، وهي ريشةٌ مربوطةٌ بخيطٍ لمعرفة اتجاه الريح، إذ لا بد للغراب أن يطير بعكس تيار الهواء”.

بعد توافر هذه التجهيزات، يأتي دور “الطراح في مراقبة الغراب، وتحفيزه على الطيران من منطقة إلى أخرى، وتبدأ الخديعة عندما يطير (الغراب) حول الحفرة، خلفه بعض الريش لإيهام الصقر أن لديه فريسةً، وبمجرد اقتراب الأخير من المصيدة، تُسحب (الحمامة) من وكرها عن طريق خيطٍ آخر لاستدراجه إلى منطقة الشبك المغطى بالرمال، قبل أن تُقلب عليه”.

يؤكد الحسين أن على الطراح أن “يُعِد مؤونةً تكفيه لأشهر للتزود بها خلال فترة جلوسه، ولا بد للطراح أن يتمتع بصفات عدة، أهمها الصبر وبرودة الأعصاب وسعة الخاطر”.

شهدت السنوات الماضية تراجعًا ملحوظًا في اصطياد الصقور، بالنسبة لأهالي منطقة القلمون الشرقي، لأسباب عدة منها: التصحر الذي لعب دورًا كبيرًا في تغيير مسار هجرة الصقور، والصيد الجائر بعد انتشار هذه الحرفة على نطاق واسع في الأراضي السورية كافة. إلا أن أهم المصاعب التي يعاني منها الصيادون في الوقت الراهن، تكمن في الأوضاع الأمنية المتردية التي تمنعهم من الوصول إلى مناطق الصيد في البادية السورية.

هِبَة

يتمنى عثمان الأغا، أحد عناصر الجيش الحر في منطقة القلمون الشرقي، أن يحظى بصقرٍ هذا العام، يشتري بثمنه “بعض المؤونة والمازوت لمواجهة برد الشتاء”، ويعبّر لـ (جيرون) عن شغفه بممارسته لهذه الهواية، ولذلك؛ بنى كوخ صيد “بالقرب من نقطة رباطي في جبال القلمون الشرقي، لأمارس مهنة آبائي في فترات الراحة”.

ولا يشترط أن يكون “الطراح مخضرمًا”، إذ يحدث أحيانًا أن يذهب “أحد الهواة للصيد ويعود ومعه الصقر في اليوم نفسه، ويتكفل الصقر بمصاريف العائلة، بعد بيعه لتجارٍ يأتي بعضهم خصيصًا من دول الخليج العربي.”

بحسب الأغا، فإن أغلى صقر بِيع خلال هذا العام بلغ 40 مليون ليرة، أي ما يعادل 120 ألف دولار، وهو من طراح الحماد السوري، وبيع في دول الخليج، بمشاركة تجارٍ من مدينة الرحيبة من القلمون الشرقي.

حرفة صيد الصقور محفوفة بأخطار عدة أهمها إمكانية تعرض الصياد للثعابين والذئاب المنتشرة بكثرة في البادية، لكنها وفق ما يقول عنها أصحابها هِبة (رزقة) من عند الله، فقد يبيت الصياد أشهرًا متواصلة في البراري دون أي نتيجة. أما الصقر فإنه يتحول إلى طائر أليف بعد حوالي 10 إلى 20 يومًا من التدريب، ويستطيع حفظ الاسم الذي ينادى به، فضلًا عن مهارته في صيد الأرانب والحبارى، حيث يُطلق دون قيود أو حبال.

ترتبط حرفة صيد الصقور، باسم مدينة الرحيبة الواقعة شمال شرقي دمشق بنحو 54 كيلو مترًا، إذ تعدّ الأخيرة واحدة من أهم مراكز تجارة الصقور على مستوى الوطن العربي، فضلًا عن كون أبنائها يمارسون هذه الحرفة منذ خمسينيات القرن العشرين.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]