توهج الأدب السوري عالميًا في زمن الثورة “سورية في القلب”


غسان ناصر

مختارات لاثني عشر كاتبًا وشاعرًا في مجلة “بانيبال”

سوريا في القلب شهادات ونصوص لكتّاب سوريين في مجلة بانيبال

خصّصت مجلة “بانيبال” Banipal التي تصدرها من لندن باللغة الإنكليزية، وتشرف على تحريرها الناشرة البريطانية مارغريت أوبانك، بالتعاون مع الشاعر والروائي العراقي صموئيل شمعون، عددها الجديد 57 (خريف 2016)، لنصوص نثرية وشعرية مختارة من الأدب السوري الجديد المكتوب في الأعوام الستة الأخيرة.

احتوى الملف الذي جاء بعنوان: “سورية في القلب” (SYRIA IN THE HEART)، نصوصًا نثرية وشعرية لاثني عشر كاتبًا وشاعرًا من سورية، كُتبت في أثناء، أو بعد، الأحداث الملتهبة التي تشهدها سورية، بما يمكن أن يمثل عيّنة من أدب بلد عربي تتآكله الحرب، لكن هناك ثمة وجه آخر غير الدمار الذي يراه العالم على شاشات الأخبار، فلسورية أدب وفن أيضًا، وهو ما أكدته -بدورها- هذه المختارات من الأدب السوري الذي كُتب في حرب التمويت المعلنة ضد شعب بأكمله، منذ أن واجه القتلة شباب الثورة السلميين في مظاهراتهم الأولى في آذار/ مارس 2011 بالحديد والنار.

سوريا في القلب شهادات ونصوص لكتّاب سوريين في مجلة بانيبال نص ديمة ونوس

ويأتي هذا الملف عن الأدب السوري ما بعد الثورة، ليسلط الضوء على ابداعات الكاتبات والكتّاب والشعراء والشاعرات، ممن يعيشون اليوم تغريبتهم الحقيقية، بعيدًا عن وطنهم النازف، وليردّ -بشكل أو بآخر- على من يقول: إن “الثقافة السورية الآن منهارة”، أو أنها مجرد “ثقافة حرب”، وهو ما تنفيه النصوص الشعرية والنثرية المختارة في هذا العدد، وغيره مما يصدر من مجموعات شعرية وقصصية وروايات -عن عشرات دور النشر السورية والعربية- في أكثر من بلد عربي وفي المنافي أيضًا.

“نِداءُ سافو” إلى السوريين

الكاتبات والكتّاب والشعراء المشاركون في العدد الذي تميز بحلة رائعة، هم: خالد خليفة الذي نشرت له المجلة فصلًا من آخر أعماله الروائية “الموت عمل شاق”، وروزا ياسين حسن التي نشرت فصلًا من روايتها الجديدة “الذين مسهم السحر”، ونوري الجراح الذي نشر قصيدة بعنوان “قَاربٌ إلى لِسْبُوسْ (مَرْثِيَّةُ بَنَاتِ نَعْشٍ)”، ورشا عمران التي نشر لها قصيدة بعنوان “المرأة التي سكنت البيت قبلي”، وندى منزلجي التي نشر لها قصيدة “شبّاك أخضر”، ومنير المجيد، وفواز قادري، وهيثم حسين، الذي نشرت له المجلة فصلان من روايته “رهائن الخطيئة”، ومها حسن، التي نشر لها فصلًا من روايتها الأخيرة “مترو حلب”، وديمة سعد الله ونوس التي نشرت فصلًا من روايتها الأولى “الخائفون”.

ونختار لكم من النصوص الشعرية المترجمة في هذا العدد مقطعًا من قصيدة “قَاربٌ إلى لِسْبُوسْ (مَرْثِيَّةُ بَنَاتِ نَعْشٍ)” للشاعر نوري الجراح:

رأيتُ البَرْقَ شَرقيَا

ولَاحَ فِي لُمَحٍ

وكانَ غَربِيَا

رأيتُ الشَّمسَ فِي دَمِهَا

مَبْلُولةً

والبَحْرَ مُضْطَرِبًا

والَأمسَ مَنْهُوبًا مِنَ الكُتُبِ.

لَوحٌ إغْرِيقِيٌ

(نِداءُ سافو)

أيُّهَا السُّورِيِّوُنَ الَألِيمُونَ، السُّورِيِّوُنَ الوَسِيمُونَ، السُّورِيِّوُنَ الَاشِقْاءُ الهَارِبُونَ مِنَ المَوتِ، أَنْتُم لَا تَصِلُوَن بالقَواربِ، ولَكِنَّكُمْ تُولَدُونَ عَلَى الشَّواطِئِ مَعَ الزَّبَدِ. تِبْرٌ هَالِكٌ أنتم، تِبْرٌ مَصْهُورٌ وَضَوعٌ مُصَوَّحْ.

مِنْ لُجَّةٍ إلى لُجَّةٍ فِي خَاصِرةِ بَحْرِ الرُّومِ، مَعْ نَجْمَةِ البَحْرِ وَشَقِيقِها الحَبّارِ التَّائهِ، تُرْسِلُكمُ الَامْوَاجُ فِي ضَوءِ بَنَاتِ نَعْشٍ.

كَمَا تُولَدُ عَرَائِسُ البَحْرِ تُولَدُ الحَسْنَاواتُ السُّورِيَاتُ، فِي ضَوءٍ رَاجِفٍ

ويَطَأنَ بِرَاحَاتِ أَقْدَامِهِنَّ الرَّخْصَةِ المُجَرَّحَةِ حَصَى لِسْبُوسْ وَرَمْلِهَا الرَّمَادِي..

انْزِلْنَ مِنْ فَاكِهَةِ الشَّامِ

إِلَى حِجَارَةِ الَالَمْ.

أيُّهَا السُّورِيِّوُنَ الَاشِقْاءَ، السُّورِيِّوُنَ المُتَدَافِعُونَ مَعَ الْمَوجِ، السُّورِيِّوُنَ المَقْتُولُونَ فِي الضِّفَافِ، المَحْمُومُونَ المُتَلَهِّفُونَ عَلَى السَّواحِلِ المُعْتِمَةِ بِوُجُوهٍ صَبِيحَةٍ، هُنَا، فِي لِسْبُوسْ الَّتِي طَالَمَا أَبْكَتْهَا طُرْوَادَةُ..

 

تعدد ثقافي لربط الجسور بين الشعوب

كما تضمن العدد الذي صدر قبل أيام، فصلًا من رواية “قامشلو” لمنير المجيد، وقصائد ديوان جديد لهالا محمد، بعنوان “أعرني النافذة يا غريب”، و17 قصيدة لمحمد علاء الدين عبد المولى، وثلاث قصائد لفواز قادري.

وفضلًا عن ذلك، نشرت المجلة في صفحاتها الأولى قصيدة للشاعر المغربي عبد الرحيم الخصار بعنوان “أولاد الحرام”، وقصة قصيرة للكاتبة الفلسطينية ليانة بدر بعنوان “سماء واحدة” ترجمة بيكي مادوك، وفصلًا من رواية الكاتب العراقي محسن الرملي “حدائق الرئيس” ترجمة لوك ليفغرين.

وكعادة المجلة لا تعزل الأدب الذي تقدمه في جغرافيا بعينها، بل تفتح من خلاله بابًا على الآداب المجاورة والعالمية كذلك، لذلك تنشر بانيبال في محور (الأدب الضيف) الذي تخصصه لتقديم نماذج من الآداب غير العربية “لتعزيز وتقوية العلاقات بين الأدباء العرب والأدباء في أنحاء العالم” المختلفة، أعمالاً لستة أدباء من الإقليم الفلامندي “الفلاندرز””، (البلجيكيين الذين يكتبون باللغة الهولندية) وهم كاثلين فيريكين، بارت فان دير سترايتن، روديريك سيكس، توم فان دي فورده، فكري العزوزي، شارلوتة فان دين بروك.

وكانت لوحة غلاف هذا العدد للفنان الفلسطيني الراحل توفيق عبد العال.
هذا وتواصل مجلة “بانيبال” -وهي راعٍ مشارك لجائزة “سيف غباش- بانيبال للترجمة الأدبية العربية- عملها الدؤوب في ترجمة الأدب العربي، حيث تتناول في كل عدد من أعدادها أدب منطقة عربية، إيمانًا من القائمين عليها بثراء الأدب العربي اليوم، لا من قبيل التنوع الجغرافي فحسب، بل كذلك من نواحٍ متعددة، تأخذ في الحسبان التعدد الثقافي والحضاري الثري في الوطن العربي.

وكما تولي المجلة اهتمامًا للخصوصيات الجغرافية والاجتماعية وانعكاساتها على الأدب، فإنها تحاول تقديم صورة شاملة عن كل أدب تقدمه، فتغطي الأجناس الأدبية المختلفة، مقدمة تراجم مميزة من العربية إلى الإنكليزية، تعريفًا لقراء الإنكليزية بزوايا الأدب العربي، وإيمانًا بدور الترجمة الريادي في ربط جسور بين الشعوب والثقافات.




المصدر