عقيل حسين يكتب: في الثورة السورية: من هم الإخوان؟


عقيل حسين

قد لا توجد جهة في المعارضة السورية، يتفق جميع المعارضين على خصومتها، مثل “جماعة الاخوان المسلمين”، التي تشكل في الوقت ذاته، طرفاً لا يمكن لجميع القوى المعارضة الاستغناء عنه أو تجاوزه.

وقد يُجمِعُ معارضو النظام، سواء المستقلين، أو من أي تيار سياسي من أقصى اليمين الإسلامي حيث جبهة “فتح الشام” وانتهاءً بأقصى اليسار حيث “حزب الشعب”، مروراً بكل الوطنيين والقوميين، بل وحتى الناشطين الشباب الذين دخلوا السياسة من بوابة الثورة، على أن أكثر جهة أضرت بالثورة السورية، هي “جماعة الاخوان المسلمين”. وهذه ليست مفارقة فريدة من نوعها بالنسبة للحالة السورية، بل إن الحالة الاخوانية بكل تعقيداتها تبدو، وبقليل من التمحيص، شديدة التبسيط أمام التشابك المذهل لخيوط القضية السورية اليوم.

لا أحد يعرف اللحظة الأولى التي انخرط فيها “الاخوان المسلمون” في الثورة، لكن ما يجمع عليه الكل، بمن فيهم “الاخوان” أنفسهم، أنهم لم يكونوا من صنّاعها، مثلهم في ذلك مثل كل القوى والتيارات المعارضة الأخرى.

لكن النظام وحده من كان ولا يزال يخرق هذا الاجماع، عندما أكد ومنذ المظاهرات الأولى في حوران، أن هذه الاحتجاجات تقف خلفها “جماعة الاخوان المسلمين” والسلفيون، بهدف إقامة إمارة إسلامية. وهي الاتهامات التي ردّ عليها المتظاهرون يومها بهتاف معروف يقول: “لا سلفية ولا اخوان ثورتنا ثورة انسان”.

بل إن “المرشد العام السابق للجماعة” في سوريا علي صدر الدين البيانوني، خرج في آذار/مارس 2011 في إحدى الفضائيات التلفزيونية، ليؤكد أن “الاخوان المسلمين” لا علاقة لهم بالحراك الشعبي المناهض للنظام في سوريا، وإن كانوا يؤيدونه.

تصريح براغماتي واضح، يعتبره الإخوانيون إحدى النقاط الإيجابية التي تحسب لهم في مسار الثورة السورية، ويقولون إن هذا التصريح لا يحتمل أي تفسير آخر، سوى السعي لسحب كل الذرائع من يد النظام، الذي كان يبحث عن مبررات لعنفه الذي أطلقه ووسعه لاحقاً في مواجهة الثورة.

لكن خصوم “الاخوان” من المعارضة، يرون في هذا التصريح، الدليل القاطع على تردد الجماعة في دعم الثورة وتبنيها، وهو دليل لا يمكن أن يُمحى أو ُيغفر إطلاقاً من وجهة نظر هؤلاء، الذين يربطون بين هذ التصريح، وبين مساعي “الاخوان” الحثيثة قبل الثورة من أجل التصالح مع النظام.

ويستند هؤلاء أكثر في هذا الاتهام، على اعلان الجماعة وقف العمل المعارض عام 2009، دعماً لموقف بشار الأسد المساند لـ”حركة حماس” إبان الهجوم الإسرائيلي على غزة في ذلك العام، وما تلى ذلك من وساطات قادتها شخصيات في “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، ومن النظام الإيراني أيضاً، من أجل عقد مصالحة بين النظام والجماعة في ذلك العام وعام 2010.

لحظات ليست مريحة في مسيرة “الاخوان المسلمين” في سوريا طبعاً، لكنها لا يمكن أن تشكل معياراً وحيداً للحكم على الجماعة وتاريخها بالمجمل، كما يقول الاخوانيون. بينما يصر مناوؤهم على أنها لا تعدو أن تكون التأسيس الانتهازي لنشاط الجماعة داخل الثورة، بهدف السيطرة عليها واحتواء قواها ورموزها، وكذلك بيئتها الحاضنة، ما أضر بالثورة وعلى مختلف الصعد، السياسية والعسكرية والإغاثية وغيرها.

سياسياً يُشكل “مؤتمر انطاليا” الذي عقد في تركيا، بدعوة غير مباشرة من الجماعة، في حزيران/يوليو 2011، أول وأكبر خطيئة سياسية ارتكبها “الاخوان المسلمون” بحق الثورة، كما يرى معارضوهم، وذلك لسببين؛ الأول أن المؤتمر أخذ الثورة في طريق اللاعودة من دون توفير متطلبات هذه المسار، بل ولا حتى أدنى احتياجاته، من خلال رفع شعارات “اللاتفاوض واللاحوار” مع النظام، استناداً على معطيات وهمية ووعود خادعة، أغرى بها البعض “الإخوان”، عندما طمأنوهم الى وجود اجماع دولي على رحيل عاجل لبشار الأسد، ما وضع الجماعة وكل القوى المعارضة التي استجابت لدعوتها في مأزق لا زال ممتداً إلى اليوم. أما السبب الثاني الذي جعل من “مؤتمر انطاليا” إحدى ركائز الإضرار بالثورة الشعبية حسب منتقديه، فهو تأسيسه لتحويل الثورة رسمياً، من حركة شعبية إلى حراك سياسي مؤطر ومهيكل، فخسر مميزات عدم التأطير، من دون أن يستفيد من التنظيم والتمثيل السياسي، وأصبح تحت قيادة قوى وأحزاب تقليدية، لم تستطيع مواكبة ومجاراة التحولات الناشئة والمعطيات الجديدة للشباب المنتفض وأدواتهم. بل اكتفت هذه القوى بأن تقاسمت مؤسسات الثورة التي فصلتها على قياساتها، ثم تصارعت عليها وتناحرت من أجلها، كل ذلك تحت قيادة وهيمنة “الاخوان المسلمين”.

أما الخطيئة الثانية الكبرى التي ارتكبتها الجماعة، بحسب معارضيها، فقد تمثلت بدفع الثورة نحو التسلح والعمل العسكري غير المدروس، وهو التحول الذي وإن تبنته أطراف متعددة، وظل “الاخوان” ينكرون المسؤولية عن صناعته، إلا أن المعارضين ومن مختلف التيارات، يقدمون الكثير من المعطيات والبراهين على وقوف الجماعة خلفه، من تمرير أسلحة خفيفة قدمها “الأخوان” للمتحمسين أو المكلومين من الشباب الثائر، من أجل تنفيذ عمليات محدودة ضد ضباط الأمن وقادة الشبيحة، وصولاً في النهاية إلى حرب مفتوحة في البلاد، كان يمكن للثورة أن تتفادها كما يقول المعترضون على التسليح، والذين يتهمون “الإخوان المسلمين” بأنهم وقفوا خلف دفع الثورة نحو هذا الخيار، وذلك بدافع الرغبة في الانتقام من النظام، على خلفية أحداث القرن الماضي بينهما. بينما لا تجد الجماعة صعوبة تذكر في الرد على هذا الاتهام، من خلال التذكير بالأسباب التي دفعت الناس إلى التسلح من أجل مواجهة بطش النظام وجرائمه.

وإذا كان النظام بكل ما فعله هو من أجبر الناس على التحول إلى العمل المسلح، فما الذي أجبر “الاخوان المسلمين” على اختراق هذه المجموعات والعمل على قولبتها وربطها بالجماعة، أو على الأقل في التدخل بتوجهاتها، ما فتح الباب واسعاً أمام التيارات الأخرى من أجل التسابق للسيطرة على فصائل المقاومة الشعبية، التي تضخمت لاحقاً بفعل السياسة والدعم لصالح التيارات والجهات والدول، على حساب مصالح الثورة؟

سؤال كبير لا يكاد يوجد مناوئ لـ”الاخوان” من أي جهة أو توجه في المعارضة إلا ويطرحه، بمن فيهم المنتمون للتيار السلفي وفصائله الكثيرة. اتهام دأبت الجماعة على نفيه باستمرار، ضمن ما بات يعرف بـ”سياسة الإنكار” غير المفهومة، التي يمارسها “الاخوان” حتى داخل حقول الثورة وعلاقاتها البينية نفسها، وصولاً إلى حد انكار علاقتهم بتشكيلات عسكرية أسسوها، بعضها فشل وانتهى، مثل “هيئة دروع الثورة”، وبعضها مازل مستمراً بل وقوياً، مثل الفيالق التي يعتبر “فيلق الشام” أكبرها وأنجحها، وأحد أفضل الفصائل على الساحة اليوم.

واذا كان يمكن إيجاد مبررات لاستخدام الانكار والتقية على الصعيدين السياسي والعسكري، لما في ذلك من أخطار محتملة، وإن كان مبالغ في تصورها، إلا أن ما هو غير مفهوم على الإطلاق، حسب رأي الكثيرين، استخدام هذه السياسة من قبل الجماعة في ما يتعلق بمؤسساتها الانسانية، في مجالات الإغاثة والصحة والتعليم. فالعشرات من الجمعيات الإغاثية والمدارس والمعاهد التعليمية، وعدد كبير من المشافي والمراكز الصحية، أنشأها “الأخوان المسلمون” إن كان بشكل رسمي أو عن طريق أفراد من الجماعة، في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وكذلك في مخيمات النزوح، أو حتى في بعض الدول التي توجد بها كثافة عالية من اللاجئين السوريين. وجميعها أدت وماتزال تؤدي دوراً مهماً واحترافياً في مساعدة السوريين، لكن كل ذلك لم يشفع لها لكي تنال اعتراف الجماعة الأم بها رسمياً، الأمر الذي يفتح باب التكهنات والتفسيرات، والتي لا تخلو من تهافت في أحيان كثيرة.

لا توجد أجوبة حاسمة، بل اللافت أكثر أن سياسة الانكار هذه امتدت لدى “الاخوان المسلمين” لتشمل حتى أبناء الجماعة المعروفين، الذين بالكاد تجد من يقر منهم بأخوانيته، مهما كان انتماؤه واضحاً، حتى أن الكثيرين اليوم يتندرون على ذلك بالقول، إن “المرشد العام للجماعة في سوريا ليس أخوان”.

ويمكن إيجاد مقاربات لهذه الحالة، تبدأ كما يقول المتعاطفون مع الجماعة، بمعاناة الاخوان الممتدة لعقود وفي كل مكان، ما يفرض عليهم التعامل بحذر وذكاء أكبر في الوقت نفسه، خصوصاً على الصعيد السياسي. إذ أن تخوف الجميع من هيمنة “الأخوان” على مؤسسات المعارضة، بسبب خبرتهم السياسية والتنظيمية الكبيرة مقارنة ببقية القوى المعارضة، وامكاناتهم المالية الضخمة مقابل الافلاس الكامل للآخرين، كل ذلك يجعل من التنظيم هدفاً سياسياً للجميع، وهو ما فهمه “الاخوان” بشكل جيد ومبكر.

لذا فقد تجنبوا غالباً المنافسة المباشرة، بل وحتى قدموا تنازلات لافتة، كما حدث في أغلب المنافسات على مواقع رئاسة مؤسسات المعارضة، وذلك بهدف التقليل من الخصوم ما أمكن. كما أن “الاخوان”، بحسب رأي الكثيرين، ومن خلال اتباع سياسة تجنب الصراعات إلا عن طريق وكلاء، والتغلغل السريع في كل مكان بالوقت ذاته، أرادوا عدم افشال مؤسسات المعارضة القائمة حالياً، والتي كانوا من أشد المتحمسين لها. وهو موقف يفسره خصومهم، أنه كان بهدف أن تكون هذه المؤسسات الجسر الذي يعبر بهم إلى اقناع العالم بتوفر بديل مؤسساتي عن النظام، ليس اخوانياً بالمطلق، لكن للأخوان اليد العليا فيه، وبالتالي الوصول إلى حكم سوريا من خلالها لاحقاً.

لكن هذه المؤسسات السياسية، وبغض النظر عن صحة ما يوجه للإخوان في ما يتعلق بها من اتهامات، قد فشلت في النهاية، ولم يبق منها سوى ذكريات غير سعيدة بالنسبة للمعارضة والبيئة الحاضنة لها. وهو أمر يقر به “الاخوان المسلمون” قبل غيرهم، لكنهم لا يعتبرون أنفسهم الوحيدين المسؤولين عن هذا الفشل، ويطالبون في جميع منابرهم بجردة حساب لتحديد المسؤولين عنها.

لكن من الذي يمكن أن يقوم بجردة الحساب هذه، وهل هناك بالفعل أي إمكانية لذلك؟

بالطبع لا، وعليه، فإن استراتيجية التجريب ستظل هي سياسة “الاخوان” وكل القوى المعارضة “الصامدة” الأخرى، على اعتبار أن سياسة التجريب والنفس الطويل، هما الشرطان الوحيدان الممكنان للبقاء على الساحة اليوم، بغض النظر عن الثمن ومن يدفعه.

المصدر: المدن

عقيل حسين يكتب: في الثورة السورية: من هم الإخوان؟ على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -


أخبار سوريا 
ميكرو سيريا