حلب وتناقضاتها من يحكم من؟

5 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016

6 minutes

محمد العويد

تتصدر أخبار العسكر “النمور” في شوارع حلب وصحافتها وملاعبها، وما تبقى من بيوتها، وحتى مجلس المحافظة، وفرع حزبها ونقاباتها وشبيبتها واتحاد نسائها وطلائعها، وتتحول المدينة الى ثكنة، يقودها قادة وفيالق.

الكل يريد العسكر القادم، مُرحّبًا مزغردًا. تشي الصورة أن ثمة علاقة ما بين الغرام الناشئ حديثًا، وما يُبث في الصورة الأخرى من موت وفجيعة وهدم وقتل وترحيل، ثمة سر يحيلك للأعمق، فهل الغرام صورة، يُراد لها أن تكون، أم ثمة وقائع حقيقية، تبهج المزغردين، لكن أول الأسئلة أن عشاق العسكر الجدد، بالأصل عشاق لحلب تاريخيًا، وما يحدث في جزئها الشرقي، يصيب الحبيب الأولِ، وهذا مكروه في قواعد العشق وأصله، أو أن المغتصبين لكرامة الحلبيين وضعوهم بين خيار الموت كأقرانهم في الشرقية، أو زواج الغصب ومتمماته المعروفة للسوريين، طيلة سنوات ما قبل الغرام الجديد. وفي أخبار حلب وتناقضاتها، بحسب وكالة “سانا” الرسمية، “أن مجلس المدينة يجتمع للتأكيد على أهمية النظافة، وتركيب عدادات للتاكسي، وإعادة الإعمار وضبط الفساد”. نعم في حلب التي يلتقي بوتين، وقريبًا ترامب؛ لأجل إدخال الطعام لقاطنيها، ووقف بعض من الصواريخ الارتجاجية عن أطفالها المختبئين تحت الأنقاض.

تَصدر صحيفة “الجماهير” الحلبية كعادتها يوميًا، لا شيء تغيّر إلا المضامين والعناوين بالأحمر الداكن “النمور يحررون، الأسود يعيدون الحياة، القيادة العامة للجيش تدعو سكان الأحياء الشمالية الشرقية في حلب للعودة إلى منازلهم، بعد أن أعاد الجيش العربي السوري الأمن والاستقرار إليها، بتوجيه من الرئيس الأسد”، هل تشي العناوين بمعرفة ما تخفي حلب من أسرار دوّخت الدنيا؟

تُكمل “الجماهير” ذاتها في صفحة التحقيقات، عن أهمية الصحافة الاستقصائية ودورها وكيف شجعت القيادة والحزب على ثورة في الصحافة الاستقصائية، لكن بدت المعوقات كثيرة، ليس آخرها فساد معلن ومخفي، بل ثمة صحافي كسول، هو ذاته من يكتب عن النمور كل يوم من ست سنوات، فهل شجعته القيادة والحزب، أم خيّرته بين الموت والزواج العرفي.

في حلب ذاتها الشبيهة ببقية مراكز المدن السورية، حيث يمكن أن تفهم أن ثمة طبقة، تريد الحفاظ على ثروتها وعلاقتها بمنظومة الفساد، فتغني للقاتل ” لتُبعد شرّهُ” أو يروق لها تقاسم بعض من لحم أخ مُحرّم، والخوف يمضي بها، فتلتقي بورطة وجريمة القاتل، فتتوحد معه وتتحول من مهادنة، إلى شريكة تخاف المقبل من التغيير، بعد ورطتها العلنية في حلب.

في حلب -ذاتها- المكلومة بالوجع بين شرقية وغربية، لا يمكن تفسير المزايدات “الوطنية” وحضورها، تناسبًا مع تعاظم فجيعة الأوضاع، إلا بسيطرة العسكر، وعسى، بأحلام المزايدين، أن تمنحهم حمايةً من الموت المحتم، يمكن بهذه القراءة البسيطة أن تُطفئ بعضًا من الوساوس حول ما يجري، فحلب أصابها ما أصابنا جميعًا عشيّة دخول العسكر، وقهرهم لقوانا الطيبة، وإحكامهم الأغلال على أعناقنا، وبدت الخيارات بين التسليم كُرهًا، أو التهجير قسرًا، أو الموت كإرهابيين.

حلب تشبه درعا في مجلسها وصحافتها وخياراتها واختطافها بقوة العسكر وسلاحهم، ففي نيسان/ أبريل 2011، دخل العسكر إلى مدينة درعا. حصارٌ وقتلٌ واعتقالات وبقية القصة، كان ثمة أمل حينئذ، لكنه في حلب، انشغل على نقيضه، كنت أتهرب من وجوه الناس وألمهم وأسئلتهم عما سنكتب غدًا؟ فالعسكر إذا دخلوا بلدة قلبوا عاليها وكتموا الأصوات، فلا صوت يعلو فوق أزيز رصاصهم.

السر في حلب المتناقضة، كما تبدو لنا أحيانا، وجود العسكر في كل زواياها، في مجلسها وصحافتها، في غرفة نومها، يرفعون السلاح ويلوّحون بالموت لكل من يعصيهم، وعندما تغلق الحدود، وتعكر السماء، وتحترق الأرض، ولا يسمع صوت النداء، تبدو اللعبة مع العسكر أهون السبل والخيارات المتاحة، فهم لا يريدون أكثر من تحية الصباح والمساء وبعض الزغاريد، وتبدو المدن متشابهة في التجارب، فربما حلب الغربية، سألت شقيقتها بيروت – وقد كانت أوفر منها حظًا سياسيًا – كيف قبلت مخادعة قاتلها، ما يقرب من العشرين حولًا، وعندما هبّت ريحها لم تبقِ منهم أحدًا، وإن تغيّرت أحوالها بعسكر جدد.

لا يعرف العسكر إلا من خبرهم يحرقون بلا حدود، ويقتلون بنشوة، وأمام أعين الحلبيين صورة مقربة ومكررة كل يوم، لكن حلب وتناقضاتها البادية اليوم، ليست سوى المسافة الفاصلة عن قيامتهم المقبلة، بوجه عسكرهم، وقد ضاقوا ذرعًا بهم وبطقوسهم المتوحشة، حلب لا طاقة لها على تحملهم طويلًا، وإن صبرت على ابتلاءها إلى حين.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]