الاعتقال التعسفي في سورية ومخالفة معايير المحاكمات


عاصم الزعبي

بعد اندلاع الثورة السورية، ارتفعت حالات الاعتقال التي ينفذها النظام السوري، وكذلك عند بعض فصائل المعارضة المسلحة، والتنظيمات الإسلامية، ليكون المواطن السوري هو الضحية الوحيدة، ولكن يبقى الاعتقال الذي تمارسه الأجهزة الأمنية التابعة للنظام هو الأكبر والأوسع نطاقًا، والأكثر إجرامًا.

هناك ما يزيد عن ربع مليون معتقل اعتُقلوا تعسفًا، في مراكز الإحتجاز التي تديرها الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، إضافة إلى حوالي ثمانين ألف شخص مختفين قسريًا في تلك المراكز، لا أحد يعلم مصيرهم، أرقامٌ وُثقت بدقة من منظمات حقوقية سورية ودولية.

والاعتقال التعسفي -تعريفًا- اعتقال يُخالف أحكام حقوق الإنسان التي تنص عليها الوثائق المكتوبة الكبرى لحقوق الإنسان، وله ثلاثة أنماط:

الأول: عندما لا يوجد أساس قانوني للحرمان من الحرية، “كأن يبقى شخص ما قيد الاحتجاز بعد انتهاء عقوبة سجنه”.

الثاني: عندما يُحرم شخص ما من حريته، نتيجة لقيامه بممارسة حقوقه وحرياته التي يضمنها له الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

الثالث: عندما يُحرم شخص من حريته، نتيجة لمحاكمة تتعارض مع المعايير المقررة للمحكمة العادلة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أو أي أدوات دولية معينة أخرى.

في سوريةن يمكن إطلاق مصطلح الاعتقال التعسفي، على احتجاز أصحاب الرأي أو السياسيين، أو سجن أحد الأشخاص دون وجه حق؛ حيث “لا جريمة دون نص قانوني” وفق المادة التاسعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و”لا يجوز القبض على إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفًا”، كما هو الحال في سورية.

والتعسف، هو المبالغة في إستعمال الحق الذي تمنحه سلطة ما لأحد القائمين على التنفيذ، أي السلطة التي تمنحها السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية؛ فتستغلها الأخيرة بطريقة مبالغ فيها، تصل حدَّ الإجحاف غير المبرّر.

وفق تقارير عديدة صادرة عن منظمات حقوقية، ولجان تحقيق دولية خاصة بما يجري في سورية من انتهاكات، فقد نفّذت القوات التابعة للنظام السوري إعتقالات تعسفية في أثناء العمليات الميدانية البرية، أو بعدها مباشرة، وتشمل عمليات الاحتجاز الأطفال والنساء والمُسنّين أيضًا، إضافة إلى احتجاز أفراد أُسَر المشتبه بانتمائهم إلى المعارضة المسلحة، بمن فيهم أفراد أُسَر القتلى من المقاتلين؛ بغرض الحصول على معلومات منهم أو عقابًا لهم.

عمدت بعض فصائل المعارضة المسلحة، وبعض الفصائل الإسلامية، إلى سلب بعض الأشخاص حريتهم تعسفًا، مُنتهكة إلتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني، ولم تُتح هذه الفصائل للمحتجزين إمكانية إخضاع احتجازهم لمراجعة أولية ودورية من جهة مستقلة.

يتم الاحتجاز دون سند قانوني، ودون أن تكون هناك أسباب يجيزها القانون تبرر احتجازهم، مع عدم منحهم الحق في أن يعاد النظر في أسباب احتجازهم ومدى قانونيته.

اختطاف من أجل الكسب

تعمد الأطراف المتحاربة في سورية، إلى أسلوب اختطاف الأشخاص واتخاذهم رهائن، ويعد ذلك انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، والقانون الجنائي الدولي، كما انتشرت ظاهرة الخطف من “جميع الأطراف”؛ بدافع الكسب المالي، وتبادل الأسرى.

تتنافى المحاكمات التي يقيمها النظام السوري، وبعض الفصائل المقاتلة في سورية خصوصًا تنظيم “داعش”، مع أبسط المعايير المتبعة في المحاكمات، وفق القوانين والمواثيق الدولية، وهي في الحقيقة محاكمات صُورية، غالبًا ما تنتهي بتنفيذ أحكام الإعدام، دون وجود جريمة في الأصل، حيث أن للمحاكمة العادلة شروطًا حدّدتها المواثيق الدولية، من الضروري تطبيقها حتى في القوانين الوطنية وهي:

1- ضمانات إلقاء القبض.

2- ضمانات الاستماع والاستنطاق (التحقيق).

3- ضمانات الحجز والتفتيش.

4- مدة الحراسة النظرية والتدابير الاحترازية.

5- أن تكون المحكمة مختصة، وغير استثنائية، وأن تكون مستقلة ومحايدة.

6- علنية المحاكمات، وشفوية المرافعات.

7- الأصل هو البراءة “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”.

8- أن تكون هناك آجال ومُدد مُحددة للبت في القضايا.

9- أن يكون هناك محامون للدفاع عن المتهمين، وهي أبسط الحقوق.

10- وجود عدة درجات للتقاضي، بحيث لا يصدر القرار من محكمة واحدة صدورًا مبرمًا، إضافة إلى اتباع مبدأ عدم رجعية القوانين في المحاكمات.

إن المحتجزين من أجهزة النظام، والفصائل المعارضة، والإسلامية، هم في غالبيتهم من المعارضين السلميين، والناشطين، وأصحاب الرأي؛ ما يزيد التعسف في اعتقالهم، وزيادة معاناتهم.

يُبدي النظام السوري، وبعض الفصائل المعارضة تجاهلًا صريحًا لحقوق الإنسان الأساسية للأشخاص الخاضعين لسيطرتهم، والمحتجزين لديهم، ما يُشكّل إنتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في إستراتيجية أمنية، تقوم على أن الحديث ولو بكلمة ضد أحد هذه الأطراف بات يُعرّض قائلها للاعتقال، وربما القتل أحيانًا.

دعوات كثيرة وجهت إلى الأطراف المتحاربة في سورية، من الأمم المتحدة، ومنظمات حقوقية، وإنسانية، من أجل حماية المدنيين، وعدم الإقدام على تنفيذ عمليات الإعتقال التعسفي، في كل أنماطه، دون وجود مبرر قانوني، ومعاملة جميع المحتجزين معاملة إنسانية بحسب مبادىء القانون الدولي الإنساني، والكشف عن مصير الأشخاص المعتقلين تعسفيًا، لمعرفة مصيرهم.

يبقى ملف الاعتقال والمعتقلين في سورية، هو الأكثر تعقيدًا في الملفات الحقوقية والقانونية، لإرتباطه المباشر بما يجري على الساحتين: العسكرية والسياسية، إذ لم تنجح حتى الآن كل الوساطات من المبعوثين الدولين المتعاقبين، وكل النداءات من مختلف المنظمات، التي وُجّهت للنظام بالدرجة الأولى، ولبقية الأطراف، لإيجاد حل لهذا الملف، فالعديد من الدلائل تشير إلى أنه من أوراق المساومة التي يحتفظ النظام بها، ليبقى المعتقلون هم الضحية الأكبر في الثورة السورية، لما يعانون من مختلف أنواع الانتهاكات.




المصدر