بين الأخبار والشائعات.. هل انطلق قطار التجنيس فعلاً؟


 فتحَتِ الرسالةُ النصية التي تلقاها محمد الحسن (33 عاماً) على جواله قبل أيام بابَ تساؤلاتٍ لا تنتهي كان لا يَودّ التطرق لها بالمطلق.

قبل هذه الرسالة التي يشير محتواها إلى أن عليه أن يستكمل الإجراءات الخاصة للحصول على الجنسية التركية، كان المستقبل بالنسبة له مؤجلاً، لكن ما بعد هذه الرسالة لن يكون كما قبلها.

بالنسبة لخريج الأدب الإنكليزي “حسن” والمقيم في مدينة “كيلس” الحدودية ليست تركيا إلا محطة عبور مؤقتة، لكنها بالتأكيد ليست المحطة ذات الظروف المثالية التي يطمح إليها كوطن بديل، “هنا لا مكان لي ولكل الفقراء، والتقدم إلى الجنسية يعني نهاية المطاف، لأنه بموجبها سيكون خيار اللجوء إلى البلدان الغربية مستحيلاً”. يضيف لـ”صدى الشام”
وفيما لم يحسم “حسن” خياره بعد، فمن المرجح أن يستكمل أوراقه أسوة ببقية السوريين، لكن اللافت من وجهة نظره أن يقتصر التجنيس على أصحاب الشهادات فقط، ويضيف “ماذا عن بقية اللاجئين، هل يتوجب عليهم مواصلة حياتهم بدون وطن”.
خطوة التجنيس التي أقلقلت “حسن” يراها غيره من اللاجئين السوريين  في تركيا “حلماً كان بعيد المنال، إلّا أنه صار في متناول اليد بشكل مفاجئ”، وذلك لأن الجنسية ستمنحهم حقوقهم في تركيا البلد الأقرب لسوريا جغرافياً ومجتمعياً، عوضاً عن اللجوء إلى بلدان بعيدة كل البعد عن العادات والتقاليد التي تربّوا عليها.
التجنيس استثناءات

لا أرقام رسمية تُحصي عدد السوريين الذين طلبت منهم السلطات التركية استكمال الإجراءات الخاصة للحصول على الجنسية، وكل ما يتم تناقله بين الأوساط السورية عن أعداد كبيرة، هي حصيلة “مبالغ فيها” بحسب ما ذكر رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار “غزوان قرنفل”.

قرنفل أكد لـ”صدى الشام”، أنه وباستثناء من تم منحُهُم الجنسية التركية بحكم أصولهم التركية، لم تمنح الجنسية التركية لأي شخص من ضمن الذين تم التواصل معهم مؤخراً، مشيراً إلى أن البعض من هؤلاء قد تقدم لمقابلة أولية في دوائر الهجرة في المحافظات التركية، وإلى أن بعضهم بات منتظراً تحديد موعد المقابلة الأخيرة التي ستجرى لأفراد عائلته، كل على حدى، بينما ما زال بعضهم يستكمل أوراقه القانونية.

 

 

أما عن آلية الاختيار فقد بيّن قرنفل أن تركيا اختارت الأطباء والمدرسين من حملة الشهادات الجامعية والمعاهد المتوسطة، وبعض أصحاب الشهادات الجامعية الأخرى.

ولأن الشروط التي يضعها القانون التركي الناظم لمنح الجنسية للأجانب غير محققة في غالبية من سيتم منحهم الجنسية، فإن تجنيس السوريين هنا يُعد استثنائياً، وتجاوزاً للأسس القانونية التركية المعنية بهذا الشأن.

وعن ذلك يقول الحقوقي السوري المهتم بقضايا اللاجئين في تركيا “عروة سوسي” إن قانون الجنسية التركية يشترط عدة شروط قبل منحها للأجانب، من بينها إقامته في الأراضي التركية لمدة لا تقل عن خمس سنوات، وأن يكون غير محكوم، وغير مرتكب لجريمة، وبالتالي ما يتم حالياً هو “تمهيد لفرض قانون استثنائي لم يصدر بعد”، على حد تعبيره.
ويضيف سوسي لـ”صدى الشام”: “وفق الأطر العامة القانونية المعمول بها، فإن الجنسية ستنتقل لبقية أفراد عائلة المجنَّس ممن هم دون سن الـ18 سنة، وستتيح للسوريين الحفاظ على جنسيتهم الأصلية.
التجنيس للمستثمرين السوريين أيضاً

وزير التنمية التركي “لطفي ألوان” قال إن حكومة بلاده تعتزم منح الجنسية التركية للمستثمرين الأجانب، بهدف جذب المزيد من الاستثمارات إلى البلاد.
وأضاف في تصريحات إعلامية مؤخراً إن خطة الحكومة فيما يخص منح الجنسية التركية للمستثمرين الأجانب تقوم على مرحلتين، أولهما منحهم إقامة لفترة معينة، ومن ثمّ منحهم الجنسية بعد التأكد من عدم قيامهم بتصرفات سيئة خلال فترة إقامتهم.
وقد عبّرَ مستثمرون سوريون استطلعت “صدى الشام” آراءهم عن ترحيبهم بهذه الخطوة التي وصفوها بـ”المتأخرة”، معربين عن اعتقادهم بأن ذلك سينعكس بشكل مباشر على زيادة حجم الاستثمارات السورية في تركيا.

 وبحسب دراسة اقتصادية بعنوان “واقع المشاريع الصغيرة والمتوسطة  السورية في مدينة عينتاب”، كان قد نفذها المنتدى الاقتصادي السوري في مدينة غازي عينتاب التركية الشهر الماضي، فإن حوالي 80% من رواد الأعمال السوريين هم مع فكرة توسيع أعمالهم واستثماراتهم، وذلك في حال تجاوزهم لعقبة “الأوراق القانونية”.

 

لماذا الآن؟

بحكم قربه من المصادر الحكومية التركية الرسمية، يفسّر الكاتب والمحلل السياسي “ناصر تركماني” التعاطي التركي السريع مع ملف التجنيس مؤخراً، على أنه “تصحيح لخطأ تقدير تركي”، موضحاً ذلك بالقول “يبدو أن طول فترة الحرب لم تكن بحسبان السلطات التركية بالمطلق”.
وأبعد من ذلك يشير تركماني في حديثه الخاص بـ”صدى الشام” إلى أن تركيا بدأت تنظر إلى الأوروبيين على أنهم طرف مستفيد من حركة اللجوء السوري، لأن تلك البلدان لم تستقطب إلا الكفاءات، وبالتالي “سيعود ذلك على اقتصادات ومجتمعات تلك البلدان بالنفع الطويل الأمد”، على حد وصفه.
من جانبه ربط “غزوان قرنفل” بين تحريك تركيا لملف “تجنيس السوريين” على أراضيها بهذه السرعة، وبين الحديث عن قرب الإعلان عن المنطقة الآمنة، مع اقتراب معركة “درع الفرات” من تحقيق أهدافها العسكرية، التي تم الإعلان عنها.
وأوضح” أن إدارة المنطقة الآمنة “قد تكون كلمة سر تسريع ملف التجنيس، أي إن تركيا تخطط لإدارة هذه المنطقة عن طريق توظيف أتراك/سوريين” فيها.

 

مصدر سوري مقرب من السلطات التركية ذهب في حديثه لـ”صدى الشام” إلى ما ذهب إليه قرنفل، ناقلاً عن لسان مسؤول تركي “رفيع المستوى” قوله: “نحتاج إلى أطباء ومعلمين ومهندسين لإدارة هذه المنطقة، ومن الأفضل لنا وللسوريين أن يديروا أنفسهم بأنفسهم”.

من جانب آخر اعتبر المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن خطوة تجنيس تركيا للكفاءات ولأصحاب رؤوس الأموال، ستمهد لفتح تركيا لحدودها البحرية مع الاتحاد الأوروبي، أمام حركة الهجرة غير الشرعية.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد هدد في وقت سابق دول الاتحاد الأوروبي، بفتح حدود بلاده كاملة، والسماح لكل من يريد الهجرة بالعبور إلى أوربا، في حال لم تلتزم البلدان الأعضاء بالاتفاقات المبرمة بين الجانبين.

الفائدة مشتركة

في أواخر شهر تشرين الثاني من العام 2012، بدأت الدفعات الأولى من اللاجئين السوريين بالتوافد إلى تركيا، واستمرت وتيرة اللجوء بالتصاعد مع اشتداد محاولات النظام إخماد الثورة السورية، إلى أن وصل تعدادهم  في مطلع العام الحالي –بحسب أرقام رسمية- إلى نحو 3 ملايين لاجئ.

يقول الحقوقي “عروة سوسي”: “لقد حال قانون الحماية المؤقتة دون حصول السوريين على الجنسية التركية، فهو لم يصنفهم على أنهم لاجئين، ما دفع بكثير منهم إلى مغادرة تركيا إلى البلدان الأوروبية، وخصوصاً أصحاب الكفاءات منهم، ولذلك اليوم تركيا تعيد حساباتها، من خلال توطين الكفاءات لما فيه من مصلحة مجتمعية واقتصادية لها”.

 

ويشاطر “سوسي” في رأيه هذا “قرنفل” الذي يرى في تجنيس السوريين فائدة مزدوجة للأتراك وللسوريين على حد سواء، موضحاً ذلك بالقول: “ستمنح الجنسية للسوريين الشعور بالاستقرار المجتمعي، وهذا سينعكس بدوره على زيادة فعاليته الاقتصادية والثقافية والاجتماعية على تركيا”.

ويبرُز هنا اسم العالم السوري/التركي “جمال أبو الورد” كأول سوري تم منحه الجنسية التركية بقرار من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وذلك تقديراً لمساهماته القيّمة في علم الرياضيات. ويشير ” أبو الورد” إلى أن الجنسية التركية ساوت بينه وبين الأتراك في الحقوق والواجبات من حيث التملك والعمل وامتلاك الأوراق القانونية والمشاركة في الانتخابات والعمل السياسي.

لكن وفي الإطار العام يعتقد “أبو الورد” أن الجنسية التركية “تفيد أصحاب رؤوس الأموال أكثر من غيرهم”، فهي تمنحهم حرية النشاط الاستثماري، وتفتح لهم فرص واسعة كانت مغلقة.

التبعات القانونية المترتبة على اكتساب الجنسية

رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار “غزوان قرنفل” لفت إلى أن منح الجنسية التركية سيؤدي إلى فقدان الشخص المجنس للمزايا التي كان يستفيد منها عندما كان مشمولاً بقانون الحماية المؤقتة في تركيا.
موضحاً أنه “لن يستطيع السوري المقيم في المخيم البقاء في مكانه، و كذلك لن يستفيد من بطاقات المساعدة الأممية، و لن يستطيع أبناء المجنَّس التقدم إلى المنح الجامعية الدراسية المخصصة للسوريين”.
وتابع” سيكون لزاماً على من هم دون سن الخدمة الإلزامية، تأدية الخدمة العسكرية في الجيش التركي”.

 

لكن ليست كل التبعات مرتبطة بالجانب التركي كما يعتقد “قرنفل” الذي ألمح إلى رد فعل انتقامي قد يقوم به النظام السوري تجاه السوريين المجنسين. وحذر في هذا السياق من تفسير النظام لقانون الجنسية السوري كما يريد، وقال: “إن القانون السوري يسمح بالجنسية المزدوجة، لكن هناك نص في القانون السوري الناظم للجنسية، يجيز للنظام شطب الجنسية عن المواطن السوري الذي تجنس بجنسية دولة أخرى دون إخطار السلطات بذلك، و في حال فعل النظام ذلك فقد تتم  مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة أيضاً للشخص المجنس”.


المجتمع التركي بين الرفض والقبول

يتفق كل من العالم السوري “جمال أبو الورد” والمحلل السياسي “ناصر تركماني” على وجود حركة قوية رافضة لتجنيس السوريين  في المجتمع التركي.
ويعزو تركماني ذلك إلى حسابات “انتخابية” أكثر من كونها “اقتصادية أو مجتمعية” ، موضحاً “بعض الأحزاب تعتقد أن تجنيس العرب سيكون لصالح توسيع القاعدة الجماهيرية لحزب “العدالة والتنمية” الحاكم، وبعض الأحزاب الأخرى ترى أن تجنيس “التركمان” سيكون لصالح الحركة القومية”.
وبخلاف حزب “العدالة والتنمية” فإن جميع الأحزاب التركية المعارضة قد أعلنت عن رفضها الصريح لتجنيس السوريين، من بينهم زعيم الحركة القومية “دولت باهجة لي”، الذي وصف هذه الخطوة بـ”اللامسؤولة”، مشيراً إلى تهديد التجنيس للسلم الاجتماعي في البلاد.
بدوره أكد “أبو الورد” وجود توجه شعبي تركي رافض لتجنيس السوريين، وختم في هذا الصدد، “إن مواقع التواصل الاجتماعي، تشهد جدلاً متواصلاً فيما بين الأتراك بهذا الخصوص”.

 



صدى الشام