حتى التقشف لم يعد مُجدياً ..فماذا وكيف يأكل السوريون؟
8 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016
“اليوم نرى ما يقرب من 80% من الأسر في أنحاء سورية تواجه صعوبات بسبب نقص الغذاء أو المال لشراء الغذاء”..هذا ما قاله مؤخراً عبد السلام ولد أحمد، مساعد المدير العام والممثل الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة.
هذا التصريح لم يأتِ بجديد، فهناك اتفاق بين كل التقديرات غير الرسمية أن الحد الأدنى للدخل الذي تحتاجه الأسرة لتلبية احتياجاتها الرئيسة لا يقل عن 200 ألف شهرياً. ومع استحالة توفر ذلك الدخل، فقد كان من الطبيعي أن تقفز معدلات الفقر لتشمل 85% من السوريين وفق تصنيف الحد الأعلى للفقر، منهم 35% يعيشون في فقر مدقع.
سابقاً كان الراتب الشهري في دوائر حكومة النظام يكفي لمنتصف الشهر، أما حالياً لم يعد يكفي للأسبوع الأول من الشهر، ويمكن القول بأن معظم الشعب السوري يعيش في فقر إلا فئة رجال الأعمال والمسؤولين وأثرياء الحرب وتجارها. ولعل من الغرائب ومن “المضحكات المبكيات” أن الوزراء في حكومة النظام حالياً اشتكوا قلة راتبهم وضعف دخلهم وطلبوا من رئيس الحكومة أن يقوم برفع تعويضهم المعيشي لكي يجابهوا متطلبات المعيشة..فإذا كان حال الوزراء هكذا..فماذا يقول المواطن العادي أو العاطل عن العمل؟.
تردي الأوضاع المعيشية لمعظم الأسر السورية فرض عليها انتهاج برنامج تقشف في مختلف مناحي الحياة، بدءاً من المواصلات وصولاً إلى الطبابة والأدوية، فبات البحث عن الأرخص هو الهدف لدى أي مستهلك سوري، بعيداً عن الجودة التي لم تعد ضمن قاموسه.
حالياً متوسط الأجور في القطاع العام هو 30 ألف ليرة شهرياً للفئة الأولى، وينخفض لأقل من ذلك لبقية الفئات. هذا الأجر له عدة جوانب وتكاليف ستتوزع عليه وهي: ” المواصلات ـ المدارس ـ الطبابة ـ الغذاء ـ الكساء ـ الفواتير من كهرباء وماء واتصالات ـ إيجار منزل ـ التدفئة في الشتاء”، فهل يوجد تفسير اقتصادي لكيفية توزيع هذا المبلغ على الجوانب المذكورة في ظل تضخم بلغ أكثر من 500% بالمقارنة مع عام 2010؟. وهنا نطرح السؤال الذي كان سيحير علماء الاقتصاد؟ الفجوة بين الدخول والأسعار باتت كبيرة جداً حتى أنها ابتلعت كل الدخل، فكيف يعيش المواطن السوري بهذا الدخل الذي لا يكفي لتغطية وجبات طعامه وأسرته؟.
حول ذلك قال باحث اقتصادي لـ صدى الشام أنه وفق التصنيف العالمي للحاجات الغذائية والسعرات الحرارية اللازمة لحياة الفرد يومياً والتي تعتمد على عدة عوامل منها السن وحجم الجسم والطول والجنس ونمط الحياة والحالة الصحية ككل، والمُقدّرة وسطياً بـحوالي 2400 حريرة يومياً فإننا نحتاج مبلغ 500 ليرة يومياً لكي نحقق تغذية سليمة للفرد وفقاً للتصنيف العالمي، مع الإشارة إلى أنه لم يؤخذ في الحسبان في حالات الرفاهية. فالأسرة المكونة من خمسة أشخاص تحتاج 75 ألف ليرة شهرياً فقط فيما يخص الغذاء السليم لهذه الأسرة، وإذا ما أضفنا قيمة مشروبات (4300) ليرة ثمن كيلو شاي وكيلو من البن وأربعة كيلو غرامات من السكر تصبح قيمة الإنفاق شهرياً على الأغذية والمشروبات اللازمة لأسرة مكونة من خمسة أشخاص هي 79300 ليرة.
وأشار الباحث إلى أن الأُسر السورية حالياً تعاني الأمرّين في تأمين لقمة عيشها، فراتب 30 ألف ليرة سوريّة قيمته الحقيقية 300 ليرة نتيجة التضخم وفارق سعر صرف الدولار الذي كان بـ50 ليرة وأصبح بـ500 ليرة للدولار الواحد، فالسلعة التي كان سعرها 10 ليرات قبل اندلاع الثورة أصبح سعرها حالياً 100 ليرة، أي بفارق “صفر واحد”.
ولفتَ إلى أن المواطن السوري في ظل هذا الأوضاع اتبع حمية إجبارية و”شدّ الحزام وأسرته”، حسب وصف الباحث. وأعلن خطط تقشفية قابلة للتعديل حسب تذبذب الأسعار التي باتت تتغير في يوم وليلة، فألغى اللحوم الحمراء من قائمة الاستهلاك إلا بضع غرامات فقط طيلة الشهر، وبات يشتري البيضة والبيضتين بدلاً من طبق البيض، وتوجّه لشراء سلع الدوغما “الفرط” كونها أقل سعراً رغم انتشار الغش فيها، واعتمد بشكل كبير على المعونات التي توزعها المنظمات الدولية من الهلال الأحمر والأمم المتحدة، كما تقلص حجم استهلاكه للفروج لأكثر من 50%، ولم يعد يأكل الحلويات إلا حلويات الفقراء “العوامة والمشبك”، وخفض مونة الشتاء إلى أكثر من 50%، وبات يشتري السلع الرخيصة من أجبان وألبان رغم خلطها وغشها، وكذلك اللحوم المفرومة، واعتمد في غذائه كثيراً على المواد المُشبِعة من الأكلات الشعبية “الفول ـ الحمص ـ الفلافل” التي تحوي الخبز، كما لم يعد يشتري الفواكه باهظة الثمن، واقتصر شراؤه على الضروريات من الخضار، “فهو يشتري حبتين من البندورة ومثلها من الخيار و4 حبات من البطاطا، ويمكن القول بأن التقشف بات غير مُجدٍ عند معظم الأسر السوريّة في مناطق النظام.
ونوه الباحث إلى أن المائدة السورية “تغيّر لونها كما تغير لون وجوه أطفال سوريين إلى الاصفرار نتيجة نقص الغذاء وفقر الدم”، مشيراً إلى أنه لولا الحوالات الخارجية التي تأتي للأسر من أقاربها، ولولا أنها استخدمت مدخراتها لكان وضعها الغذائي أصعب من ذلك بكثير. فالأسرة السوريّة المكونة من 5 أفراد تحتاج ما لا يقل عن 200 ألف ليرة لسد حاجتها الأساسية فقط، منها 100 ألف لسد حاجة الطعام و50 ألف ليرة لسد أجرة المنزل وفواتيره و50 ألف ليرة لبقية الأمور من مواصلات وألبسة وطبابة ومدارس.
وختم الباحث مؤكداً أن معظم ما صدر من مراسيم عن نظام الأسد لزيادة التعويض المعيشي لم تؤثر أبداً في ردم الفجوة بين الدخل والأسعار، كما أنها لم تَطَلْ إلا الموظفين في القطاع العام. فماذا عن العاطلين عن العمل وماذا عن القطاع الخاص؟
[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]