عودة الصراع الأميركي مع إيران يعطّل فرص الحسم الروسي في سورية


الرأي

يعتقد مسؤولون في السياسة الخارجية الأميركية أن الأيام الثلاثة والأربعين المتبقية قبل دخول الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قد تكون كافية لتكتسح قوات روسيا وإيران والرئيس السوري بشار الأسد ما تبقى من مدينة حلب تحت سيطرة المعارضة السورية، بعدما نجحت هذه القوات في انتزاع ثلثي المساحة التي سيطر عليها المعارضون، شرق حلب، على مدى الأعوام الخمسة الماضية.
لكن بعد تسلّم ترامب الحكم، قد تتغير الصورة في شكل كبير، خصوصًا إذا ما توصل الفريق الرئاسي المقبل إلى نتيجة مفادها أن إيران تسيطر على الأراضي السورية، وهو ما من شأنه أن يشعل الصراع مجددًا، هذه المرة على شكل حرب بالوكالة بين إيران وأميركا على الأرض السورية.

وكان ترامب أعلن مرارًا نيته خوض مواجهة شرسة ضد الإيرانيين، بما في ذلك محاولة «تمزيق» الاتفاقية النووية الموقعة معهم العام الماضي.

في هذه الأثناء، يقول المسؤولون الأميركيون، الذين يعانون من الأداء غير المحترف الذي يقدمه ترامب في تعاطيه مع السياسة الخارجية، إن موسكو تعتقد أنها باكتساحها حلب، لن يتبقى تحت سيطرة معارضي الأسد إلا محافظة إدلب المجاورة، والتي تعتقد روسيا أن إجماعًا دوليًا يسود حول وقوعها تحت سيطرة (تنظيم القاعدة)، وهو ما يجعلها هدفا سهلا لإجماع دولي وتحالف عسكري يخرج المسلحين منها.
في الأراضي السورية الواقعة شرق الفرات، والخاضعة لسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، هناك إجماع دولي أيضًا على أن مسؤولية القضاء على التنظيم هي بعهدة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. ويبدو أن موسكو تراهن، حسب المتابعين الأميركيين، إما على تعثر جهود استعادة الأراضي السورية من «داعش»، بعد إتمام حلفاء أميركا وإيران استعادتهم الأراضي العراقية التي يسيطر عليها التنظيم، أو أن التحالف الدولي الذي تقوده أميركا سيحتاج إلى قوات سورية لتثبيت الأوضاع في الأراضي السورية شرق الفرات بعد طرد «داعش»، وهو ما يضع الأسد في وضع ممتاز لإعادة بسط سيطرته على هذا الجزء الشرقي من سورية، وبرعاية دولية.

تبقى بعض جيوب المعارضة في الوسط، في محافظتي حمص وحماة، وكذلك في الجنوب السوري. في وسط البلاد، يرجح المسؤولون الأميركيون أن تتحول الحرب إلى كرّ وفرّ بين قوات الأسد وحلفائه، من جهة، ومعارضيه، من جهة أخرى.

في الجنوب، يوجد اتفاق ضمني روسي – إسرائيلي بإبقاء هذه المناطق السورية خارج دائرة الحرب الدائرة في عموم البلاد، حسب المسؤولين الأميركيين، إذ إن أي محاولة لاستعادتها من قبل قوات الأسد ستسمح للقوات المتحالفة معه، وخصوصًا «حزب الله» اللبناني، بدخول هذه المساحات المتاخمة للجولان السوري الذي تحتله إسرائيل. لذا، دأبت إسرائيل على «رسم خطوطها الحمر بنفسها» بقيام مقاتلاتها بقصف أهداف عسكرية داخل سورية لمنع مقاتلي «حزب الله» من التوغل جنوبًا.

هذه هي الصورة التي تحاول موسكو التوصل إليها مع حلول مساء 20 المقبل، وهو اليوم الذي سيشهد تسلم ترامب المكتب البيضاوي من سلفه أوباما. وهدف الروس في ذلك، حسب المسؤولين الأميركيين، هو القضاء على إمكانية وجود أي موطئ قدم لمجموعات سورية مسلحة قد يحاول ترامب دعمها للانقضاض على الميليشيات الموالية لإيران، وتاليًا لمواجهة الأسد، «الذي فقد غالبية قواته الأرضية وصار يعتمد حكما على هذه الميليشيات الإيرانية».

لكن المسؤولين الأميركيين لا يرون أن «إقفال سورية عسكريًا أمر متاح للروس»، وانه حتى لو استعادت قوات الأسد المدن الكبرى ومساحات واسعة كانت خسرتها للمعارضة، يمكن للمعارضين عكس الأوضاع مع توافر الظروف الملائمة دوليًا مع دخول ترامب البيت الأبيض.

«مشكلة روسيا الكبرى في سورية»، يختم المسؤولون الأميركيون، «هي أن موسكو تحاول الاستيلاء على سورية من دون قوات أرضية، وتعتقد أنه يمكنها أن تقوم في ذلك بالاستناد إلى مقاتلي إيران». لكن إشراك الميليشيات الموالية لإيران يستدعي حكمًا تحويل الصراع من محاولة روسيا إثبات استعادتها إمبراطوريتها العالمية إلى آخر غير مباشر بين إيران وأعدائها.

روسيا ستحاول تثبيت الوضع السوري في أيدي الأسد الذي تعتقده تابعا لها، فيما سورية ستبقى مسرحًا لمواجهة إيران ضد خصومها، وهو ما يعني أنه «على رغم كل المحاولات الروسية، لا يزال الحسم العسكري متعذرا، حتى لو استعادت قوات الأسد سيطرتها على 90 في المئة من البلاد».




المصدر