وجيه البارودي… الطبّ والشعر والأخلاق


آلاء عوض

طبيب وشاعر سوري، زاول مهنة الطب 60 عامًا، وهي أطول مدة في التاريخ. دفعته أحاسيسه المُرهفة لينظِم شعرًا، وينسج نثرًا؛ فكان من أبرز أعلام الشعر العرب في القرن العشرين.

وُلد وجيه بارودي عام 1906 في مدينة حماة، وبدأ دراسته في الكتّاب، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918، سافر إلى بيروت؛ ليستكمل تعليمه في الكلية الإنجيلية السورية (الجامعة الأميركية)، وتخرّج منها طبيبًا عام 1932.

باشر حياته المهنية في عيادته الخاصة التي افتتحها في مدينته حماة، عام 1932، فَور عودته من لبنان، وكانت الأولى من نوعها، وعُرف بتفانيه في العمل، وتعامله مع مهنة الطب بضمير وأخلاق عالييـن، حيث كان أول من اقتنى دراجة عادية في تلك الفترة، استخدمها لزيارة مرضاه، ثم تطوّرت الأمور، فاقتنى دراجة نارية، واستعملها للأغراض ذاتها.

في أثناء دراسته في الجامعة الأميركية في بيروت، تعرّف إلى مجموعـة كتّاب وأدباء، منهم عمر فروخ، وإبراهيم طوقان، وأبو القاسم الشابي، وأسسوا -معًا- جمعية “دار الندوة” عام 1926، كما كانت لهم قصائد مشتركة، منها قصيدة “وادي الرمان” التي نَظَمها مع الشاعر إبراهيم طوقان.

عاصر القرن العشرين حتى نهايته، فعاش الحربين العالميتين والمجاعات، والحروب والأحداث التي عصفت بالمنطقة، لكنه نأى بنفسه عن كل تلك الأحداث، وابتعد عن السياسية، واستلهم الحب والجمال، واختار لنفسه عالمًا خاصًا محوره الشعر والمرأة؛ فقال “أنا في السياسة ليس لي باع، ولي في الحب أجنحة تحلّق للعُلا”.

ترك أثرًا لا يُستهان به في الشعر العربي المعاصر، وجمع في كلماته بين البساطة والعمق والانتماء لقضايا الشعب.

ابتعد عن المراكز، وكان متواضعًا قريبًا من الناس وهمومهم، على الرغم من انحداره من عائلة ثريّة، ولم يسوّق لنفسه يومًا بوصفه شاعرًا، بل كان يُصنّف نفسه من الهواة، لذلك لم تحظَ دواوينه ومنشوراته بالتوزيع والنشر الجيّدين، على الرغم من غزارة منتوجه الأدبي، وإشادة عديد من الشعراء والفنانين بما كتب.

كُرّم طبيبًا عام 1991، حيث مُنح درع وزارة الصحة، بوصفه أقدم طبيب في سورية، وصاحب أطول مدّة عمل طبي في العالم، كما كُرّم شاعرًا عام 1975، حيث أقيم له حفل فخري بمناسبة بلوغه السبعين عامًا، تحدّث فيه نخبة من الأدباء والباحثين والنقّاد والشعراء السوريين عن إبداعاته.

له ثلاثة دواوين شعرية مطبوعة (بيني وبين الغواني، كذا أنا، وسيد العشّاق) إضافة إلى مجموعة من القصائد الأخرى التي لم توزّع وتُنشر.

توفي عام 1996، تاركًا أثرًا بالغًا بإنسانيته المُفرطة، وحبّه العميق لأبناء بلده الذين بادلوه المشاعر عينها، وعلى الرغم من مشاق مهنته إلا أنه كان خفيف الظلّ، صاحب فكاهة، وقد قيل فيه “حماة هي العاصي والنواعير ووجيه البارودي”.




المصدر