علمانية الأسد والتزييف


رلى العلواني

العلمانية بالتعريف هي فصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية، وبالأساس لا تقوم على عقيدة دينية واحدة، وتتمثل بمبدأين: المساواة والحرية لطيف المجتمع الواحد كافة.

سعى النظام السوري منذ استيلائه على الحكم -قبل نحو خمسة عقود- إلى إظهار نفسه نظامًا علمانيًا ديمقراطيًا، وحاول تكريس مفهومات علمانية، من خلال منظومات مُخترعة لا تمت إلى العلمانية أو الديمقراطية الحقيقية بصلة، بل جعل تلك العلمانية والديمقراطية “الهجينة” أداة قمع وتسلّط وكم للأفواه وهتك للحريات، وعاش السوريون في ظل تزييف متعمّد لكل حقائق ومفاهيم السياسة والحكم والديموقراطية والتعددية، أي: تزييف شمل مناحي الحياة كافة.

العلمانية الخادعة

من خلال متابعة الأوضاع على الساحة السورية، قبل الثورة وبعدها، نلحظ يقينًا أن النظام السوري القائم هو أكبر مُشوّه للعلمانية، على الرغم من أنه يتستر بها ويدّعيها، ويُعدّ نفسه مدافعًا عنها، والوجه الناصع لها في المنطقة العربية.

تجلّت أبرز وجوه الطائفية في نظام يدّعي العلمانية في تكوين جيشه وأجهزته الأمنية، وبحسب إحصاءات غير رسمية، نشرتها المعارضة السورية، فإن نسبة الضباط الأمراء من الطائفة العلوية تبلغ أكثر من ثمانين بالمئة في الجيش والأمن؛ إذ لم يسعَ النظام السوري -منذ البداية- إلى إنشاء جيش وطني حقيقي، بل منح معظم الرتب العالية لشخصيات من طائفته؛ لتقف هذه الطائفة معه، وليضمن عبرها ولاء الجيش وسيطرته المطلقة، حتى غدا الجيش السوري بتركيبته الطائفية من أشد العقبات أمام إقامة نظام علماني حقيقي، يكون فيه كل أبناء الوطن سواسية، يحكمهم عقد اجتماعي، يجمع كل أطيافهم، على اختلاف معتقداتهم ومناطقهم وخصائصهم الثقافية.

كذلك الحال بالنسبة للاقتصاد، الذي بات رهينة في يد شخصيات من الأسرة الحاكمة، ومن شخصيات مختارة من الطائفة، سيطرت على الاستثمارات الخارجية والداخلية كالمافيا، ونهبت ثروات الوطن، وابتزّت المستثمرين الأجانب؛ ما أدى إلى عزوف الاستثمارات الأجنبية وهروب رؤوس الأموال الوطنية، وتردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة والفساد ترديًا غير مسبوق.

حتى تحالفات النظام السياسية والعسكرية الخارجية اتّسمت بسمة طائفية أيضًا، حيث تحالف مع النظام الإيراني ذي الأيديولوجيا الطائفية القمعية، كما استجلب مرتزقة من طائفة بعينها من لبنان والعراق وأفغانستان لقمع ثورة الشعب.

الديمقراطية الوهم

الديمقراطية تعريفًا هي حكم الأكثرية الشعبية، التي تنتج عن انتخابات لممثلي الشعب، للوصول إلى تحقيق المطالب ومعالجة الثغرات، أما في سورية، وكما هو معروف، فقد ورث بشار الأسد الحكم عن أبيه حافظ الأسد، الذي اغتصب -بدوره- الحكم قبل نحو خمسة عقود، عبر انقلاب عسكري أطاح برفاقه البعثيين، انقلاب أسماه “الحركة التصحيحية”، وسعى نظام الأسد الابن منذ اللحظة الأولى لوفاة أبيه إلى ممارسة ديمقراطية مشوهة، فغيّر مادة في الدستور بدقائق،  بتخفيض سن رئيس البلاد من الأربعين إلى أربعة وثلاثين عامًا، ليُلائم سن الأسد الابن في حينها.

وهذا البرلمان الدمية الذي قبل بتغيير الدستور في جلسة استثنائية عاجلة غير قانونية، ما هو إلا مجموعة من الانتهازيين الذين يتعيشون من خلال وجودهم تحت قبة البرلمان، معظمهم من قائمة ما يسمى بـ “الجبهة الوطنية التقدّمية”، التي تُعدّ تجمّعًا صوريًا لأحزاب متعددة فارغة المضمون، عمادها حزب البعث، يُحكم لها بالنجاح دائمًا؛ لأنها تُمثّل مصلحة النظام وتلتزم بنهجه ولا تحيد قيد أنملة عن تعليمات الأجهزة الأمنية، حتى صار الشعب السوري يعرف أسماء من سيكون تحت قبة البرلمان قبل الانتخابات، من خلال قائمة الجبهة التي يُعيّنها النظام تعيينًا.

هذه القرائن والأوصاف الموضوعية للحالة السورية قبل الثورة، والتي تُعدّ عيّنة من خداع وتزييف النظام السوري، كان يجب لها أن تدفع مؤيّدي النظام أو المخدوعين به، إلى أن يعوا أنه نظام لا ديمقراطي ولا علماني، بل عدو للديمقراطية والعلمانية، عدو مارس تزييفًا وكذبًا مفضوحًا لهذه المبادئ، بينما هو في صميمه نظام طائفي استبدادي شمولي.




المصدر