أردوغان «رجل تركيا القوي» في وثائقي فرنسي
10 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016
يروي الوثائقي التلفزيوني الفرنسي «رجل تركيا القوي» سيرة السياسي رجب طيب أردوغان بلغة متينة وبأسلوب مشوق، محاولاً رسم صورة مختلفة له وذلك بتنويع مستويات معالجته للموضوع وعدم الاكتفاء بالمقابلات والشهادات الشفاهية من خلال جمعه كماً كبيراً من الخامة البصرية وتوافره على شهادات شخصيات تركية وأجنبية رافقت مسيرة الرجل وكانت شديدة القرب منه منذ بداية نشاطه السياسي أوائل السبعينات حتى لحظة تتويجه زعيماً مطلقاً للبلاد بعد فشل الانقلاب العسكري أواسط تموز (يوليو) من العام الحالي. فالصورة كانت من أقوى عناصره والبحث الدقيق في جوانب تكوينه النفسي والاجتماعي من أعمق جوانبه التحليلية.
«رجل تركيا القوي» المعروض على القناة التلفزيونية السويدية يبدأ بعرض سريع لآراء ومواقف شخصيات تركية وأجنبية منه، وعبرها يتضح حجم الخلاف في توصيفه ويؤكد في الوقت ذاته دقة الوصف الشائع عنه «رجل قَسمَ الأمة التركية الى قسمين: إما أن تكون معه وإما ضده!». بعدها يراجع تاريخ أردوغان السياسي وصعود نجمه خلال أوائل التسعينات حين انتخب محافظاً لبلدية إسطنبول ليكون أول ممثل عن حزب إسلامي تركي يتولى هذا المنصب. وسرعان ما حقق في عمله نجاحات مهمة واستطاع تغيير الكثير من أوضاع المدينة. كشفت سنوات توليه حكمها عن قدرات سياسية لافتة وتمتعه بـ «كاريزما» أخافت العسكريين الذين سارعوا لترتيب انقلاب ضده فأُدخل السجن لأشهر، وما لبث أن خرج منه برؤية واضحة عما عليه فعله. قرر تأسيس حزب سياسي ديني مختلف عن نموذج حزب «نجم الدين أربكان» يرفع شعار الديموقراطية ويقترب من الغرب وبهما سيتمكن من محاصرة العسكر. عمل بكل طاقته لتحقيق هدفه واستعان «بحركة غولن» الواسعة الشعبية في كسب الأتراك. استلهم حزب «العدالة والتنمية» من الأحزاب المسيحية الديموقراطية في ألمانيا والتي تنطلق من فكرة الجمع بين الديموقراطية والدين، فكسب بذلك رضا الولايات المتحدة التي ساعدته على اقناع أوروبا بدعمه باعتباره سياسياً يقدم نموذجاً جديداً متوازناً.
يتوقف الوثائقي طويلاً عند علاقة فتح غولن بأردوغان وتعاونهما أول الأمر نتيجة تقارب طروحاتهما حتى لحظة إعلان خلافهما وتوسع رقعته ليصل الى مستوى حرب مفتوحة بينهما. كان لحركة غولن نفوذ في أوساط الشرطة وأجهزة الأستخبارات ولهذا أراد أردوغان تقريبهم اليه والاعتماد عليهم لحماية سلطته التي أمسك بها عام 2003. توليه منصب رئيس الوزراء في ذلك العام فرض عليه الاعتماد على جماعة غولن بدلاً من الجيش الذي ناصبه العداء وسيُتوج عام 2007 برفضهم فكرة ترشيحه للرئاسة وهذا ما سيفسر في ما بعد محاولته للتخلص من قادته. سيشهد عام 2008 موجة اعتقالات واسعة ضدهم بحجة «انقلابهم» على الشرعية! وبعدها سيعترف لاحقاً وبكل صراحة بـ «أنه منح نفسه صفة القاضي، الذي حاكمهم صورياً».
لرسم بورتريه كامل لشخصية اشكالية تتمتع بكفاءة وطموح لا حد له كان لا بد للوثائقي من العودة الى طفولة أردوغان ونشأته ومعرفة الجوانب النفسية والاجتماعية التي أثرت عليه وطبعت سلوكه بطابع «الصرامة» و «الحسم». أحد أسباب قسوته يعود الى والده الذي كان يعامله بفظاظة ويضربه بشدة وكانت والدته تتلقى على يديه الإهانات والصفعات.
في حي قاسم باشا الفقير الذي نشأ فيه سمع معدو الوثائقي آراء بعض الناس بأردوغان وعائلته وتأكيد كثيرين منهم ميله الى الزعامة وصعوبة سيطرته على أفعاله. وبالاستناد الى هذه الآراء يقدم الوثائقي تفسيراً لمواقفه الحادة ومسيرته التي توجت بالتخلص من كل الواقفين في طريقه سواء كانوا من بين صفوف الحلفاء والمقربين أو الخصوم كالأكراد والمعارضين السياسيين ورجال الاعلام. كره أردوغان النقد وكره معه الصحافيين، لهذا حاول إسكات من لا يقف معه، فمنع كبريات الصحف وحاول السيطرة على أكبر مساحة من قطاعات الاعلام.
طموحه ورغبة بلوغ المجد جعلاه، كما يفيد الوثائقي، يقرب الى دائرته الضيقة أي رجال الأعمال الفاسدين الذين راحوا يغذون طموحه في إقامة مشاريع اقتصادية عملاقة وبناء قصور تدر عليهم بطرق مختلفة أرباحاً كبيرة. سيكون «جيزي بارك» نقطة تحول في مسيرة أردوغان من رجل فقير صعد الى السلطة ولن يمنعه أحد من التمتع بمزاياها. التظاهرات ضد هدم البارك الطبيعي توسعت وتوسعت معها حركة احتجاج انتهت بقمعها بالقوة لكنها أثارت حفيظة جماعة غولن الذين أثاروا من خلال شخصياتهم المتنفذة في القضاء فضائح مالية ضد أردوغان وضد نجله والمقربين منه. قمعه لهم غيَّر مواقف أوروبا وفي شكل خاص فرنسا وألمانيا منه، لكن ذلك لم يمنع من ترسيخ موقعه بعد الانقلاب العسكري الفاشل وبعد موجات الهجرة الواسعة الى أوروبا.
وسيأتي عام 2014 ليكرس سلطة أردوغان رئيساً وسيشهد القصر الذي شيده لنفسه مرحلة جديدة عنوانها «رجل تركيا القوي» من دون منازع.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]