رزان زيتونة والأمل الذي لا ينضب


آلاء عوض

توقٌ إلى الانعتاق وإحساس عميق بمشاعر وهواجس البسطاء والمظلومين، دفعاها لتتحلّى بجرأة وبسالة لا مثيل لهما، فكانت ظلًّا للمقهورين وأملًا للحالمين، وبين الواقع والمأمول لعبت أدوارًا صعبة، وأسّست لمشروعات إنسانية عالية المستوى، لتأتِ الثورة مُشرّعةً أمام طموحاتها أبوابًا كانت موصدة وأفاقًا كانت مُعتمة.
كانت الشابة القوية والمجتهدة في عقدها الرابع عندما أعلن النظام سخطه عليها، واستياؤه من نشاطها، فضيّق الخناق عليها، لتبتعد إلى مدينة دوما في الغوطة الشرقية، وهناك تعرّضت للاختطاف.
الناشطة الحقوقية وموثّقة انتهاكات حقوق الانسان، رزان رشاد زيتونة، تولّد طرابلس – ليبيا 29/ 4/ 1977، من عائلة دمشقية مثقفة، متوسطة الحال، والدها حقوقي ومدير لشركات عدة في الخليج، ووالداتها مدرّسة لغة عربية.
درَسَتْ في دمشق، وتخرّجت من كلية الحقوق عام 1999، تدرّبت على المحاماة في مكتب هيثم المالح، وبدأت مزاولة المهنة عام 2001، وباشرت أعمالها بتسلّم عدد من قضايا معتقلي الرأي التي دافعت عنها تطوّعًا، كما عمِلت في الصحافة مبكّرًا؛ فكتبت عن الأطفال ودور العجزة والإتجار بالنساء ومشكلات وهموم الناس، ضمن سلسلة أنجزتها من المقالات الاجتماعية.
مع بدايات ربيع دمشق عام 2005، أسّست مع المحامي هيثم المالح، وحقوقيين آخرين “جمعية حقوق الإنسان” في سورية، كأوّل جمعية حقوقية تعمل احترافيًا، وتفرّغت تفرّغًا شبه تام لأعمال الجمعية وتوثيق الانتهاكات والاعتقالات، وكتبت كثيرًا من التقارير في هذا المجال.
واكبت معظم فاعليّات ربيع دمشق، فكانت مواظبة على حضور جلسات “منتدى الأتاسي للحوار الديمقراطي” وباقي المنتديات، وجالت على كثير من مناطق سورية، واستمعت للناس، ونقلت همومهم ومشكلاتهم، ودافعت عن حقوقهم في المحاكم، وغطّت أحداث القامشلي والمسألة الكردية؛ حيث باتت عدة ليال في الشمال الشرقي من سورية، تستمع وتسجّل شهادات الناس ومعاناتهم.
عشرة أعوام في العمل الحقوقي أثبتت -خلالها- زيتونة حضورها بقوة في نصرة المظلومين، بمن فيهم الإسلاميين، وشاركت في معظم الاعتصامات والمظاهرات إبّان أحداث مخيم جنين وحرب العراق، وهناك اجتمعت مع الناشط السياسي، وائل حمادة، وتزوّجا.
الجهد والعمل كانا وسماها الأبرز، فدأبت على القراءة عن حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية، وعملت بجدّ لتطوّر لغتها الإنكليزية، فكان كل ما تعلّمته حصيلة جهد شخصي وجدّ، ولا سيّما أنها كانت من ذوي الدخل المحدود، وجلّ أعمالها تطوعية.
كانت قريبة من كل الجهات السياسية، لكنها لم تنتسب لأي حزب أو جماعة، وأعلنت عملها المستقلّ وتفرّغها لحقوق الإنسان، وسعت -جاهدة- لنقل قضية حقوق الإنسان في سورية إلى العالم، حيث بنت علاقات وطيدة مع عددٍ من الصحافيين الأجانب، وراسلت المؤسسات الدولية المعنيّة بحقوق الإنسان، ونقلت صورة الوضع في سورية دون مبالغة أو تهويل، وشاركت بكتابة تقارير دولية عديدة عن انتهاكات حقوق الإنسان في سورية.
رزان والثورة
مع اندلاع شرارة ثورات الربيع العربي تبلور حسّها الثوري، فراقبت عن كثب تطوّرات أحداث الثورتين: التونسية والمصرية، وتابعت عمل مجموعات الثورة على مواقع التواصل الاجتماعي والمدوّنين، وأول ما يتبادر إلى الأذهان صورتها في مقطع فيديو، وهي مُشاركة في أولى المظاهرات التي انطلقت من مدينة حرستا، فكانت تصدح بأعلى صوتها بالحرية التي نشدتها.
وفعلًا شاركت مشاركة بنّاءة في معظم فاعليات الثورة، ونسّقت مع زوجها حمادة خططًا للمظاهرات، وساهمت في تأسيس عدد من التنسيقيات وجمعتها بمسمّى “لجان التنسيق المحلية”.
جهّزت ودعت لكثير من المظاهرات وشاركت فيها، وكانت تنظّم اللقاءات والاجتماعات الخاصة بالمظاهرات والاحتجاجات، وذهبت إلى داريا والغوطة وعدد من المناطق المُشتعلة، ونقلت أخبار الثورة السورية إلى الرأي العام العالمي، بصدقيّة ومهنيّة عاليتين، وعُدّت مصدرًا موثوقًا للخبر المنقول إلى المؤسسات الحقوقية والدولية ووكالات الأنباء.
مارس النظام وأجهزته الأمنية الضغط عليها في دمشق، وضاقت عليها الجغرافيا والسُبُل، فانتقلت، أواخر نيسان/ إبريل 2013، إلى مدينة دوما، وعمِلت في مساعدة زوجات الشهداء والنساء اللاتي بلا معيل، إضافة إلى نشاطها الحقوقي والثوري والإعلامي.
أسّست عددًا من المكاتب، منها مكتب التنمية للمشروعات الصغيرة، ومراكز منظمة النساء الآن، ومكتب توثيق الانتهاكات، وساهمت في دعم وتمكين الحُكم المحلي عن طريق المجالس المحلية، ولعبت دورًا رياديًا في لجان التنسيق المحلية، حيث ساعدت عددًا كبيرًا من التنسيقيات بالعمل والدعم، وشجعت عددًا كبيرًا من الناشطين في خوض غمار الثورة، ووفّرت لهم الأجهزة والدعم، كما أسهمت في خلق شراكة مع منظمات ومؤسسات دولية.
عُرضت عليها فرص ومناصب عدة، ولكنها رفضتها، كما أبتْ الخروج من سورية، وعايشت أوجاع الحصار، حيث روت في إحدى مقالاتها المصاعب والتحدّيات التي عاناها المدنيون في الغوطة تلك الآونة، وكانت موجودة في أثناء مجزرة الكيماوي، وأعدّت بنفسها، وبالمشاركة مع طاقم من العاملين في مركز توثيق الانتهاكات، تقريرًا مهنيًا، صدر باللغتين: العربية والإنكليزية اعتمدته أغلب المؤسسات الإعلامية والدولية.
تعرّضت للاختطاف في مدينة دوما، في 9 كانون الأول/ يناير 2013، وهي على رأس عملها مع زوجها وائل حمادة، وأخيه ناظم، وزميلتها سميرة الخليل، في أثناء وجودهم في مكتبهم الذي كان مركزًا لتوثيق الانتهاكات، ومكتبًا للجان التنسيق في دوما.
في اليوم التالي من اختطافها، توافد أهالي الحي الذي كانت تقطن فيه؛ ليسألوا عنها، وهم خائفون متوجّسون عليها، منهم من يعرفها، ومنهم من سمع عنها وعن أخلاقها، تلك المرأة السورية الأصيلة التي جمعت الرصانة والرقة، الجديّة والحنان، الشخصية القيادية والإلهام.




المصدر