ضحايا التعذيب في سورية واليوم العالمي لحقوق الإنسان


عاصم الزعبي

يعيش عيسى محمد، من درعا، في الأردن، بعد إصابته بشلل حركي تام، نتيجة التعذيب الذي تعرض له بعد اعتقاله من أجهزة النظام السوري الأمنية.

اعتُقل محمد على حاجز المخابرات الجوية في الكسوة، واقتيد إلى فرع المخابرات الجوية في المزة، وهناك، يقول محمد: “تعرضت لتعذيب شديد، بتهمة أني أقود جماعة مسلحة، ضربني العناصر بالكابلات والعصي، ولكن كان أقساها ضربي بأنبوب مياه معدني على ظهري؛ ما تسبب لي بشلل تام، ليفرج عني بعد ثلاثة أشهر، عندما أكتشف المحققون أنني لست الشخص المطلوب، وما حصل كان تشابهًا في الأسماء”.

اتبع النظام السوري، التعذيب وسيلة للانتقام في مراكز الاعتقال، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية، واتفاقية مناهضة التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية، والمهينة، والتي صادقت عليها “الحكومة السورية” عام 2004 .

الفقرة الأولى من المادة الأولى من هذه الاتفاقية عرّفت التعذيب بأنه “أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديًا كان أم عقليًا، يُلحق عمدًا بشخص ما، بقصد الحصول من هذا الشخص أو من شخص ثالث على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز، أيًا كان نوعه، أو يحرّض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي، أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية، ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ -فحسب- عن عقوبات قانونية، أو الملازم لهذه العقوبات، أو الذي يكون نتيجة عرضية لها”.

كثيرًا ما أفضى التعذيب المتبع في مراكز اعتقال النظام السوري إلى الموت، فقد وُثّقت ما لا يقل عن وفاة 13 ألف معتقل، قضوا نتيجة التعذيب، منهم 11 ألف معتقل سُرّبت صورهم من المصور العسكري المنشق عن النظام، والمعروف بلقب “قيصر)”

آلاف من السوريين أصيبوا بإعاقات متفاوتة بسبب التعذيب، كما يقول خالد عمر، المقيم في مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن: “اعتقلتني دورية أمنية مشتركة في مدينة السويداء، واقتادوني إلى فرع الأمن العسكري في المدينة، حيث كانوا يضعون رأسي في برميل مملوء بالماء حتى أكاد أختنق، كانوا يطفؤون السجائر في جسدي، كما تعمدوا ضربي على ذراعي اليسرى ضربًا دائمًا باستعمال عصي غليظة، حتى أصيبت يدي بالشلل، وهي الآن بحاجة لعدة عمليات جراحية، وعلاج فيزيائي”.

لم تتوقف أجهزة النظام الأمنية عن ممارسة التعذيب داخل السجون، على الرغم من التقارير التي صدرت عن عدد من المنظمات الحقوقية الدولية، فقد أشارت منظمة “هيومان رايتس ووتش”، في تقريرها عن الأحداث في سورية للعام 2015، إلى “استمرار سوء المعاملة والتعذيب في مراكز الاعتقال، علاوة على أوضاع السجن التي تؤدي إلى الوفاة أحيانًا، بسبب عدوى الأمراض والتعذيب، وغياب رعاية الأمراض المزمنة، مات على الأقل 890 معتقلًا في السجون عام 2015 “.

دستور 2012

هناك عدد من القوانين التي تمنع التعذيب في مراكز الاعتقال، بما فيها الدستور السوري الصادر في العام 2012، في مادته رقم 53، وقانون العقوبات السوري في المادة 391، التي تمنع التعذيب وتعاقب مرتكبيه.

لكن النظام يخرق هذه القوانين من خلال استمرار العمل بالمادة رقم 16 من القانون رقم 14 لعام 1969، والتي تعطي حصانة لرجال الأمن في حال ارتكابهم جرائم، حيث لا يجوز ملاحقتهم إلا بموافقة القائد المسؤول عنهم، وتشكل هذه المادة خرقًا للقوانين المحلية والدولية، على حد سواء.

التعذيب في مراكز الاعتقال التابعة للنظام عمل ممنهج ومدروس، ففي بداية الثورة كان التعذيب يقتصر على الضرب الشديد للمعتقلين، ليتطور لاحقًا إلى تعذيب يفضي للموت، وخاصة في فروع الاستخبارات، كالفرع 215 المعروف بسرية المداهمة، وفرع المنطقة 227 .

وقال أبو منذر، من درعا البلد، وكان قد اعتُقل في أول اقتحام لجيش النظام لمدينة درعا. يقيم في مدينة إربد الأردنية: “اعتقلتني دورية لأمن الدولة بعد مداهمة منزلي، بتهمة المشاركة في المظاهرات، وتعرضت، ومن كانوا معي، للضرب المبرح. أجبرونا أن نستلقي على بطوننا ونرفع أرجلنا إلى الخلف ليضربونا بعدها بكابلات عريضة، لمدة لا تقل عن ساعة في كل جلسة تحقيق، حتى نصل إلى مرحلة عدم الشعور بأقدامنا”.

قانونيًا يمكن تصنيف التعذيب الممارس في مراكز الاعتقال التابعة للنظام على أنه يرقى لمستوى جريمة ضد الإنسانية، بحسب المادة السابعة من ميثاق روما الأساسي الناظم لعمل محكمة الجنايات الدولية، لوجود انطباق للأركان المادية للجريمة على جرائم التعذيب التي تقوم بها أجهزة النظام الأمنية، من ناحية أساليب التعذيب، ومنهجيتها، والأوضاع المحيطة بها.

لا يعترف النظام السوري بوفاة المعتقلين في زنازينه نتيجة التعذيب، فغالبًا ما يعطي شهادات وفاة لذوي المعتقلين، تقول: إن المعتقلين ماتوا نتيجة إصابتهم بنوبات قلبية، وفي معظم الحالات لا تسلّم سلطات الأسد بتسليم جثث المعتقلين الذي ماتوا لأهلهم، حيث تدفنها السلطات نفسها، كما أوردت “منظمة العفو الدولية”، في تقريرها عن العام 2015 المتعلق بالانتهاكات في سورية.

عشرات الآلاف من المعتقلين يقبعون في مراكز الاعتقال التابعة للنظام، في أحوال قاسية جدًا من الناحية الصحية، مع استمرار التعذيب الممارس عليهم، دون أن يكون هناك الحد الأدنى من الحقوق التي يجب أن يتمتع بها المعتقل، ودون أن تتمكن أي منظمة حقوقية، أو هيئة دولية من تأمين الحماية لهم، بما فيها الأمم المتحدة التي فشلت فشلًا ذريعًا في حماية السوريين من أي شكل من أشكال الانتهاكات التي يواجهونها منذ خمس سنوات.




المصدر