‘“قانون داماتو”.. وامتحان المنطلقات الإيرانية’

10 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016
8 minutes

أسامة عثمان

إذا كانت إيران تمكّنت من التوصُّل إلى اتفاق مع التي طالما ارتكزت في خطابها السياسي إلى معاداتها، وهي أميركا، فلعل ذلك يؤشِّر إلى السِّمة الأبرز في طبيعتها، وهي الأقرب إلى “العملانية” أو “العملانية الثورية”، وهو التوصيف الذي ورد في معرض دعوة مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية، حسام الدين آشنا، إلى تجنُّب أيّ راديكالية، لدى الردّ على تمديد الحظر الأميركي ضد إيران. وهنا نستشفُّ وراء صياغة هذا المصطلح، مراعاته للعامل العميق الذي بُنيت عليه إيران، وفق وصف هنري كيسنجر لإيران التي “لا تعدّ نفسها دولة، بل ثورة”.
لعل دعوة آشنا هذه إلى “العملانية” تتوخّى عقلنة تلك الردود عالية السقف… ومع أن هذا التحدِّي (تمديد العقوبات) لا يقتصر خطرُه على حدوده، فقد يؤشِّر إلى تحوُّل في السياسة الأميركية الترامبية، ولا سيما أن ترامب -الذي وصف إيران، في أثناء حملته الانتخابية، بأنها أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، ووصف الاتفاق النووي بأنه واحد من أسوأ الاتفاقات التي رآها- يستجمع حوله، وفي مراكز بالغة الأهمية، معارضين لتعاظم الدور الإيراني الإقليمي، ولتطاولها، ولو رمزيًا، على واشنطن في منطقة الشرق الأوسط، والخليج العربي، من قبيل مرشحه لوزارة الدفاع، جيمس ماتيس، الذي غادر منصبه في 2013، بسبب خلاف مع إدارة أوباما وليونتها الإقليمية تجاه طهران، ومن مثل مايكل بومبيو الذي أصبح على رأس وكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. أي). كما أن المرشحين لوزارة الخارجية، وهم ميت رومني، ورودي جولياني، وديفيد بترايوس، والسناتور بوب كوركر، يؤيدون تحرُّكًا أقوى لاحتواء نفوذ إيران.
تأتي هذه المؤشرات التي يحقّ لإيران أن تقلق بسببها، في وقت تزداد فيه الأطماع الإيرانية إلى دور إقليمي أكثر تجرُّؤا على سيادة الدول في الإقليم، بإعلان رئيس الأركان الإيراني، الجنرال محمد باقري، للمرة الأولى، في الآونة الأخيرة، أن بلاده قد تحتاج إلى إقامة قواعد بحرية في سورية واليمن، عادًّا الأمر أكثر أهمية من الطاقة النووية، إذ “يردع الأعداء”. وهو ما يبدو -بحسب المعلن- لمواجهة “العدو الاستكباري” في توصيف ينصرف إلى أميركا، ولكن هذا الطموح المتزايد قد لا يوافق روسيا الساعية -بجهود حثيثة- إلى ترسيخ مواطئ أقدام لها، في سورية، كأولوية جيواستراتيجية.
ولنستعرض بعض الردود الإيرانية، وأهمُّها تصريحات المرشد الأعلى، علي خامنئي الذي عدّ تمديد أيّ عقوبة لا يختلف عن فرض عقوبات جديدة، وأن ذلك يصبُّ في خرق الاتفاق النووي الذي استعجل (والتقدير له) المفاوضون في إبرامه.
ثم موقف الرئيس الإيراني، حسن روحاني -وهو من آخر ما صدر من مواقف متفاوتة- الذي قال: “إن قرار الكونغرس بتمديد العقوبات الأميركية على إيران، إذا تم تنفيذه، فإن ردَّة فعلنا ستكون حادَّة جدًا”.
وفور إقرار الكونغرس للعقوبات، ظهرت ردّات فعل تشي بالمنطلقات غير المنضبطة، والتي يغلب على أكثرها المبالغة في التصوّر عن الذات، أو المبالغة في تصويرها، داخليًا، وخارجيًا. ومع أن المحافظين والإصلاحيين اتفقوا على رفض “قانون داماتو” الذي يحظر التعامل مع المشروعات النفطية الإيرانية، إلا أن أشكال الردود تباينت، فبعضها لم يشأ الإفصاح، كما في تأكيد رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، أن بلاده جهزت سيناريوهات الرد في وقت سابق، قائلًا: إنه لا يمكن الإعلان عنها في الوقت الراهن.
وبعضُها جنح إلى التصعيد الكلامي، كما في: تأكيد (!) محسن رضائي، أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام- بحسب ما نقلته فارس نيوز- أن رد إيران سيكون صاعقًا على الولايات المتحدة في حال تنفيذها الحظر الجديد، وأن أيدي إيران ستكون مفتوحة في اتخاذ الإجراءات ضد الولايات المتحدة. وآثرت توجُّهات أخرى ردودًا عملية متواضعة، من قبيل ما صدر عن الناطق باسم الهيئة الرئاسية للبرلمان الإيراني، بهروز نعمتي، الذي قال: إن المجلس سيطرح الأحد المقبل، لائحة قانونية تمنع استيراد البضائع الأميركية، ردًا على قرار الكونغرس، علمًا أن حجم البضائع المستوردة من أميركا ضئيل جدًا.
ووفق ثنائية الغياب والحضور، تفعّل طهران المواقف الراديكالية أو الواقعية، وفق تقلُّص الخيارات، أو اتساعها، ووفق قوة الضغط الخارجي، أو ضعفه، ومدى القدرة على “الصمود” الاجتماعي والاقتصادي، في ظل العقوبات الدولية، والعزلة التي عانت منها طهران، وتتهدّدها من جديد، وانعكاسات التذبذب في أسعار النفط، ومتطلبات التوسع الإقليمي، وأثمان التورُّط في الصراع الدائر في العراق وسورية، واليمن.
ويفترض أن تواجه طهران في سعيها نحو ملء الفراغ -على فرَض التفاهم مع واشنطن- تركيا، والدول العربية، وشعوب المنطقة التي لا يتقبَّل معظمُها هذا التضخُّم الإيراني والتمدُّد، حتى روسيا، في مراحل متقدمة.
وتُعزى هذه التباينات في الخطاب إلى أبعد من توزيع الأدوار؛ فهي ترتدُّ إلى ثنائية متصارعة في البنية الفكرية العميقة في الدولة، تتصاعد إلى بنية الدولة، وهيكلية صنع القرار، ويتجلى ذلك في مراوحة السياسة الإيرانية في سيرها نحو المركزية، أو الهيمنة الإقليمية بين آلية «تصدير الثورة» و«المنافسة الصحية» تصدير الثورة الذي نادت به الثورة في بداياتها، والمنافسة الصحية التي ارتأتها “رؤية 2025″، وهي التي تستهدف تحويل إيران إلى قوة إقليمية أساسية في منطقة جنوب غرب آسيا، والتي تشمل 25 دولة، (آسيا الوسطى وتركيا، باكستان أفغانستان، وتضم الدول العربية: اليمن والعراق وعمان وسورية والسعودية والأردن والإمارات العربية وفلسطين وقطر ولبنان والبحرين ومصر).
ولكن السياسة الإيرانية الحالية، وانصياعًا منها للسانح من الفرص الإقليمية والدولية، تُقدِّم آليات القوة والعسكرية منها، وحتى الإرهابية -من خلال دعمها الصريح، مثلًا، لمليشيات طائفية في العراق وسورية- على ذلك الخيار السلمي الذي نصّت عليه الرؤية آنفة الذكر.
فمَن تتبَّع مسارات السياسة الإيرانية يرَ -بوضوح- مقدار التغيُّر في خطاباتها، وبعض التذبذب في درجة عدوانيَّتها، عدوانية من أكبر ضحاياها مقدَّرات شعوب المنطقة، وأرواح أبنائها، كلما أتيح لها، وبقدر ما يُتاح.
فهل ترتد إيران إلى حين، أو تُجبَر، إلى سياسات تصالحية؟ ولا سيما إذا جرى تبنِّي سياسة أميركية تدفع إلى ذلك، وذلك متوقف على تبلور توجُّه أميركي في هذا الاتجاه، كما في مقترح مستشار الأمن القومي السابق، ستيفن هادلي، (وهو من المرشَّحين للمشاركة في إدارة ترامب) خريطة طريق للمنطقة، تبدأ بتخفيف حدّة الحروب الأهلية، وهزيمة “داعش” والقاعدة؛ ليُمكِن تخفيف حدّة الانقسامات المذهبية، وتوفير فرصة لحوار إقليمي يشمل السعودية وإيران.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]