أنِر شمعة ولا تلعن الظلام
10 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016
باسل العودات
أُحبِط بعض المعارضين السوريين، واعتقدوا أن سقوط درّة الشمال السوري بيد النظام و”الميليشيات الرديفة”، هي نعي غير مباشر للثورة، وتتويج دولي لانتصار النظام، و”قصة موت مًعلن” لأحلام السوريين، وقضاء مُبرم على الحراك المُعارض.
أُحبِط بعض المعارضين السوريين، من مستوى الدمار الذي لحق بسورية، ودرجة الوحشية والقتل والانتهاكات، والاستباحة التي مارسها النظام بأعلى مستوياتها في بلدهم، كما أُحبطوا من أداء قوى المعارضة السورية، التي كانت، وطوال ست سنوات، مريضة عليلة، ولا مسؤولة أيضًا.
ليس “اختراعًا” القول إن الثورة السورية كانت أمرًا حتميًا، لابد حاصل، ففي مجتمعات استبدادية فاسدة طائفية شرسة، الثورة أمر محسوم، مهما طال الانتظار، تحتاج لشرارة صغيرة، حدثٍ بسيط، إبرة تثقب البطن المنفوخ، وتنبش عش الدبابير الذي خرّب كروم العنب كلها.
كانت الثورة السورية أمرًا حتميًا، سواء خطط لها السوريون أم لم يُخططوا، كان استحقاقًا تاريخيًا لابد مقبل، والشجاعة تكمن في ملاقاته، مواجهته وتحدّيه، والإصرار على النجاح به، لا في التهرب منه وتأجيله لجيل قادم، جيل قد يدفع أثمانًا أعلى بأضعاف مما يدفع السوريون الآن.
الثورة السورية بدأت رغمًا عن الجميع، لم يُدبِّر لها أحد، ولم يكن لها بطل وحيد، هي انتفاضة قامت ضد عفنٍ طائفيٍ مُدنّس، وفساد حتى النخاع، وطلبًا لكرامة مهدورة لثلاثة أجيال.
خلال خمسة عقود، فسد النظام وأفسد، وصار رمزًا للقمع والتعذيب، وتغوّلت أجهزته الأمنية ورجالاته في الدولة، وتحكمت بمؤسساتها وقضائها وإعلامها واقتصادها وجيشها وقواتها المسلحة، وتحكمت بالسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، واختارت لكل هذه المنظومات الأكثر فسادًا وتخلفًا، ودمّرت الحياة الثقافية، وخرّبت التعليم، وطيّفت العلاقات الاجتماعية، وجعلت الاقتصاد غابة للأكثر توحشًا، ومنحت المال وحجبته، وتدخلت في التُجّار والمهنيين، وحرفت رجال الدين، واستثمرتهم لصناعة حركات إسلامية متشددة، وجذبت الإرهاب ونظّمت العلاقة معه… وبمثل هذه الأحوال، ليس من الممكن إلا أن تقوم ثورة، عارمة وشاملة وجذرية.
الآن، وبعد الثورة، تحوّل النظام إلى رمز للتدمير، ففضلًا عن كل ما ذُكر سابقًا من مآسٍ، أضاف النظام مآسيَ أخرى، وبالجملة، ليس آخرها قتل نصف مليون من البشر، وإخفاء مثلهم، والتسبب بإعاقة خمسة أضعافهم، وتشريد نصف الشعب السوري… وبمثل هذه الأحوال أيضًا، ليس من الممكن إلا أن تستمر الثورة، وتكبر، ويزداد إصرار أصحابها، والشجاعة، كل الشجاعة، أن يجدوا وسائل أنجع وأكثر تأثيرًا لإنجاحها، فأن ينير أحد لها شمعة، خير له ألف مرة من أن يستسلم ويلعن الظلام.
[sociallocker] [/sociallocker]