البروبغندا تلاحق السوريات في لجوئهن


محمد العويد

تعاندني تلك المرأة الستينية، وقد أقعدتها الحرب وسنواتها الطوال. دومًا تقولها مشفقة عليّ: “الغربة كربة ومُرة”. اغرب ما في الوقائع التي تناولت المرأة السورية، أنها عمّمت وبالغت ووثقت لقضايا فردية، فشوهت ووزعت الشكوك حولها في كل الزوايا.

بدأت الحملة بجهاد النكاح، بشواهد رهينة الاعتقال وروايات ثمنها إطلاق المعتقلة، أو اختفاؤها لاحقًا، سرعان ما عبرت، البروبغندا ذاتها، الى دول اللجوء، عمّان فبيروت وتركيا.

مع بدء اللجوء غربًا، بات الحديث عن ظاهرة طلاق السوريات، يأخذ حضوره، على الرغم من غياب أي مركز بحثي، أو مصدر رسمي، يصف أو يحلّل أو يوثق، ما بات بحسب كتابات صحفية، أقرب إلى الظاهرة، أكثر من ذلك تُجرّم كثيرًا من “الخبطات الصحفية” إن تعلقت بسوريّة، حتى قبل قرار المحاكم المختصة والشرطة وتحقيقاتها.

“إذا وقع الجمل كثر ذابحوه” يعلق الصحافي، محمد الحمادي، عادًّا “بدايات اللجوء غربًا لم يتجاوز عمره الزمني، بأحسن الأحوال السنوات الثلاث، وهو ما يؤشر بداية إلى حالة الحضانة، التي يعيشها السوري أو السورية على حدّ سواء، وقد يكون صحيحًا وقوع كثير من الحالات، لكنها لا تشكل ظاهرة بين السوريين، إلا لمن أراد التعميم والصيد السهل، إضافة إلى قوانين بلدان اللجوء الأوروبية، والتي يمكن أن نشهد بها فترة انفكاك العلاقة الزوجية، وبرودها دون أن تندرج تحت بند الطلاق”.

وأضاف “ثمة قوانين تقبل فورًا بطلب ومبررات الانفكاك، فيصبح كل طرف في بيت مستقل، وهذا عُرفًا وشرعًا وقانونًا يختلف عن الطلاق كوقائع، وقد تطرأ تغيرات تعيد المياه إلى مجاريها”.

ويسأل الحمادي “لو كانت ظاهرة فعليًا، فماذا نفسر ازدياد طلب الزواج من السورية تحديدًا، خصوصًا في دول اللجوء، التي يتحدث عنها بعضهم. هذا يناقض فرضية الظاهرة، ويعيدها لمستواها الطبيعي، بوجود حالات فردية مترافقة، مع البروبغندا الباحثة عن صيدها المعتاد”.

طلاق السوريات وتكراره بوصفها عناوين و”مانشيتات” يُعيد فرضية البروبغندا، واستمرارها ورهانها الدائم على “قنص” القيمة السورية وتحويلها لـ “رذيلة”، بهدف موحّد عنوانه: لا حياة مستقرة ولا قيمة لسوري خارج حضن النظام، على الرغم من أن ثمة معطيات في الحضن ذاته، لا تعطى الأهمية نفسها من النشر والحضور.

بحسب تقارير صحافية وإحصاءات في عدليتي دمشق وريفها، فإن عدد حالات الطلاق، بلغت أكثر من 8 آلاف حالة، سواء كان طلاقًا إداريًا أم تفريقًا، ويلاحظ القاضي الشرعي الأول بدمشق، محمود المعراوي، ازديادًا ملحوظًا بأعداد دعاوى الطلاق على اختلافها، ففي سنوات سابقة للأزمة، كما يسميها، كانت “المحكمة توثق 3 آلاف حالة طلاق في العام الواحد، لكنها تزايدت خلال الأزمة لتصل إلى 7300 حالة في العام 2015”. فهل تذهب البروبغندا وتخفف عن السوريات اللاجئات.

ترى الناشطة السورية، سعاد عيسى، أن “ما يمكن أن نقبل به كظاهرة، فرضيًا، مجتزأ من سياقه، فالأصل أن يكون الحديث راصدًا، لمتغيرات الأسرة السورية ككيان، من جرّاء التهجير القسري، فالنفوس التي ذاقت مرارة الموت والتهجير والترحيل، ومنعطفات الوضع الجديد، من الطبيعي أن تكثر أخطاؤها، نظرًا لقسوة ما عانته خلال سنواتها الماضية، مسجلة استغرابها لغياب أي حديث عن مستقبل أطفال سورية وتحولاتهم في بلاد اللجوء، حيث لا البيت ولا الجيران ولا الأرض أرضهم، والنشأة مختلفة والعادات والسلوكيات قد تصاب بعدوى لا بد منها”.

“السوريات في بلاد اللجوء يبكين بيوتهن وأهلهن، وما عرفن طريق اللجوء، لولا وحشية، مورست عليهن، هي أهم المتغيرات التي يمكن رصدها”، تختتم سعاد.

“الغربة مرة” تعيدها كل أسبوع، وهي لا تعرف أن اللجوء أكثر مرارة، ولا سيما إن رافقته بروبغندا تقتلنا كل صباح.




المصدر