عواطف الأمم المتحدة بين حق (الفيتو) وحق الشعب
11 ديسمبر، 2016
فؤاد عزام
قضية العرب الثانية (سورية) هي الآن في عهدة الأمم المتحدة ومجلس أمنها، المنوط به حماية السلم والأمن الدوليين، وقد تبدو دماء السوريين تستدر دموع الجمعية العامة، بيد أنها أرادت من اجتماعها الأخير أن تشكل مظلة، تقيها لعنة تلك الدماء المتناثرة في عواصم دول العالم، من خلال مشاهد صور مجازر العصر الحديث، وتبرئة خجولة لما تبقى من “ذمة وضمير” في عالم توحشت مفرداته عناوين جشع بقائه.
ما الذي تعنيه مناشدة الجمعية العامة للأمم المتحدة المجرمين بالتوقف عن ممارسة القتل؟ وأحد ممثليهم، بشار الجعفري، مازال يُهرّج في أروقة الأمم المتحدة، ويصول فيها ويجول، ويقول حتى لمندوبة الولايات المتحدة، سامنثا باور، بأن سعرها “في سوق نخاسة داعش” تساوي نحو أربعين دولارًا، وأن يقوم راعيه، الشبيح الدولي الآخر لافروف، بشتم مصورين صحافيين ووصفهم بـ “بُلداء”، وما الذي يعنيه بالنسبة لهؤلاء القتلة -أيضًا- نفاد الطعام في حلب، وأن العائلات تأكل الأعشاب وتبحث في القمامة”، وأن حلب قد تتحول إلى مقبرة كبيرة”؟
قد يكون توفير نفقات الوفود الـ “193” التي تحملت عناء السفر والمشاركة في الاجتماع الطارئ للجمعية العامة للأمم المتحدة، وارسالها إلى حلب حلًا أفضل من تبنيها قرارًا غير ملزم بوقف “الأعمال العدائية”، ولا سيما ن القضية السورية تحوّلت في نظر المجتمع الدولي من قضية سياسية إلى إنسانية، تستوجب منهم استدرار “العطف”، ولكانوا وفّروا أيضًا على مندوب النظام عناء مراجعة ميثاق الأمم المتحدة واكتشاف ما أسماه بالأخطاء الإجرائية في مشروع القرار الكندي الذي جرى التصويت عليه.
سكان حلب لهم الحق في الحياة في نظر المندوب الكندي، وهو يستحق الشكر على هذه اللفتة، لكن نزف المدينة لم يوقفه مجلس الأمن الدولي المعني بصيانة السلم والأمن الدوليين؛ بسبب الفيتو الروسي، بل كان مستندًا بحكم الأمر الواقع وأمرًا مسلمًا به، جعل المبعوث الدولي “ستفيان ديمستورا” يقول إنه لا ضمانات بأن يكرر الروس والنظام والإيرانيون سيناريو حلب في مدينة إدلب مستقبلًا.
مشاهد الجرائم باتت أمرًا مألوفًا، وقد جرى التعايش معها عالميًا وكأنها فيلم سينمائي، يجري -حسْب- انتقاده فنيًا من حيث الإخراج وتحليل أداء ممثليه في الأمم المتحدة ومؤسساتها، وعلى رأسها مجلس الأمن، التي باتت عارًا وعالة على الإنسانية، كما بات وجود ممثل النظام أحد أبطال “الإعلام الروسي” يتباهى بأنه يقرأ إضافة إلى “شكسبير” و”ثيربانتس”، كما كان كل الطغاة من أمثال ديكتاتور تشيلي “بينوشية” الذي يتفاخر بعد ارتكاب جرائمه بأنه يسمع مقطوعات لـ بتهوفن، أو “هتلر” بتباهيه بسماع موسيقا “فاغنر”.
جميع الأطراف
مطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها “جميع الأطراف” في “النزاع السوري” الامتثال فورًا لالتزاماتها بموجب القانون الدولي المعمول به، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وأن يوقفوا الأعمال العدائية.
لا تبدو أنها تشير إلى روسيا؛ فهي لم تطرح نفسها طرفًا على الرغم من أن زعيمها القادم من بطولات مجازر “غروزني” يؤكد أن ترسانته الحربية لم تتسلل إلى سورية، كما “الإرهابيين”، بل تدفقت بطلب من الشرعية القانونية لـ “بشار الأسد” الذي بدوره يقول أنه يحارب الإرهاب في إطار سيادته على البلاد، ويبقى -إذن- الطرف الآخر هو المطالب بوقف أعمال القتل، أي: “السكان” عليهم أن يوقفوا القتل وأن يحترموا حقوق المحتل “الروسي والأفغاني والعراقي”، وأيضًا حقوق المقاتل القادم من إيران الذي لم ينل القرار إعجاب مندوبها في الأمم المتحدة، غلام حسين دهقاني.
السوريون المُطالبون “أمميًا” بوقف القتل يدركون أن قضيتهم سياسية بامتياز، وليست مجرد طعام وشراب، ولا يعوّلون في وقف المجزرة، بالتالي؛ على مجلس الأمن الذي يحكمه (فيتو) بوتين، فحتى القرارات التي صدرت عنه سابقًا، ومرّت دون الفيتو، ودعت إلى وقف القصف، لم يجر احترامها ولم تنفذ، ويدركون أيضًا أن هذا المجلس بأعضائه الدائمين الخمسة، والآخرين غير الدائمين، تحوّل إلى غطاء دولي “يُشرعن” القتل نهجًا، ويخرج عن إطار مهماته في حفظ السلام والأمن الدوليين.
ما يطلبه بعض الضمير الإنساني هو وقف القتل والمجازر التي ترتكبها الترسانة العسكرية لثاني أكبر قوة في العالم، بحق سكان طالبوا بالحرية والانعتاق من ظلم نظام الاستبداد. تلك المجازر التي أصبحت عارًا على أعلى مؤسسات دولية، ومنها الأمم المتحدة وربما يدمر الروس حلب بأحيائها الشرقية بالكامل كما حذّر ديمستورا سابقًا في ظل قرار لا يحظى بالصفة الإلزامية، خاصة وأن الروس كانوا قد استبقوا أيضًا هذا القرار من خلال مندوبهم في المنظمة الدولية، فيتالي تشوركين، بأن شكك بجدواه وفاعلية التصويت عليه.
ليست جميع هذه المواقف الدولية بجديدة، لكنها باتت الآن أكثر وضوحًا وفجاجة، فقتل المدنيين العزل على أيدي المرتزقة المحتلين، من روس وإيرانيين وميليشياتهم، هو حالة انتقام، تجري وفق صمت دولي واقليمي، من الشعب الذي لم يستكن طوال السنوات الماضية، ولم يتراجع، وإن بدا في بعض الأوقات قد توقف يلملم جراحه، فالتجربة نحتت الثورة بواقع افترض التحدي أمام إرادة الحياة، فالثورة لم تندلع بقرار دولي بل كانت ولازالت حاجة وضرورة استراتيجية نابعة من الآلام التي سببها إجرام النظام على مدى عقود، وهي لن تتوقف، وإن تأثرت بعض الشيء بالمواقف الدولية التي هي عار على مؤسساتها، ومنها مجلس الأمن، فحق الشعوب أقوى مما يسمى بـ “حق” (الفيتو). وقضية السوريين قضية “سياسية”، وهي قضية شعب يريد التحرر من الاحتلال “الأسدي والروسي والإيراني”، وهي عادلة كما القضية الفلسطينية.