قرار أممي مشلول لأزمة باتت عارًا
11 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016
حافظ قرقوط
صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار يدعو إلى “وقف جميع الأعمال القتالية، والهجمات العشوائية على المدنيين”، والسماح “فورًا بإدخال المساعدات للمدنيين”، ومطالبة “قوات النظام السوري والقوى الداعمة له باحترام ذلك”.
مشروع القرار الذي تقدمت به كندا -في وقت سابق- بدعم نحو 70 دولة، نال موافقة 122 دولة من أصل 193 دولة في الجمعية العامة، وامتنعت 36 دولة عن التصويت، فيما رفضت القرار 13 دولة على رأسها روسيا، التي كانت السبب في إحالة الملف السوري، من مجلس الأمن إلى الجمعية العمومية، بعد تكرار استخدامها حق النقض (الفيتو)، ضد مشاريع قرارات مختلفة، تدعو بمجملها إلى وضع حد لممارسات النظام العسكرية، والعمل على انتقال سياسي في سورية، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة.
يطالب القرار الذي تبنته الجمعية العامة، أول أمس (الجمعة)، “بانتقال سياسي شامل بقيادة سورية، وفقًا لبيان جنيف الصادر في 30 حزيران/ يونيو عام 2012، وقرار مجلس الأمن رقم 2254، الصادر في 18 كانون الثاني/ ديسمبر عام 2015″، والتي تتمحور حول إجراء مفاوضات سورية من المفترض أنها كانت ستبدأ مطلع العام 2016، بالتوازي مع وقف شامل لإطلاق النار؛ لأجل الاتفاق على تشكيل حكومة انتقالية، ثم العمل على تنظيم انتخابات بإشراف الأمم المتحدة.
من جانب آخر، بيّن القرار قلق المجتمع الدولي، من استمرار تدهور الوضع الإنساني في سورية، وبالذات في محافظة حلب، وأكد أن النظام السوري هو من يتحمل المسؤولية الأساسية عن حماية مواطنيه، وعلى هذا فقد أدان تجاهل النظام للوضع الإنساني وللنداءات المتكررة التي جرى توجيهها له، كي يلتزم المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وأدان انتهاكه المستمر للقانون الدولي، ودعا لفك الحصار عن جميع المناطق وخاصة مدينة حلب.
وكانت الأمم المتحدة حذّرت من تحوّل مدينة حلب إلى “مقبرة واحدة ضخمة إذا لم يُفعل شيء”، وهو ما أورده مندوب كندا الدائم في الأمم المتحدة، مارك أندريه بلانشار، وأكد ما قالته الأمم المتحدة من أن “الأسر تأكل الحشائش والقمامة، ولا توجد مستشفيات للمرضى، ولا أي رعاية صحية”، وأضاف المندوب الكندي “أدعوكم كي تضعوا أنفسكم مكان الشعب السوري”، وتابع أيضًا القول: “هذه أزمة أصبحت عارًا في عصرنا، والأمر في يدنا لوقفها، ولكي نفعل ذلك علينا أن نُظهر الاهتمام الصادق بحياة البشر، وألا نحترم الحقوق فحسب، وإنما الكرامة الإنسانية.”
من جانبه قال المندوب الدائم لروسيا، فيتالي تشوركين: إن المشروع المطروح أمام الأعضاء، “يحتوي عيوبًا كثيرة”، ولهذا روسيا ستصوت ضده، زاعمًا أن بلاده تعمل مع واشنطن “لأجل حل في سورية يُرضي الجميع”.
وقال سفير الاتحاد الأوروبي في الأمم المتحدة، الذي وافق ودعم القرار، إن “ما يرتكبه النظام في حلب، يرقى إلى جرائم حرب”، وطالب “بالوقف الفوري للهجمات على المدنيين”، وطالب بضرورة السماح “بدخول المساعدات للمدنيين المحاصرين”، وطالب بإحالة ملف مرتكبي الجرائم في سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية، وباتخاذ عقوبات “ضد داعمي النظام”.
عربيًا، قال المندوب السعودي، عبد الله المعلمي: إن بلاده ترى أن “المحصلة النهائية للقرار الأممي لا ترتقي إلى معاناة الشعب السوري، ونحتاج لجلسة استثنائية طارئة للجمعية العامة لحماية الأمن والسلم”، وأكد أنه “ينبغي التصدي للجرائم التي تحدث في سورية”.
إلى ذلك، قالت سامانثا باور، مندوبة الولايات المتحدة الأميركية: إن القرار “ليس مثاليًا لكنه أفضل المتاح، نظرًا لحجم الأزمة في سورية وضيق الوقت”، وأضافت أن “كثيرًا من الرجال الذين خرجوا من الأحياء المحاصرة اختفوا، وربما قُتلوا”، ودعت روسيا والنظام إلى “احترام القوانين الدولية”.
يُشار إلى أن أكثر من مئتين وعشرين منظمة دولية غير حكومية، تعمل في الشأن الإنساني والدفاع عن حقوق الإنسان، كانت قد انتقدت مجلس الأمن؛ لعجزه عن القيام بدوره لحماية السوريين، وطالبت في1 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، الجمعية العامة للأمم المتحدة بعقد جلسة خاصة؛ لاتخاذ إجراءات حول الجانب الإنساني بسورية.
القرارات المُتخذة من الجمعية العامة، غير مُلزمة، مفعولها سياسي ومعنوي، وهي تتبع النيات الصادقة في تحقيقها، وقد ابتدأت مسيرة قرارات الجمعية العامة مع الأزمة الكورية عام 1950، بعنوان “الاتحاد من أجل السلام”، حيث تتدخل الجمعية العامة استثنائيًا لحفظ السلام والأمن الدوليين، في حال تعطيل عمل مجلس الأمن، بسبب مواقف أحد أعضائه الدائمين، وقد استُخدم هذا الإجراء، خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وأيضًا عام 1958، بعد تدخل الاتحاد السوفياتي في هنغاريا، لكنها بقيت مجرد قرارات لتبرئة الذمة.
صادف إصدار القرار الحالي عن الجمعية العامة ليلة 10 كانون الأول/ ديسمبر، وهو اليوم العالمي لحقوق الإنسان، الذي تبنته الأمم المتحدة عام 1950، وقد بيّنت الأحداث الجارية في سورية، والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان من النظام ومؤيديه، أن المجتمع الدولي “عاجز” عن تمرير علبة دواء أو حليب لطفل، وترك القرار لمجرمي حرب، استطاعت ثورة الاتصالات أن توثق ما يفعلونه بالمدنيين العُزّل وبيوتهم وممتلكاتهم على الهواء مباشرة، وهو ما يجب أن يدفع الجمعية العامة إلى الاجتماع والإصغاء إلى ما يقوله القانونيون، لتعديل أساليب وطرق حماية المدنيين.
[sociallocker] [/sociallocker]