معنى جديد للمتحول عند أدونيس

11 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016

6 minutes

ضاهر عيطة

مجددًا، يعود أدونيس للحديث عن الثورة، في مقال نشرته صحيفة الحياة بتاريخ 17 تشرين الثاني   2016، مجردًا الثورات التي تحدث اليوم من بعدها الثوري، إذ يقول: “ماضيًا كان” العبيد المضطهدون، الجائعون، المنبوذون هم الذين يقومون بالثورات، وكانوا مستقلين تمامًا. اليوم يقوم بها، في الأغلب، المرتزقة، والقتلة. وهم تابعون كليًا.”

وبالتأكيد فإن كلام أدونيس العمومي عن الثورات لم يأت من فراغ، إنما هو موجه للثورة السورية تحديدًا، لكنه أصر على الاختباء في التعميم، وفي الماضي، لئلا يعريه الحاضر السوري، ولكي لا يرى أي مضطهد أو جائع أو منبوذ من بين كل الثائرين على عصابة الأسد، وأن رآهم فجلهم -من وجهة نظره- مرتزقة وقتلة وتابعون. وفي فقرة ثانية يتابع قائلًا: “الثورات في عالم اليوم، سيرٌ هائمٌ ضد التاريخ. إنها صرخة آمرة: توقف أيها الزمن. إنها عالم يقبع وراء العالم.”

هكذا تبدو الثورة الحاصلة الآن في سورية في عين أدونيس، حالة تقبع خلف العالم، ضاربًا بعرض الحائط بكل التضحيات التي قدمها ويقدمها الشعب السوري في ثورته الفريدة، والتي تحمل في مدلولاتها ورموزها كل معاني التحول، محطمة الثابت المتمثل بالنظام “البعثي” الذي حكم البلاد والعباد لعقود طويلة بالحديد والنار، وأعاق الفكر والتحرر والتطلع للمستقبل، فانحياز أدونيس لعصابات ومرتزقة الأسد، هو -تحديدًا- ما جعله يصف ثورات اليوم بهذا الوصف، ساكتًا عن الجرائم التي يتعرض لها الشعب السوري، مترفعًا عن ذكر أي من ضحاياه الذين صاروا بالملايين بين قتيل ومعاق وجريح وشريد ومعتقل، وهو المفرّط في أحاسيسه وعواطفه تجاه أي ضحية تسقط شريطة ألا تكون على يد الأسد، وإن اضطر للحديث عنها، لا يجد إلا أن يدينها ويصبغ عليها كل مواصفات التخلف والعنف، فعلى سبيل المثال، لم يغدو الطفل إيلان الكردي بطلًا في واحدة من قصائده، إلا لكون روح إيلان فارقته في عرض البحر، أما حمزة الخطيب، وآلاف غيره ممن فارقتهم أرواحهم تحت وطأة التعذيب في معتقلات الأسد ونيران براميله وصواريخه، لم يلتفت إليهم ادونيس أبدًا، ولم يعترف بهم ولا بثورتهم التي يرى فيها تكرارًا للثابت، وهو الذي لم يكف طوال فصول كتابه “الثابت والمتحول” من الحديث عن المتحول الذي حاولت أن تنجزه ثورة القرامطة والمعتزلة، وغيرهما من ثورات الطوائف، بينما أنكر على الشعب السوري ثورته، متهمًا الثوار بأنهم ليسوا إلا إرهابيين، ولا يمثلون سوى الثابت، وعلى هذا النحو استمر في مواصلة أفكاره الحداثوية بغرض تجريم الثورة، ونزع الصفة الثورية عنها، ممتنعًا في الآن نفسه، عن تجريم عصابات الأسد، وإذا ما اضطر للحديث عنها، يأبى أن يسميها، بل يسارع للتمويه عنها من خلال دمجها بالدكتاتوريات العربية، لئلا يفرد لها حصة من انتقاداته واتهاماته. والملاحظ أن أدونيس يوقع نفسه في تناقض صارخ في معظم تحليلاته وأحاديثه عن الثورة السورية، إذا ما تمت مقارنتها بما ورد في كتابه “الثابت والمتحول” حيث أقر فيه بأن السلطة السياسية القمعية عبر التاريخ العربي هي من ساهمت بقتل الفكر والحرية والعدالة، وهي من أطاحت بفكرة التحول، لكننا نراه مع الثورة السورية التي تخوض صراعها مع سلطة أشد قمعًا من كل الدكتاتوريات العربية، يبتعد عن مثل هذه المقاربة، بل يتخلى عنها تمامًا، مطالبًا الثوار؛ كي يصبحوا ثوارًا، أن يأتوا من كوكب آخر، ليس لعصابات الأسد محل فيه.

ولا يخفى على أي مدقق لنتاجات أدونيس التي واكبت أحداث الثورة -سواء تلك التي وردت في تصريحاته المتلفزة، أو عبر مقالاته في صحيفة الحياة- سعيه الدؤوب، وبحنكته اللفظية، إلى التهرب من الحديث عن الجرائم والانتهاكات الصارخة التي يرتكبها تنظيم الأسد، بحق الثوار؛ صابًا جم غضبه وأحقاده عليهم، ممارسًا طائفيته على نحو حداثي -إن صح التعبير- لئلا يتهم بالطائفية، طالما أنه يستخدم قيمًا وأفكارًا حداثوية، لكنه على ما يبدو -ومن خلال اتكائه على مثل هذه الأفكار  والتنظيرات- إنما يمارس الطائفية في أخطر وأعمق أشكالها، فعلى سبيل المثال، عندما أراد في كتابه الثابت والمتحول أن يحدد منهجه الفكري، جعل من “القرشيين” الممثلين الفعليين للفكر الثابت، بينما كل من خالف فكر القرشيين -من وجهة نظره- هم أصحاب الفكر المتحول، والأسد ضمن نظريته هذه، وضمن تحديده لأوجه الصراع الطائفي والمذهبي، يعدّ كيانًا وفكرًا متحولًا، يمكن المراهنة عليه. وخير مثال على ذلك مضمون الرسالة التي أرسلها لبشار الأسد في 14 / 6 / 2011 والتي أقر فيها بثقته وأمله بالمرسل إليه، والذي هو عنده، أكثر ملائمة للحداثة وللمستقبل وللتحول من الثوار الذين هم -بالنسبة إليه- ليسوا إلا ممثلين عن الماضي الثابت، ولا يأمل أي خير في ثورتهم، لكنه يأمل كل الخير في براميل وكيماوي الأسد وطائرات وصواريخ بوتين والحشود الشيعية الإيرانية؛ عساها تبتكر له فلسفة جديدة في معنى التحول، نافيًا ذكر حقيقة أن المرتزقة والقتلة والتابعين هم تحديدًا من يعادون الثورة السورية.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]