محللون: الأسد مازال بعيداً جداً عن استعادة دولته


الطريقة الدموية التي واجه بها رأس النظام في سوريا بشار الأسد الثورة الشعبية التي خرجت ضده منذ مارس/آذار 2011، جعلته مرهوناً بحلفاء أجانب مذعناً لفقدان مساحات من بلاده في الوقت الراهن ومازال أمامه جيوب مقاومة صعبة يتعين عليه سحقها بعد أن قام بتدمير شرقي حلب.

وبحسب مسؤول رفيع مؤيد للنظام في المنطقة فـ"من المؤكد أن هذه ليست نهاية الحرب (...) لكنك عندما تأخذ حلب تسيطر على 90 في المئة من المناطق الخصبة في سوريا (..) المناطق التي تضم المدن والأسواق والمناطق الآهلة بالسكان."

غير أن تلك السيطرة التي حدثت في ساحة المعركة لم يحقق جيشه المنهك جانباً كبيراً منها بل حدثت بسبب مساندة الطائرات الحربية الروسية وعدد من فصائل شيعية أجنبية تدعمها إيران.

وطالما أن الأسد يعتمد على موسكو وطهران في استرداد المزيد من الأراضي والاحتفاظ بها وتأمينها فإن هذا يعني أنه سيتعين عليه الموازنة بين طموحاته وطموحاتهما.

وفي الوقت نفسه ومع فقدان المعارضة لمواقع وتزايد هيمنة المتشددين في صفوفها فإن الحرب التقليدية قد تنحسر لتبدأ فترة من عمليات حرب العصابات والتفجيرات الانتحارية داخل مناطق تسيطر عليها قوات النظام.

ومما يزيد من تفاقم الأمر أن الحرب أخذت أبعاداً طائفية سيتردد صداها لأجيال فقد ارتبطت الانتفاضة بالأغلبية السنية في حين أن الدولة التي تقودها الأقلية العلوية تستمد الدعم من قوى إسلامية شيعية.

وأسوأ ما في الأمر أن الحرب الدائرة منذ ما يقرب من ست سنوات أدت إلى مقتل مئات الآلاف من السوريين وأخرجت نحو 11 مليوناً من ديارهم نصفهم تقريباً فروا إلى خارج البلاد ودمرت جانباً كبيراً من البنية الأساسية اللازمة لإحياء الاقتصاد المحطم.

وسيواجه الأسد في مساعي إعادة البناء العقوبات الغربية المفروضة على جانب كبير من حكومته والعزلة المفروضة على بلاده من جانب بعض الشركاء التجاريين السابقين الرئيسيين مثل الاتحاد الأوروبي وتركيا ودول الخليج العربية والأردن. كما أن دول الخليج قد تواصل تمويل المعارضة.

وحول مستقبل دولة تحت حكم الأسد قال "نيكولاوس فان دام" الدبلوماسي الهولندي السابق الذي ألف كتاباً عن تاريخ سوريا والحياة السياسية فيها "أصيبت سوريا بجروح كبيرة وأتوقع أن يأتي يوم الحساب."

ويرى أنصار الأسد أنه بدونه سينهار ما تبقى من القوات المسلحة والأجهزة الأمنية السورية لتتحول البلاد إلى دولة فاشلة تمثل خطراً على العالم لعشرات السنين.

وقال "رولف هولمبو" الباحث بالمعهد الكندي للشؤون الخارجية والسفير الدنماركي السابق لدى سوريا إن إقناع ما يكفي من الحلفاء بمن فيهم موسكو وطهران بالنظر إليه من هذا المنظور "أروع انجازات" الأسد السياسية.

أما بالنسبة لخصومه فيمثل الأسد الرجل الذي حرق سوريا حتى لا يسمح للسلطة بالتسرب من قبضته ودكتاتوراً تخضبت سجونه بدماء خصومه ودمرت مدنه بقنابل جيشه.

ويرى المنتقدون في سرعة لجوء الأسد لاستخدام القوة ضد المحتجين عام 2011 ونشر المدفعية والسلاح الجوي ضد مدن سورية اقتداءه بوالده حافظ الأسد الذي حكم البلاد في الفترة من 1970 إلى عام 2000.

فقد كان سحق الأسد الأب لحركة تمرد إسلامية بدأت عام 1976 وبلغت ذروتها في مذبحة راح ضحيتها الآلاف في مدينة حماة عام 1982 هو النموذج الذي اتبعه الابن رداً على احتجاجات الربيع العربي عام 2011 والحرب التي أعقبتها.

وذكر أيمن عبد النور الصديق السابق للأسد والمؤيد للإصلاح والذي غادر سوريا عام 2007 "ليس أمامهم حلول أخرى وهذا كل ما في الأمر. وقد طبقوا دليل الإرشادات نفسه. أخرجوه من الدرج وطبقوا ما فيه."

وبالنسبة لعبد النور يختلف الأسد الذي دخل الحرب اختلافاً كبيراً عن الطالب الذي كان يعرفه في جامعة دمشق في أوائل الثمانينات قبل سنوات من مقتل شقيقه الأكبر وتحمله مسؤولية خلافة والده في الرئاسة.

وقال: "كان مثل أي شخص آخر. في غاية التواضع واللطف (...) لأنه لم يكن من المفترض أن يصبح رئيساً".

وأثارت سنوات الأسد الأولى في الرئاسة بعد أن خلف والده عام 2000 الآمال في إصلاحات سياسية واقتصادية لكن الإصلاحات تعثرت وتردد في ذلك الوقت أن السبب هو الحرس القديم من القيادات الأمنية.

الرقة

ركز الأسد وحلفاؤه حملتهم على غرب البلاد الخصيب حيث الكثافة السكانية العالية ولم يرد أن يبدد الموارد العسكرية المحدودة على المسارعة لاسترداد المناطق الصحراوية الشرقية أو منطقة وادي الفرات من تنظيم "الدولة الإسلامية".

وقال المسؤول الكبير المؤيد للنظام إن الأسد استبعد محافظة الرقة في الوقت الحالي والتي أصبحت معقلاً رئيسياً لـ"تنظيم الدولة" واعتبر التنظيم المتشدد مشكلة على واشنطن حلها.

وأضاف المسؤول: "نسي النظام الرقة منذ فترة طويلة وجعلها مسؤولية الأمريكيين. فليذهب أولئك الذين يزعجهم داعش لاستئصاله".

ومع ذلك أشار الأسد بنفسه في مقابلة تلفزيونية أجراها في ديسمبر/ كانون الأول إلى أنه يعتزم في نهاية الأمر استعادة سيطرته على مختلف أنحاء البلاد. وحين سئل عن نظام "اتحادي" طبقه الأكراد في بعض مناطق شمال سوريا قال مستخفاً بمجالسهم المحلية إنها "هياكل مؤقتة".

ولتحقيق المزيد من المكاسب العسكرية بعد حلب سيواصل الأسد اعتماده على قوة موسكو الجوية وعلى القوة البرية التي أتاحتها له ايران والفصائل الشيعية التي ترعاها وعلى رأسها جماعة حزب الله اللبنانية.

وقال عبد العزيز صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث والذي طلبت منه الرياض التوسط في محادثات بين جماعات المعارضة السورية في العام الماضي إنه يعتقد أن ذلك جعل الأسد أضعف من أن يحكم بفاعلية في الأجل الطويل.

وأوضح في مكالمة هاتفية "رأيي منذ اليوم الأول أن بشار الأسد يخوض معركة خاسرة. حتى إذا كسب موقعاً فمن يحكم سوريا حقاً الآن؟ إنهم الروس والإيرانيون. وليس له دور يذكر ليلعبه هناك."

وذكر الأسد نفسه في المقابلة التلفزيونية إنه يتشاور مع روسيا يومياً وإنه "لا قرار يصدر دون مشاورات بين البلدين."

وفي موسكو قال "فلاديمير جباروف" الجنرال المتقاعد بالقوات الخاصة الروسية ونائب رئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الاتحاد في روسيا إن بلاده ليس لها أي دوافع مستترة في سوريا. وأضاف "قيادتنا تقول دائماً إننا لا نؤيد الأسد بل سيادة القانون في ذلك البلد."

لكن موسكو وطهران تعتمدان على وجود الأسد لتبرير إنفاقهما الهائل على الحرب، وقال "فان دام": "ايران وروسيا وحزب الله كلهم يحتاجون إليه. وروسيا وايران قدراتهما محدودة في إمكانيات التأثير عليه."

ومن الممكن أن يكون من عواقب سقوط حلب أن جماعات المعارضة الوطنية التي تشعر الدول الغربية أن بإمكانها دعمها ستضعف في حين ستتزايد هيمنة الجماعات الجهادية.

وبرأي "هولمبو" السفير السابق "الأسد اقترب خطوة من هدف ضمان أن يبدو المشهد في جانب المعارضة أكثر إرهاباً في لغته وهو ما سيكون من وجهة نظره الاستراتيجية وسيلة للتواصل مع الغرب لمحاربة الإرهابيين معاً".

وتعامل الأسد في السلطة تعاملاً طائفياً حيث تنتمي عائلته إلى الطائفة العلوية. وشغل أفراد هذه الطائفة المناصب الكبرى في أجهزة الدولة والجيش وقوى الأمن الداخلية.

وقال "فان دام": "من ناحية معينة مازال النظام علمانياً لكن تكوينه ليس علمانياً". وأضاف أنه سيكون من الصعب تحقيق أي آمال في مصالحة مستقبلية بين أصحاب المذاهب في سوريا "لسنوات كثيرة كثيرة كثيرة."

وكان بعض خصومه يأملون أن يحدث انقلاب داخلي قد يسمح بظهور شخصية أكثر مهادنة لكن مع تحقيق المزيد من الانتصارات سيكون من الصعب ظهور شخصيات أخرى من داخل الدولة تطيح به.

وقال عبد النور: "دائماً ما ينشر الشائعات ضد كل واحد منهم. وكل واحد يكره الآخر. وكل ضابط بالمخابرات يأخذ نائبه موقفاً معادياً له تماماً. وهذا هو الأمر. لا يمكن لأحد أن يتحرك. ولا يمكن لأحد أن يفعل شيئاً".




المصدر