السلطة القضائية في سورية: بين دستوريّ 1950 و2012


حبيب عيسى

(1)

لقد أُلغيت في دستور 2012 المادة (8) الإشكالية التي كان منصوصًا عليها في دستور 1973، لكن هذا الإلغاء لم يترتب عليه أي تغيير حقيقي، وترافق ذلك مع إلغاء محكمة أمن الدولة لكن هذا الإلغاء ترافق مع إحداث محكمة قضايا الإرهاب، وترافق ذلك مع تعليق العمل بقانون الطوارئ، لكن ترافق ذلك مع تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية بما يتعلق بمد مدة التوقيف الابتدائي إلى 60 يومًا و…

لكن لا بد من دراسة الأثر الذي تركه دستور 2012 في السلطة القضائية، من الناحية النظرية، على الأقل في النصوص، ثم كيف جرت ترجمته واقعيًا. هذا ما سنحاول الإجابة عنه ، بعد أن عرجنّا في بحثنا على المواثيق الدولية، والمبادئ الدستورية عامة، وعلى وجه التخصيص؛ لتحديد الثغرات وتلافيها ووضعها أمام الهيئة التأسيسية التمثيلية، وهي ترسم ملامح المرحلة الدستورية المستقبلية، بوصفها تأسيسًا لسلطة قضائية عادلة مستقلة في سورية، فعندما نكون أمام خلل دستوري يتعلق باستقلال السلطة القضائية، وفصل السلطات، لا يمكن الحديث عن قضاء عادل سليم، لهذا؛ فإن حجر الأساس للتأسيس لقضاء عادل تتمثل في وضع دستور يعتمد قواعد دستورية تعتمد المواثيق الحقوقية الوطنية والإنسانية، والفصل بين السلطات، واستقلال القضاء.

(2)

ومن المهم في هذا المجال إجراء مقارنة بين ما جاء في دستور 1950، عن السلطة القضائية، وما جاء عنها في دستور 2012.

لقد جاء في دستور 2012 عن السلطة القضائية ما يلي:

(1)  قضاء الحكم والنيابة العامة:

المادة (132): السلطة القضائية مستقلة، ويضمن رئيس الجمهورية هذا الاستقلال، ويعاونه في ذلك مجلس القضاء الأعلى.

المادة (133): 1 – يَرأس مجلس القضاء الأعلى رئيس الجمهورية، ويُبين القانون طريقة تشكيله واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه. 2- يكفل مجلس القضاء الأعلى توفير الضمانات اللازمة لحماية استقلال القضاء.

المادة (134) : 1 – القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون. 2 – شرف القضاة وضميرهم وتجردهم ضمان لحقوق الناس وحرياتهم.

المادة (135): يُنظم القانون الجهاز القضائي بجميع فئاته وأنواعه ودرجاته، ويبين قواعد الإختصاص لدى مختلف المحاكم.

المادة (136): يُبين القانون شروط تعيين القضاة وترفيعهم ونقلهم وتأديبهم وعزلهم.

المادة (137): النيابة العامة مؤسسة قضائية واحدة يَرأسها وزير العدل، وينظم القانون وظيفتها واختصاصاتها.

المادة (138) :1 – تصدر الأحكام القضائية باسم الشعب العربي في سورية. 2 – الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية أو تعطيل تنفيذها جريمة يُعاقب مرتكبها وفق أحكام القانون.

(3)

(2)  القضاء الإداري

المادة (139): يتولى مجلس الدولة القضاء الإداري وهو هيئة قضائية واستشارية مستقلة، ويبين القانون اختصاصاته وشروط تعيين قضاته وترفيعهم ونقلهم وتأديبهم وعزلهم.

المادة (140): المحكمة الدستورية العليا هيئة قضائية مستقلة مقرها مدينة دمشق.

المادة (141): تؤلف المحكمة الدستورية العليا من سبعة أعضاء على الأقل يكون أحدهم رئيساً يسميهم رئيس الجمهورية بمرسوم.

المادة (142): لا يجوز الجمع بين عضوية المحكمة الدستورية العليا وتولي الوزارة أو عضوية مجلس الشعب، ويحدد القانون الأعمال الأخرى التي لا يجوز الجمع بينها وبين عضوية المحكمة.

المادة (143): تكون مدة العضوية في المحكمة الدستورية العليا أربع سنوات ميلادية قابلة للتجديد.

المادة (144): أعضاء المحكمة الدستورية العليا غير قابلين للإقالة من عضويتها إلا وفقاً للقانون.

المادة (145): يؤدي رئيس المحكمة الدستورية العليا وأعضاؤها أمام رئيس الجمهورية وبحضور رئيس مجلس الشعب قبل توليهم عملهم القسم الآتي:

(أقسم بالله العظيم أن أحترم دستور البلاد وقوانينها وأن أقوم بواجبي بتجرد وأمانة)

المادة (146): تختص المحكمة الدستورية العليا بما يأتي:

1 – الرقابة على دستورية القوانين والمراسيم التشريعية واللوائح والأنظمة.

2 – إبداء الرأي بناء على طلب من رئيس الجمهورية في دستورية مشروعات القوانين والمراسيم التشريعية وقانونية مشروعات المراسيم.

3 – الإشراف على انتخاب رئيس الجمهورية وتنظيم الإجراءات الخاصة بذلك.

4 – النظر في الطعون الخاصة بصحة انتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشعب والبت فيها.

5 – محاكمة رئيس الجمهورية في حالة الخيانة العظمى.

6 – يبين القانون اختصاصاتها الأخرى.

(4)

المادة (147): تتولى المحكمة الدستورية العليا الرقابة على دستورية القوانين على النحو الآتي:

1 – النظر بعدم دستورية قانون والبت فيها وفقًا لما يأتي:

‌أ – إذا اعترض رئيس الجمهورية أو خُمس أعضاء مجلس الشعب على دستورية قانون قبل إصداره يوقف إصداره إلى أن تبت المحكمة فيه خلال مدة خمسة عشر يومًا من تاريخ تسجيل الاعتراض لديها، وإذا كان للقانون صفة الاستعجال وجب على المحكمة أن تبت فيه خلال مدة سبعة أيام.

‌ب – إذا اعترض خُمس أعضاء مجلس الشعب على دستورية مرسوم تشريعي خلال مدة خمسة عشر يومًا تلي تاريخ عرضه على المجلس، وجب على المحكمة أن تبت فيه خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ تسجيل الاعتراض لديها.

‌ج – إذا قررت المحكمة مخالفة القانون أو المرسوم التشريعي أو اللائحة للدستور عُدًّ لاغيًا ما كان مخالفًا منها لنصوص الدستور بمفعول رجعي، ولا يرتب أي أثر.

2 – النظر في الدفع بعدم دستورية قانون والبت فيه وفقًا لما يأتي:

أ‌ – إذا دفع أحد الخصوم في معرض الطعن بالأحكام بعدم دستورية نص قانوني طبقته المحكمة المطعون بقرارها، ورأت المحكمة الناظرة في الطعن أن الدفع جدي ولازم للبت في الطعن، أوقفت النظر في الدعوى وأحالت الدفع إلى المحكمة الدستورية العليا.

ب ‌- على المحكمة الدستورية العليا البت في الدفع خلال مدة ثلاثين يومًا من تاريخ قيده لديها.

المادة (148): لا يحق للمحكمة الدستورية العليا أن تنظر في دستورية القوانين التي يطرحها رئيس الجمهورية على الاستفتاء الشعبي وتنال موافقة الشعب.

المادة (149): ينظم القانون أصول النظر والبت فيما تختص به المحكمة الدستورية العليا، ويحدد ملاكها والشروط الواجب توافرها في أعضائها، كما يحدد حصاناتهم ومسؤولياتهم ورواتبهم ومزاياهم.

هكذا خص دستور 2012 السلطة القضائية بثمانية عشر مادة.

(5)

ونلاحظ -هنا- الفروق الجوهرية عن دستور 1950 والتي يمكن الاشارة إلى أهمها:

1 – المحكمة العليا يختارها مجلس النواب 7 من 14، يرشحهم رئيس الجمهورية في دستور 1950، بينما أعضاء المحكمة الدستورية السبعة، يسميهم رئيس الجمهورية بمرسوم في دستور 2012.

2 – أعضاء المحكمة العليا يقسمون اليمين أمام مجلس النواب في دستور 1950 بينما يقسم أعضاء المحكمة الدستورية اليمين أمام رئيس الجمهورية في دستور 2012.

3 – رئيس المحكمة العليا يرأس مجلس القضاء الأعلى في دستور 1950، بينما يرأس رئيس الجمهورية مجلس القضاء الأعلى بموجب دستور 2012.

4 – أعضاء مجلس القضاء الأعلى جميعهم قضاة: 2 من المحكمة الأدارية العليا و4 من أقدم قضاة التمييز، ورئيس المحكمة العليا رئيسًا للمجلس، بموجب دستور 1950، بينما تسمية أعضاء مجلس القضاء الأعلى تتم بقانون، بموجب دستور 2012، وهذا أدى إلى عدم الاكتفاء بأن يرأس رئيس السلطة التنفيذية مجلس القضاء الأعلى، وإنما يمكن تسمية آخرين من السلطة التنفيذية في المجلس، وهذا ماحصل بدءًا من دستور 1973؛ حيث وزير العدل نائب رئيس مجلس القضاء الأعلى، أي: أن مجلس القضاء الأعلى لا يمكن أن يجتمع إلا تحت رئاسة السلطة التنفيذية.

5 – سلطة المحكمة العليا لمحاكمة رئيس الجمهورية والوزراء مطلقة، إذا اقترف أي جرم أو مخالفة للقوانين والأنظمة، بموجب دستور 1950، بينما سلطة المحكمة الدستورية مقيدة بمحاكمة رئيس الجمهورية بجرم الخيانة العظمى فحسب، بموجب دستور 2012، ثم إذا كان رئيس الجمهورية هو الذي يسمي أعضاء المحكمة الدستورية، ويقسمون اليمين أمامه، كيف لها أن تحاكمه؟ (وللحديث صلة).




المصدر