النظام ينتصر على أطفال حلب.. ويندحر أمام “داعش”

14 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016
11 minutes

تسارعت وتيرة التطورات في سورية خلال الأيام الماضية على أكثر من جبهة، لتُضفي على المشهد الدموي مزيداً من التعقيد، وسط تداخلات محلية وإقليمية ودولية متشابكة.

وبينما تتجه قوات النظام وداعموها الروس والإيرانيون إلى تحقيق “انتصار” على حلب وأهلها بالرغم من الصمود الأسطوري لمقاتلي المعارضة في الأحياء الشرقية من المدينة المحاصرة، فقد فُتحت جبهات عدة بالتوازي، حيث جرى استئناف معركتي الباب بواسطة قوات “درع الفرات” التي تدعمها تركيا، والرقة بواسطة قوات “سورية الديمقراطية” التي تدعمها الولايات المتحدة، في حين تقدم تنظيم الدولة بشكل لافت صوب مدينة تدمر ليسيطر عليها مجدداً “بسرعة البرق” وسط شكوك بشأن تواطؤ ما بين النظام والتنظيم.

ومع تواصل القصف بمختلف انواع الأسلحة، بما فيها المحرمة دولياً، وفي ظل الحصار المحكم الذي تفرضه قوات النظام على الأحياء الشرقية المحاصرة من حلب، تمكنت قوات النظام والميليشيات الإيرانية التي تقاتل معها من السيطرة على مزيد من الأحياء وآخرها حي الشيخ سعيد، أكبر الأحياء التي بحوزة مقاتلي المعارضة، إضافة الى أحياء (الصالحين وباب المقام ودعدع) وجزء من حي الفردوس، لتنحسر المساحة المتبقية بيد قوات المعارضة إلى عشرة أحياء تمثل أقل من 25 بالمائة من المساحة التي كانت بحوزتها قبل عشرين يوماً.

وتحاول قوات النظام تقسيم المناطق المتبقية بيد قوات المعارضة وعزلها عن بعضها البعض من خلال الاقتحامات اليومية المتكررة والقصف الشديد جداً والذي يعتبر الأعنف حتى الآن الذي تتعرض له المدينة، الأمر الذي وضع المدنيين في أسوأ حال، حيث باتوا يهيمون على وجوههم في الشوارع المهدمة، ولا يستطيعون الانتقال الى أماكن آمنة مع عجز المجتمع الدولي، والمنظمات الإنسانية عن تأمين خروج آمن لهم.

وينقل الناشطون صوراً قاتمة ومفجعة من داخل المدينة حيث الخراب والدمار يعم جميع الأحياء، بينما الناس يتنقلون بلا وعي من مكان إلى آخر على أمل أن يكون أكثر أمناً. ويعُجّ ما تبقى من مراكز صحية بالجثث والمصابين دون أن يتمكن ما تبقى من كادر طبي من تقديم الكثير لهم، بعد تدمير المشافي الرئيسية مع ما فيها من معدات.

كما أن المصابين في الشوارع لا يجدون غالباً من ينقلهم بعد أن جرى تدمير جميع مراكز الدفاع المدني، بما فيها من معدات ما يجعل المصابين تحت الأنقاض يلقّون حتفهم ببطء دون أن يتمكن أحد من انتشالهم.

وقال الناشطون إن المدنيين لا يمانعون حتى في الانتقال إلى مناطق سيطرة قوات النظام، لكن هذه القوات لا تعطيهم الفرصة، ولم تفتح لهم أية ممرات إنسانية كما تدعي، وذلك بالرغم من علمهم بأن مصيرهم عندها سيكون مظلماً بالقياس إلى تجارب من سبقوهم من الأهالي والذي تشير المعلومات إلى أن قوات النظام أقدمت على إعدام عدد منهم بعد وصولهم لمناطق سيطرتها، وتركت جثثهم قرب جامع الخيرات بحي الصاخور، بينما تم اقتياد عدد من الشبان نحو مناطق سيطرة قوات النظام غرب حلب، لتجنيدهم على الأرجح للقتال في صفوف قوات نظام بشار الأسد.

وحسب وزارة الدفاع الروسية فقد بلغ عدد المدنيين الواصلين إلى مناطق سيطرة قوات النظام من أحياء حلب الشرقية أكثر من مئة ألف مواطن إضافة الى مئات المقاتلين بحسب زعمها.

ومع موقف المتفرج الذي أخذته معظم الدول الكبرى، برغم كثرة الاجتماعات والتصريحات المتعلقة بحلب، تحدثت تقارير عن اتفاق أمريكي- روسي بشأن حلب، يقضي بخروج المعارضة نحو مناطق سيطرة فصائل “درع الفرات”، بينما تخرج جبهة “فتح الشام” إلى إدلب حصراً.

وجاء في تفاصيل المقترح الذي نفته روسيا وأكدته الفصائل ” أن روسيا الاتحادية ستقوم بالعمل مع النظام ومجموعات المعارضة تباعاً للاتفاق فوراً لبدء رحيل المقاتلين من القسم الشرقي من مدينة حلب، آخذين بعين الاعتبار الرحيل الآمن والمشرّف للمقاتلين والمدنيين من المدينة”.

كما سيقوم نظام الأسد – بحسب المقترح- بضمان علني لسلامة خروج كل المقاتلين وأفراد عائلاتهم أو المدنيين الآخرين من المدينة، إضافة الى المدنيين الذين يودون البقاء في شرقي حلب؛ وإعطاء الضمان العلني بأن كل المقاتلين أو المدنيين الذين سيخرجون عبر ممرات الإجلاء من المدينة لن يُحتجزوا أو يؤذوا.

 

 معركة الرقة

بعد طول توقف، أعلنت “قوات سورية الديمقراطية” المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، استئناف المرحلة الثانية من عملية “تحرير الرقة” من يد تنظيم الدولة.

وقال بيان لغرفة عمليات “غضب الفرات” أن هدف هذه المرحلة سيكون “تحرير كامل الريف الغربي للرقة مع عزل المدينة”. وقالت المتحدثة باسم الغرفة، جيهان شيخ أحمد، في بيان تلته بلغة عربية ركيكة أمام حشد من المقاتلين ورُفعت خلاله رايات حمراء وصفراء وزرقاء، مع راية واحدة فقط تمثل علم الثورة السورية، إن الحملة “تتوسع أكثر بانضمام فصائل وقوى أخرى، منها المجلس العسكري لدير الزور وقوات النخبة التابعة لتيار الغد السوري (تيار أحمد الجربا) ولواء ثوار الرقة، بالإضافة إلى انضمام 1500 مقاتل من المكون العربي من أبناء الرقة وريفها، تم تدريبهم وتسليحهم على يد قوات التحالف الدولي”.

غير أن رئيس المكتب السياسي لـ”لواء ثوار الرقة”، محمود الهادي، والذي أشار البيان إلى مشاركته في الحملة، لم يؤكد، في حديثه لـ”صدى الشام”، هذه المشاركة، موضحاً أن القرار بهذا الشأن لم يتخذ بعد. وكان الهادي قد قال في وقت سابق إن فصيله اتفق مع “التحالف الدولي” وقوات “قسد” على أن يتولى قيادة الحملة لتحرير الرقة مقابل مشاركته فيها، إضافة الى رفع علم الثورة السورية وليس علم “وحدات حماية الشعب” الكردية أو أية أعلام أخرى، الأمر الذي رفضته “قسد”.

وفي سياق دعم واشنطن للعملية، كشف وزير الدفاع الأميركي، أشتون كارتر، أن بلاده سترسل 200 عنصر إضافي إلى سورية للمساهمة في العمليات العسكرية في الرقة، فيما دمرت طائرات تابعة للتحالف الدولي عدة جسور في المدينة بهدف تقطيع أوصالها، وإعاقة تحرك مقاتلي التنظيم.

 

 

معركة الباب

وبالتوازي مع استئناف عملية “غضب الفرات” تواصل فصائل الجيش الحر ضمن قوات “درع الفرات” المدعومة من تركيا الزحف باتجاه مدينة الباب بريف حلب الشرقي لانتزاعها من يد تنظيم الدولة، وهو ما فسره البعض بأنه مقايضة تمت بين الولايات المتحدة وتركيا، تتضمن إعطاء أنقرة الضوء الأخضر للمضي في عملية الباب مقابل غضها الطرف عن استئناف عملية “غضب الفرات” في الرقة.

وذكرت الأنباء أن فصائل الجيش السوري الحر باتت تحيط بمدينة الباب في ريف حلب الشرقي من ثلاثة محاور، إثر التقدم الذي أحرزته على أطرافها، خصوصاً المحور الغربي لمدينة الباب، مستعيدة السيطرة على قريتي الدانا وبيراتة، لتصل إلى مشارف المدينة، قرب مستشفى الباب الرئيسي. ومن الجهة الشمالية عززت فصائل “درع الفرات” مواقعها، فسيطرت على تلة استراتيجية، ما جعلها على مشارف المدينة أيضاً. كما قطعت الطريق الواصل بين مدينتي الباب ومنبج أمام مقاتلي التنظيم، بعدما سيطرت على عدد من القرى والبلدات على جانبي الطريق.

وكانت أنقرة قد أعلنت إرسال 300 جندي إضافي من القوات الخاصة التركية للمشاركة في معركة الباب، فيما استهدف الطيران التركي المدينة بعشرات الغارات الجوية.

وتدور اشتباكات عنيفة بين الجانبين على مدخل المدينة وسط قصف جوي وصاروخي تركي مكثف على مواقع التنظيم.

وأعلن الجيش السوري الحر اغتنام 3 دبابات لتنظيم “داعش” بعد اشتباكات عنيفة بين الطرفين في منطقة المحلق الشمالي بينما قال بيان للقوات المسلحة التركية إن مقاتلاته استهدفت مواقع لتنظيم الدولة في الباب وفي قريتي بزاغة وقبر المقري في محيط المدينة، ودمرت 21 مقرا له.

وتتيح السيطرة على مدينة الباب تقليص نفوذ تنظيم الدولة بشكل كبير في ريف حلب، حيث تعتبر المدينة من أهم معاقله هناك، وثاني أهم معقل للتنظيم في سوريا بعد مدينة الرقّة.

 

تدمر

في هذه الأثناء كان تنظيم الدولة “يهرب” من اشتداد الضغط العسكري عليه من جهة الشمال إلى مناطق سيطرة قوات النظام في الغرب، حيث تقدم مقاتلوه بسرعة كبيرة وتمكنوا من السيطرة خلال أربعة أيام فقط على مدينة تدمر التي كانوا خسروها قبل نحو تسعة أشهر لصالح قوات النظام، وسط شكوك عن تواطؤ ما بين الجانبين.

وحسب مواقع موالية للنظام، فإن سقوط المدينة جاء بعد إخلاء الجنود الروس للقاعدة العسكرية الروسية التي تم إنشاؤها منذ عدة أشهر، وبعد استقدام قوات كبيرة من جيش النظام من ريف حمص الشرقي للمشاركة في المعارك الدائرة في حلب.

وأضاف الصفحات أن تفجير القاعدة من قبل الجنود الرّوس داخل المدينة، أحدث انفجارات ضخمة سُمعت داخل أرجاء المدينة ما أدّى إلى حالة من الفوضى والهلع بين السكان المدنيين، الذين بدؤوا بالنزوح بشكل عشوائي، ظنًا أن التنظيم قد دخل المدينة.

وتقول وكالة أعماق التابعة لتنظيم الدولة إن معارك تدمر أسفرت عن مقتل نحو 200 من قوات النظام والميليشيات واستولى التنظيم على 30 دبابة و6 عربات BMP و7 مدافع 122 اضافة ل7 مدافع رشاشة 23، وكميات من الصواريخ مضادة للدروع مع منصات الإطلاق وصواريخ غراد وقذائف دبابات وذخائر متنوعة.

وبعد يوم واحد من استيلائه على تدمر، توجه التنظيم الى مطار “التيفور” العسكري إلى الغرب من تدمر، حيث تدور اشتباكات عنيفة بين الجانبين على أطراف المطار.

وسيطر التنظيم على أجزاء واسعة من منطقة البيارات الغربية، وبلدة التياس القريبة من مطار التيفور وشركة حيان للغاز، إضافة إلى بلدة أبو رباح بالقرب من مدينة القريتين، التي يسعى لعزلها بالكامل.

وقال ناشطون إن قوات النظام أخلت جميع الذخائر والأسلحة الثقيلة من المطار، خاصة بعد سيطرة التنظيم على منطقة الكتيبة المهجورة القريبة له. ويعتبر مطار التيفور أكبر المطارات العسكرية في سورية، ويحتوي على 45 حظيرة إسمنتية، ومدرجين يزيد طول الواحد منهما على ثلاثة كيلومترات، ويحوي أحدث الطائرات المقاتلة والقاذفة التي يملكها النظام السوري من طراز ميغ 29  و سوخوي 25.

 

 

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]