خبراء ومحللون يذكرون أربعة أسباب لسقوط حلب.. تعرف عليها

شكل سقوط حلب بيد الأسد ضربة موجعة للمعارضة وللثورة السورية منذ انطلاقتها في مارس/آذار 2011، وذلك بعد أربعة أشهر من الصمود، وهو ما جعلها تصبح "غروزني" سوريا.

وما إن دخلت قوات الأسد والمليشيات الشيعية الإيرانية و"حزب الله"، حتى بدأت بإعدامات ميدانية بحق سكان المدينة العزل، ومحاصرتهم داخل كيلومتر واحد فقط، حتى مساء الثلاثاء، الذي تم فيه الاتفاق مع موسكو، برعاية أنقرة، على إفراغ المدينة من جميع سكانها.

وبسقوط حلب يكون نظام الأسد قد استعاد السيطرة على مدن سوريا الخمس الرئيسية، أي ثلث أراضي البلاد، ليشكل بذلك مشروعه الذي طالما عمل من أجله هو وموسكو: "سوريا المفيدة"، بعيداً عن المناطق الصحراوية التي يسيطر عليها تنظيم داعش في شرقي سوريا، أو المناطق التي ما زالت تحت سيطرة "الانفصاليين الأكراد" في الشمال الشرقي.

ومع سقوط المدينة بدأ السوريون الغاضبون بتحميل المسؤولية لأطراف داخلية وأخرى دولية، لا سيما الولايات المتحدة، متهمين إياهم بأنهم مارسوا "العبث" بمصير السوريين، غير آبهين بتضحيتهم التي أغرقت سوريا دماءً، إلا أن هناك أربعة أسباب رئيسية أدت إلى هذه الانتكاسة.

1 - عدم أهلية قادة الفصائل

المتابع للوضع في سوريا يلاحظ أن قادة فصائل المعارضة السورية المسلحة هم ذوو خلفيات "مدنية"، أي إنهم لا يملكون تجارب عسكرية خلال حياتهم سوى ما سمعوه عن تجارب التنظيمات العابرة للحدود كالقاعدة وطالبان.

ولوحظ أيضاً غياب الضباط المنشقين عن الساحة السورية العسكرية، علماً أنه انشق ما يزيد على 3000 ضابطٍ عن الجيش السوري النظامي منذ عام 2011، بحسب إحصاءات المعارضة السورية نفسها.

العميد السوري المنشق والخبير العسكري أحمد رحال، ذكر في حديث لـ"الخليج أونلاين" أن غياب الضباط المنشقين يعود إلى العام 2013، بناءً على ضغوطات دولية وإقليمية، ورغبة الداعمين بدعم فرق وجماعات (جهادية) رغبة منها في حرف الثورة السورية عن مسارها الوطني لكي يصل الحال بالبلاد إلى ما وصل إليه اليوم.

وأضاف: "إبعاد الضباط لم يؤثر على معركة حلب وحسب بل على الثورة السورية"، مبيناً أنه "لم يكن لدينا قيادة عسكرية تعمل على ضبط الجبهات؛ بسبب ظهور الرايات السوداء والبيضاء التي أنهت دور العسكريين الفنيين، كما أن غياب القيادة السياسية التي تضبط الساحة العسكرية أسهم في ذلك".

maxresdefault

وتابع: "دخول روسيا إلى الصراع سبب عدم التكافؤ في المواجهة، ليس فقط قتالياً بل أيضاً تخطيطياً، فهناك فرق بين قوة عسكرية تقاد بعقلية الشيخ أو المدني الجهادي، وبين جيش نظامي محترف كروسيا قاد العملية بالكامل منذ دخوله الأرض السورية، وهو ما أبقى على نفس أدوات المواجهة مع مليشيات إيران وحزب الله، وحتى النظام السوري الذي بات يعمل بعقلية المليشيا، ما أدى إلى الهزيمة".

وأشار رحال إلى أن "الساحة السورية كانت متسارعة الأحداث، والوضع لا يحتمل وجود عقلية تقليدية جامدة تتعامل معه، بل كان بحاجة إلى عقلية محترفة كالضباط المنشقين، الذين يعرفون كيف يفكر ضباط الأسد والضابط الإيراني والروسي، لأنهم كانوا يوماً ما جزءاً من هذه العقلية".

2 - التناحر

وقبيل سقوط حلب بأيام شهدت ساحتها خلافاً واقتتالاً بين عدد من الفصائل، كان آخرها انشقاق حركة أحرار الشام، وهو ما اعتبره المعارض السوري والباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، الدكتور عبد الرحمن الحاج، سبباً في سقوط المدينة.

وقال الحاج، في حديث مع "الخليج أونلاين": رغم القوة التدميرية الهائلة المستخدمة من قبل النظام وروسيا، كان بإمكان المقاتلين الصمود مدة طويلة، والتخفيف من آثار انهيار الخطوط الدفاعية الأولى، وامتصاص الصدمة، لو كانت هنالك قيادة موحدة كما كانت في داريا مثلاً".

وأضاف: "لولا أن الفصائل نفسها تتصارع بينها في أعتى الظروف، لكانت صمدت المدينة، وكان فيها من السلاح ما يكفي لصمود ستة أشهر على الأقل، لكن أعتى الفصائل تفقدها حتى القدرة على التنسيق، وخسرت ثقة الناس بها".

ولفت الحاج إلى أن "الجبهات الخارجية لم تتحرك كما يجب، وبينما انشغلت الفصائل خارج المدينة بتثبيت نفوذها على حساب الفصائل المجاورة لها، كانت حلب آيلة للسقوط".

3 - السلفية الجهادية

وعلى الرغم من أن الثورة السورية هيمن عليها الشعارات والأهداف الوطنية الخالصة، التي تنادي بالحرية والديمقراطية، طفا على ساحتها توجهات سلفية لم تعهدها سوريا، وهو ما حرفها عن سكة الوصول نحو الحرية المنشودة.

ويربط مراقبون بين ظهور السلفية الجهادية وإقدام النظام السوري، في سبتمبر/أيلول من العام 2011، على الإفراج عن المعتقلين السلفيين من سجونه، وهو ما أثار قلق الثوار الوطنيين في ذلك الحين، واتهموا النظام بتعمد القيام بذلك حتى يحرف الثورة عن مسارها.

ويرجع العميد رحال ظهور السلفية الجهادية أيضاً إلى السياسة الطائفية التي اتبعها النظام ومليشياته الشيعية ضد الثورة والمدنيين، وشدد على أنه ما كان ينبغي للمعارضة السورية الوقوع في الفخ الذي نصبه الأسد بهذه السياسة، وهو فخ "السلفية الجهادية".

من جهته؛ اتفق الدكتور عبد الرحمن الحاج مع العميد رحال، حتى إنه اتهم المليشيات السلفية، بأن دورها كان في غاية السوء، لا سيما تنظيمات كالقاعدة أو جبهة النصرة، التي كانت دائماً تعمل على افتراس فصائل الجيش الحر بذرائع مختلفة، على حد قوله.

واتهم المليشيات السلفية بأن لها دوراً مهماً في انهيار ثقة الناس بالفصائل، وإمكانية أن تدافع عنها ضد النظام، مشيراً إلى "أن كل الغنائم والأسلحة التي أخذتها من الجيش الحر، ذهبت الآن إلى المليشيات الإيرانية ونظام الأسد".

image00114

وتابع الحاج: "المليشيات السلفية سببت لنا كارثة، وأسهمت في التغيير الديموغرافي للسوريين، كما أنها منحت فرصة للمجتمع الدولي للتخلي عن المعارضة؛ لكونها صارت إسلامية سلفية والجيش الحر ضعيف".

ولفت إلى أن الفصائل السلفية "منحت النظام شيئاً من المصداقية، بأنه في مواجهة تنظيمات إرهابية، وأنه الضامن لقمعها وتحقيق الأمن في المنطقة، وجعلت الدول الداعمة للثورة تتراجع في دعمها، وتدعم قوى على شاكلة ميليشيات (PYD)".

وطالب الحاج بضرورة إعلان المليشيات الجهادية السلفية، تنظيمات عدوة للثورة السورية وإخراجها من سوريا، أو حلها.

4 - تواطؤ دولي

وبالتوازي مع المجازر والإعدامات في حلب، كان الصمت الدولي سيد الموقف لا سيما من الولايات المتحدة الأمريكية، وتراجع زخم الجهود الدبلوماسية بشكل لافت في الفترة الماضية مع تحقيق نظام الأسد مكاسب ميدانية.

ومن شأن خسارة المعارضة لحلب أن تشكل خسارة أيضاً للدول الداعمة للمعارضة السورية، وأن تقوي المحور الداعم للنظام، أي روسيا وإيران.

الدكتور نصر الحريري، عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري، أرجع الصمت الدولي، إلى قبول تام بأن تسيطر روسيا على حلب.

واتهم المعارض السوري، في حديث مع "الخليج أونلاين"، واشنطن بأنها أعطت سوريا لروسيا على طبق من ذهب، وتبنت الرؤية الروسية للحل في سوريا، و"تضغط على المعارضة للذهاب إلى جنيف لمفاوضة النظام، ونحن لن نقبل الجلوس مع قتلة الشعب السوري، دون ضمانات بعدم وجودهم في مستقبل سوريا".

وأوضح الحريري أن "هناك اتفاقاً دولياً بين موسكو وواشنطن، يقضي بتصفية الثورة السورية لتحقيق تفاهمات غير معلنة بين البلدين في سوريا".

kerilafror

وكانت مصادر مقربة من المعارضة السورية ذكرت لـ"الخليج أونلاين"، أن اجتماعاً دار بين المعارضة ومايكل رانتي المبعوث الأمريكي لسوريا في تركيا قبيل أيام من سقوط حلب.

وكشفت أن "رانتي ألقى باللوم على المعارضة السورية لانسحابها من مؤتمر جنيف 3، وبين لها أن ما يجري في حلب هو عقوبة أيضاً على عدم فك ارتباط فصائل المعارضة المسلحة بجبهة النصرة التابعة للقاعدة في سوريا، ودعا المعارضة إلى العودة لطاولة المفاوضات في جنيف دون شروط مسبقة".

المحلل السياسي الدكتور علي باكير، ذكر لـ "الخليج أونلاين"، أن هناك موافقة ضمنية وإقراراً لدى الجانب الأمريكي بعدم التدخل في سوريا، والضغط على النظام السوري وإيران ورسيا، وهذا أمر أقره جون كيري في مؤتمر باريس الأخير قبل أيام.

وأضاف باكير: "الأتراك والأوروبيون في وضع محرج بسبب الموقف الأمريكي، وهم عاجزون عن اتخاذ أي خطوة، لكنهم وعدوا بتصعيد سياسي، ومواصلة العقوبات من الجانب الأوروبي على روسيا".

وحذر باكير من أن "مدناً أخرى على قائمة المذبحة بعد حلب، ويجب وقف الأمر عبر إحداث زخم دولي".

وحول سلبية الموقف الأمريكي، لفت باكير إلى "أن هناك قراراً سياسياً من باراك أوباما بعدم اتخاذ أي قرار لضرب الأسد، لكي لا ينهار الاتفاق النووي، وأيضاً لا يريدون الاشتباك مع روسيا".

وتابع: "السكوت هو موافقة ضمنية على ما تقوم به روسيا، وكيري أقر خلال اجتماع باريس أن الإجراء الوحيد الذي من الممكن أن يخفف من التصعيد العسكري الروسي هو الذهاب إلى مفاوضات مع النظام دون قيد أو شرط، وهذا الأمر بمثابة انتحار للمعارضة السورية وهو ما يضع واشنطن في خانة موسكو".