رسائل أنسي الحاج إلى غادة السمان تثير جدلاً  .. هل حياة المبدع شأنٌ عام؟

14 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016

6 minutes

لم يكن نشر الكاتبة السورية غادة السمان لرسائل حب تلقتها من الشاعر اللبناني أنسي الحاج ليمر مرور الكرام كونه يضرب على أكثر من وتر منها ما يتعلق بعالم الأدب والأدباء ومنها ما يخص شأناً اجتماعياً عاماً وهو ما أشعل أوساط المثقفين والمتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي.

غير أنها لم تكن هذه المرة الأولى التي نشرت فيها غادة رسائل حب مرسلة إليها من شخصية أدبية معروفة، فقبل أنسي الحاج أثار نشرها لرسائل حب من الروائي والناشط السياسي الفلسطيني غسان كنفاني جدلاً آخر.

وتباينت مواقف المتفاعلين بين من اعترضوا على نقل ما هو “خاص” إلى التداول العام، ومن رأوا أن رسائل يكتبها مبدع هي شأن عام بالضرورة من حق معجبيه وقرائه الاطلاع عليها.

واتضح من ردود الفعل على رسائل كنفاني تشكُل طرفين أو فريقين؛ فغالبية من أبدوا رد فعل من الفتيات والنساء أعجبوا بالرسائل، وبعضهن تماهى معها وتمنى تلقي رسائل في رقتها وجمالها من حبيب المستقبل، إلا أنهن في نفس الوقت أخذن على غادة كشفها لعواطف غسان في الوقت الذي حجبت فيها رسائلها له.

أما الفريق المكون من الرجال فكان في أغلبه مستنكراً لكليهما، فقد أخذوا على غسان “ضعفه أمام امرأة لا تأبه بمشاعره” بل واتهمه البعض “بالنذالة” لكونه متزوجا من امرأة أجنبية ضحت من أجله وتعاطفت مع قضيته فكافأها بالخيانة”.

ولكن غادة لم تكن أول من نشر نصوصاً من مبدعين بعد رحيلهم، فقد نشرت الصحفية إيفانا مارشليان كتابا بعنوان “أنا الموقع أدناه” تقول إنه حوار بينها وبين محمود درويش خولها بنشره بعد وفاته.

ولم يُقابَل هذا الكتاب بالترحيب من الجميع، على الرغم من وجود رسالة تقول إنها موقعة من درويش يخولها فيها بالنشر.

وقبل ذلك عرف الوسط الأدبي رسائل الحب المتبادلة بين الكاتبة مي زيادة والكاتب جبران خليل جبران.

لم يكن جبران الوحيد الذي أحب مي وأرسل لها رسائل حب، فقد عرف أيضاً عن الأديب المصري عباس محمود العقاد أنه كان متيماً بها.

ربما كان جبران الوحيد الذي بادلته مي الحب حسب ما عرف لاحقاً من رسائلها.

لكن لماذا لم تثر تلك الرسائل جدلاً حامياً على المستوى الثقافي والشعبي ؟

لا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في تفعيل “الرأي العام” بمفهومه الواسع ومضاعفة هامش المشاركين في نقاش القضايا العامة، ففي الماضي كانت وسائل التعبير المتاحة هي وسائل الإعلام المطبوعة التي كانت حكراً على الصحفيين المحترفين.

ولعل ما يميز ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي هو وجود التعليقات ساخرة وهزلية وأخرى رصينة وفلسفية.

وكان بين التعليقات الهزلية “المتنبي يؤكد أنه لم يرسل رسائل حب إلى غادة” و “على كل كاتب، قبل وفاته، أن يعلن أنه لم يكتب رسائل لغادة”.

ومن بين الذين علقوا على نشر رسائل أنسي مثقفون وقراء.

تقول الكاتبة سنابل قنو : ” أرفض الهجمة العنيفة التي وجّهت ضد الكاتبة غادة السمان، وأستهجنها كونها وجهت من قبل كتاب ومثقفين. إن من حق غادة نشر أي شيء تملكه بوجود من أرسلها أو بغيابه، ثم إنها نشرت رسالة لشاعر متوفى ربما كنوع من التقدير و الاحترام والاحتفاء بأديب محب أو لجعل القارئ العربي يتمتع برسائل جميلة ودافئة كتبها الشاعر أنسي الحاج، أو لشعورها بالحاجة لحب مثل الذي احتوته الرسائل فقررت نشرها. ” ووصفت سلوك الذين هاجموا غادة بالذكورية .

أما فاتن ناصر الدين، وهي قارئة متحمسة لكنفاني وكانت من المعجبين برسائله التي نشرتها غادة فتقول تعليقا على رسائل أنسي : ” رأيي أن غادة كاتبة جريئة لذلك لا أستغرب لو نشرت صورًا حميمة فكتاباتها تدل أنها لم تكن تخجل من شيء وهي صغيرة والآن أيضًا لا تخجل من ذلك وهي كبيرة . وبالرغم من أنه ليس للرسائل محتوى مهم فهي كرسائل المراهقين لكني أعتبرها خيانة أمانة ممن أحبها وأهداها مشاعر برسائل يفترض أن لا يشعر بها غيرها، ورغم أنهم غير موجودين الآن ليتألموا من خيانتها لكني أرى أن ما فعلته مؤذٍ لكل من يحب كنفاني والحاج ويحبها .” وأخذت فاتن على غادة عدم نشر رسائلها له.

وكان من بين ردود الفعل الغاضبة ما كتبه الأكاديمي هادي عبدالهادي العجلة على صفحته على فيسبوك مثلاً” أنا لا أحب غادة السمان ولا أحب أن أقرأ لها. إنسانة مغرورة جداً. نشرت فى السابق رسائل غسان كنفاني لها فى السبعينات واليوم تنشر رسائل أنسي الحاج. ما هذا المرض يا غادة السمان ؟”.

ولم يسلم كنفاني من الغضب، فذهب الكاتب الحبيب العليلي إلى وصفه بالنذالة، كتب في تعليق في فيسبوك ” من الناحية الأخلاقية غسان هو مجرد نذل كبير، كنفاني كان متزوجاً من السويدية “آنا” وافتدته بحياتها ومع ذلك كان يخونها مع امرأة صارحته منذ البداية بأنها لا تحبه وكل ما تشعر به نحوه هو الشعور بالامتنان لأنه ساعدها في الحصول على جواز سفر بعد كسر إقامتها في بريطانيا وانتهاء صلاحية جوازها السوري”.

إذاً هل حياة المبدع، بما فيها حياته الخاصة “شأن عام ” ؟

واضح أن الجميع يعتبرها كذلك، فمن ينشر رسائله الخاصة ومن يسارع لاتخاذ موقف عام على وسائل التواصل الاجتماعي ينشره على الملأ وينتزع التعليقات والإعجاب أو الاستنكار من العشرات وربما المئات، وواضح أن الخط الفاصل بين الخاص والعام في حياة الشخصيات العامة هو خط واهي ومن الصعب تحديده.

 

 

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]