إسرائيل والولايات المتحدة وثورة السوريين

14 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016

7 minutes

ماجد كيالي

ثمة تعقيدات وتداخلات وتلاعبات كثيرة تعاني منها الثورة السورية، تمكن إحالتها إلى موقع سورية الجغرافي على الحدود مع إسرائيل، وفي المشرق العربي، تخوفًا من نقل عدواها إلى الدول الأخرى (مثل الثورة الفرنسية في الحالة الأوروبية أواخر القرن الثامن عشر).

لا يمكن تفسير الموقف الأميركي بخصوص عدم حسم الصراع السوري، بتسامحها مع نظام قتل شعبه ودمر عمرانه وشرد ملايين منه، وسكوتها عن صعود النفوذ الإيراني فيها، وتركها الأمر لروسيا، بمجرد تغير الأولويات الأميركية، أو بالانكفاء، أو باحترام سيادة الدول، والانصياع لعدم توفر قرار في مجلس الأمن الدولي؛ لأنها فعلت على الضد من ذلك.

في رأيي الولايات المتحدة تشتغل وفق استراتيجية إدامة الصراع على مبدأ: لا رابح ولا خاسر، لا النظام ولا المعارضة، وتشتغل أيضًا على استثمار الصراع السوري باستدراج الدول الأخرى؛ لاستنزافها ووضعها في مقابل بعضها، وفي ذلك؛ فإن الولايات المتحدة هي العامل المقرر والمهيمن على معادلات الصراع السوري، فهي الأقدر على حسمه، وكذلك استثماره بحكم حيازتها القوة الخشنة والناعمة، وأن الأطراف الأخرى تشتغل، على الأغلب، بناء على الهامش الذي تتركه لهم في هذا الصراع.

هكذا، لا يمكن فهم السياسة الأميركية في سورية، أي التشجيع بداية ثمة إدارة الظهر، بدون مراجعة ما فعلته في العراق (منذ 2003)، لجهة تلزيمه لإيران، وتسهيل صعود نفوذها في المشرق العربي، وتسامحها مع برنامجها النووي، إلا بوضع هذه الدولة الدينية في مواجهة العالم العربي عمومًا، واستثمار دورها في إثارة النعرة الطائفية – المذهبية، في المشرق العربي خصوصا؛ وهو الدور الذي أخفقت فيه إسرائيل، وكل ذلك باسم فلسطين والمقاومة مع الأسف، هذا أولًا. ثانيًا، لا يمكن فهم ما يجرى دون ملاحظة أنه لا يوجد ما يؤثر على الولايات المتحدة، لا سياسيَا ولا أمينَا ولا اقتصاديَا، ولا لناحية مكانتها الدولية، وهي تتفرّج على ما يحدث، دون أن تدفع أي ثمن، أو تتورّط مباشرة؛ إذ بحسب بريجنسكي (في كتابه: بين عصرين) هي التي توزّع التناقضات، وهي -أيضًا- التي توزّع المكاسب، ومنه تشغيلها الآخرين بوصفهم وكلاء، فجميع الأطراف تتوجه إليها، أو تنتظر كلمتها النهائية، وفي المقدمة روسيا.

ثمة تفسيران لهذه اللامبالاة، أو لحالة الفرجة الأميركية، حيال ما يجري، أولهما، أن الولايات المتحدة تبدو غير مستعجلة، وغير مستعدة لتقديم تنازلات لروسيا في ملفات كملف أوكرانيا، والدرع الصاروخي في جوارها، والحظر التكنولوجي، وتدهور أسعار النفط، وهي تستثمر في استدراج القوى الأخرى، التي تحاول مناكفتها، على الصعيدين: الدولي والإقليمي، وهذا يشمل روسيا وإيران وتركيا وبعض الدول العربية، لاستنزافها وإضعافها وإبقائها في مواجهة بعضها، ولا سيما أنها لا تدفع شيئَا من كيسها من جراء هذا الصراع، لا بشريَا ولا ماديَا، وهذه ليست إدارة ظهر، وإنما لعب وتورية، وليست إدارة صراع أو أزمة، وإنما استثمار في صراع أو في أزمة، مع إدراكها قدرتها على التحكم؛ فهي التي تقرر الحسم ومتى، لأنها هي التي تملك المقدرة وأوراق القوّة.  وثانيهما، أن الصراع الجاري في هذه المنطقة يؤدي إلى إضعاف دولها، وتصديع وحدة مجتمعاتها؛ ما يفيد إسرائيل، وهذا ما حصل من العراق إلى لبنان، التي باتت بمنزلة الدولة الأقوى والأكثر استقرارَا وقدرة على الحياة في المشرق العربي.

ربما ثمة من يعترض على التفسيرين المذكورين، لكن تفحّص الأمور لا يفتح على تأويلات أخرى، وعلى الأقل، فإن أحدًا لم يأت -حتى الآن- بكلام أخر يفسّر سياسة “اللامبالاة” الأميركية، إذا تجاوزنا الكلام المبسّط عن الاستدارة الأميركية إلى المنطقة الهندية – الصينية، أو الانكفاء الأميركي إلى الداخل.

على ذلك؛ ففي مناقشة تأثير إسرائيل في السياسة الأميركية في الصراع السوري، أعتقد أن الولايات المتحدة هي المقرر، في هذا الشأن، مع الإشارة إلى عمق التشابك في المصالح والسياسات، وحتى بين صناع القرار في الدولتين المذكورتين. واضح أن إسرائيل هي المستفيد الأول من استمرار الصراع السوري من دون أي حسم، واستقبالها ما يحدث بكثير من الاطمئنان، بواقع أنها باتت في محيط استراتيجي آمن لعقود، بعد تقوض البيئتين الدولتية والمجتمعية في دول المشرق العربي (بخاصة العراق وسورية)، واستنزاف الدول الإقليمية الأخرى في الصراع السوري (إيران وتركيا). طبعًا، هذا الكلام لا يفيد بأن الولايات المتحدة فعلت ما فعلته لعيون إسرائيل فحسب، إذ إنها فعلت ذلك خدمة لسياستها على المدى البعيد، كما أوضحنا.

ويمكن تحديد التأثير الإسرائيلي في التعامل الدولي مع الثورة السورية، في الآتي:

1 – الحرص على عدم تزويد جماعات المعارضة العسكرية بأسلحة نوعية، أو من وقوع نوع من الأسلحة كهذا في أيديهم.

2 – الترويج لفكرة أن الصراع في سورية من طبيعة طائفية، الأمر الذي يخدم إسرائيل على المدى الطويل في تعميم خاصيتها، بوصف نفسها دولة يهودية، أي: ذات طابع طائفي. ومعلوم أن إسرائيل تشتغل على هذا النحو بالتعامل مع الفلسطينيين من مواطنيها، ليس على أنهم عرب، وإنما بوصفهم مسلمين ومسيحيين ودروزًا وبدوًا إلخ. في هذا الإطار يمكن الحديث عن التصورات الإسرائيلية للمنطقة العربية، والتي كانت مراكز الأبحاث الإسرائيلية تصدرها، والتي تقوم على أن البلدان العربية لم تتأسس على أساس متجانس، وأنه ينبغي أن تقوم عدة دول في سورية، واحدة للمسلمين السنة، وثانية للعلويين، وثالثة للدروز، ورابعة للأكراد، وهذا ينطبق على العراق أيضًا.

3 – أخيرَا تأتي الفكرة الأساسية، وهي ترك العرب يتصارعون فيما بينهم، ويستنزفون قواهم، ويدمرون عمرانهم، وأنه لا حاجة إلى أي تدخل يوقف هذا المسار في المشرق العربي. وكأن المحلل الإسرائيلي، أليكس فيشمان، الأكثر صراحة وفجاجة في التعبير عن هذا الرأي، في مقالة له عنوانها: “اتركوا العرب ينتحرون بهدوء” (“يديعوت”، 12/6/2013).

من كل ذلك؛ يمكن الاستنتاج بأن إسرائيل ظلت تشتغل من الخلف، تاركة معالجة الملف السوري للإدارة الأميركية، خصوصًا أن هذه المعالجة تتقاطع مع المصالح الإسرائيلية في شأن المحافظة على استقرارها وأمنها الآني والمستقبلي.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]