غش المواد الغذائية بمناطق سيطرة النظام .. أساليب “لا تخطر في بال الشياطين”
14 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016
أسواقنا باتت خارج القانون، هذا ما عبر عنه “أبو خالد” من ريف دمشق لـ”صدى الشام” لدى سؤالنا له عن السلع الغذائية في الأسواق، مشيراً إلى أنه رغم غلاء الأسعار الفاحش إلا أن المواطن “بالع الموس على الحدين”، فهو يدفع سعراً مرتفعاً ليحصل على سلعة غذائية مغشوشة، بعد أن انتشر الغش بشكل كبير، وأصبحت أساليبه لا تخطر في بال “الشياطين”.
ولعل المتتبع لأخبار صحف ومواقع النظام الإخبارية يجد أنه لا يمرّ يوم إلا وتَخرُج وزارة التجارة وحماية المستهلك ببيان أو خبر أو تصريح من أحد مسؤوليها تقول فيه بأنها ضبطت مستودعاً أو معملاً أو محلاً، يقوم بتصنيع أو بيع سلع غذائية مغشوشة، وكان آخرها قيام الوزارة بإغلاق نحو 16 معملاً للألبان والأجبان وعدد من محلات اللحوم في دمشق وريفها، بل إن وزير التجارة ابتكر أسلوباً جديداً في ردع المخالفين عبر هدم كل منشأة غذائية تخالف وتغش المواد وهذا ما حصل مؤخراً في إحدى المنشآت بريف دمشق.
أسباب انتشار الغش
الصورة الحالية في الأسواق السورية تشير إلى “ارتفاع الأسعار بشكل كبير لشتى السلع وأهمها الغذائية، وانخفاض الطلب وضعف القدرة الشرائية للمواطنين، وقد رافق ذلك ضعف الرقابة ما حفّز انتشار الغش والتدليس”، هذا ما أكده باحث اقتصادي لـ”صدى الشام”، مشيراً إلى أن انتشار حالات الغش يدلّ عن أمرين اثنين؛ الأول: أن هناك تحرك جدي في ضبط حالات الغش في الأسواق، وهذا ما أشارت إليه وزارة التجارة بتشكيلها فرقاً استقصائية للبحث عن مكامن الخلل والفساد والغش في الأسواق، إلا أنها اقتصرت على أسواق المدن فقط دون الأرياف.
وإما أن ذلك يدل على ضعف الرقابة على الأسواق وترهلها وانتعاش الفساد بين العناصر التموينية، وهذا نجده مستفحلاً كثيراً في أسواق الأرياف البعيدة كل البعد عن أعين الرقابة، حيث يتم تصريف كميات ضخمة من البضائع المزورة ومنتهية الصلاحية عبرها، كما أن للفساد في أجهزة الرقابة دوراً فاعلاً في الغش، حيث تمت إحالة أكثر من 20 مراقباً تموينياً إلى القضاء مؤخراً نتيجة الفساد والتقصير.
ولفت الباحث إلى أن وزارة التجارة بحكومة النظام لا يملك كادرها الحالي مؤهلات كافية لضبط حالات الغش التي باتت “ماكرة”، بدءاً من تغيير تاريخ الصلاحية وصولاً إلى عمليات الخلط والتلوين في اللحوم، ويتزامن ذلك مع غياب كبير في ثقافة الاستهلاك ومعرفة حقوق وواجبات المستهلك.
ونوه الباحث إلى أن ضعف القدرة الشرائية لعب دوراً في انتشار السلع الغذائية ذات الجودة المنخفضة، كحال الألبان والأجبان واللحوم، فدَخْلُ المستهلك لا يسمح بشراء السلع الغذائية كاملة الدسم أو غير المتلاعب بمواصفاتها، لأنها مرتفعة الثمن وبالتالي فإن المُصَنّعين مضطرون للتلاعب بالمواصفات لتقليل التكلفة عليهم لكي تتناسب السلعة مع سعر دَخْل المستهلك، وفق حساباتهم.
وختم الباحث قوله: “إن الغش لا ينم إلا عن غياب الأخلاق والضمير بهدف تحقيق الربح السريع والكبير، والوضع الحالي في سوريا شجّع على نمو هذه الظاهرة، في ظل الحدود المفتوحة وغياب القوانين والرادع الأخلاقي”.
هكذا يتم غش السلع في الأسواق
“كيف تُغَشّ السلع الغذائية في الأسواق السورية”، هذا السؤال توجهنا به لخبير في شؤون حماية المستهلك، إذ بيّن لـ صدى الشام أن أكثر عمليات الغش تكون في اللحوم على اختلاف ألوانها، حيث أن “الفرّوج” المُجمد أو المهرب أو المحلي يتم التلاعب به من قبل البائعين، وذلك عبر حقنه بحقن مياه في مفاصل الفروج أو في الدبوس أو حتى في الشرحات، لزيادة وزنه، ولا يمكن للمستهلك أن يعلم بهذا الغش إلا بعد أن يقوم بطبخ الفروج، فعند ارتفاع حرارة الفروج تُفرغ حقن المياه من المفاصل وبالتالي نجد أن الفروج بعد أن كان كبير الحجم بات صغيراً وخفيف الوزن.
وبالإضافة لذلك يتم خلط في اللحوم الحمراء وبيع لحم الجاموس المستورد والمجمد على أنه لحم عواس، وذلك بعد إذابته وخلطه بلحم العواس، كما يُباع لحم العجل على أنه لحم عواس عبر خلطه، فيما يتم كذلك خلط لحم العواس بلحم الديك الرومي، ولا يمكن حتى للرقابة الصحية والتموينية أن تكشف ذلك، كون لحم الديك الرومي قريب جداً من لحم العواس، ويتم استخدام ملونات حمراء خاصة للّحم المخلوط، وأغلب عمليات الغش هذه تحدث في مطاعم الوجبات الجاهزة حيث لا يشعر الزبون بهذا الأمر بعد إضافة المنكهات والبهارات اللازمة، وبعد شوائها على النار.
أما بالنسبة للألبان والأجبان والحليب، فإن الغش المتبع حالياً يتم عبر إضافة الزبدة في الحليب والمياه وغلي الحليب، وذلك لإشعار المستهلك بأن الحليب كامل الدسم، وليس مغشوشاً، وفي حالة الألبان يتم ذلك عبر استخدام حليب البودرة والنشاء بكميات كثيرة، وهذا ما يفسر وجود سعرين لـ”اللبنة” في الأسواق السورية، فهناك كيلو لبنة بـ1200 ليرة وآخر بـ 500 ليرة، فالأول كامل الدسم ودون غش والآخر مخلوط ومغشوش، ويباع علناً في الأسواق، أما بالنسبة للأجبان فيتم غشها عبر إضافة مادة النشاء للمحافظة على الرطوبة وحبس السوائل، فمثلاً يبلغ وزن صفيحة جبنة عكاوي 15 كغ، وبعد الغلي تصبح 6 كغ، وهذه واحدة من عمليات الغش، عدا الجبن الموجود ضمن الجمّادات لمدة طويلة، والتي يتم فرمها وبيعها لمحلات الفطائر.
ويلفت الخبير إلى أن الغش لا يقف هنا بل يكون يصل لإزالة تاريخ الصلاحية، وخاصة بالنسبة للمعلبات، بالإضافة إلى التلاعب بالسمون والزيوت الدوغما “الفرط”، وإضافة ملونات و”أسنسات” لزيت الزيتون، ومن ثم إضافة زيت أبيض وغليهم مع بعضهم البعض.
وختم الباحث قوله: على المواطن أن يكون حذراً، وأن لا يشتري أي سلعة وأن يدقق بسعرها، ويبتعد عن البائعين المجهولين، وأن لا يتهاون بشراء وتناول أي أطعمة قد تسبب تسمماً له ولأسرته.
[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]