مصر… تحولات السياسة والتاريخ

15 ديسمبر، 2016

عبد الرحيم خليفة

في مقابلته مع التلفزيون البرتغالي التي أجراها الصحافي باولو دانتينو، في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن مصر “تدعم الجيش العربي السوري في مواجهة الإرهاب”.

هذا التصريح هو الأوضح للتعبير عن موقف النظام المصري، ومن أعلى قمة الهرم فيها، من الثورة السورية، وكل ما يجري على أرض سورية، وهو موقف، ظل في السنوات الأخيرة، موضع تساؤلات عن حقيقته، في ظل الضبابية التي اكتنفته، ومن قضايا عربية أخرى كثيرة.

سبق هذا التصريح زيارة علي مملوك، رئيس مكتب “الأمن الوطني”، يوم 17 تشرين الأول/ أكتوبر لمصر، التقى خلالها بنائب رئيس جهاز الأمن القومي، خالد فوزي، وتبعتها زيارة وفد مصري رفيع المستوى في 24 من الشهر نفسه إلى دمشق، بحث في “القضايا الأمنية المشتركة”.

هذا الموقف يترافق مع معلومات نشرتها صحف موالية للنظام، عن وجود خبراء مصريين في الأركان السورية، ربما يصل عددهم مع نهاية العام الحالي إلى 200 من الضباط، العسكريين والأمنيين.

لا غرابة في كل ذلك، فقد شهدت مصر تحولات داخلية عميقة، قبل الثورة المصرية الموؤدة، حرفت دورها كقائدة ورائدة على مستوى المنطقة، وتحولت إلى دولة هامشية منكفئة على نفسها، تؤدي أحيانًا دور الوسيط، وفي أخرى دور الشرطي، ليس إلا.

تشير معلومات كثيرة إلى وجود صراع داخل مؤسسات صنع القرار المصري، حول الموضوع السوري، بين وزارتي الخارجية والدفاع، ففي حين تبدو الأولى متحفظة نسبيًا على التدخل في الشأن السوري، نرى الثانية مندفعة بقوة إلى ذلك، وتميل إلى مزيد من التعاون والتنسيق والدعم للنظام السوري، والأمر ذاته ينطبق على الصراع في ليبيا واليمن، وغيرهما من بؤر التوتر في المنطقة.

ما كان يُقال دومًا عن الدولة العميقة، التي يصل عمرها إلى عشرات السنين، ودورها المُعيق لتطور حركة المجتمع المصري باتجاه التقدم والتطور والانفتاح، وممارسة دورها الذي يليق بها وبمكانتها، يبدو واضحًا جليًا في الثورة السورية، ومن عموم الربيع العربي، الذي عصف بمصر نفسها، قبل أن يرتد عليها، أولًا، في إعادة إنتاج نظام أمني استبدادي، لا يحمل في طياته أي رؤية، أو مشروع، مصر نفسها في أمس الحاجة إليه.

اللافت في الموقف المصري الرسمي هو تطابقه -إلى حد بعيد- مع مواقف بعض النخب السياسية والشعبية، كما تُعبّر عن ذلك تصريحاتهم ومواقفهم، ولا يعني ذلك عدم تعاطفهم الإنساني مع اللاجئين السوريين في مصر، وهي سمة عرف بها المصريون منذ القدم كشعب كريم مضياف، ظلت أرضه للقادمين إليها أمنًا وسلامًا، على الدوام، للقريب والبعيد.

سامح شكري إلى دمشق

“الجيش العربي السوري” الذي يريد السيسي دعمه في مواجهة الارهاب، بالطبع هو جيش بشار الأسد، الذي يقتل شعبه ويُدمّر وطنه بحجج واهية وكاذبة، والإرهاب الذي يقصده ما هو إلا عموم الشعب السوري الذي خرج لأجل حريته وكرامته، وما قاله السيسي مداورة هو حقيقة الموقف الذي يخرج إلى العلن، بتسارع واتساق مع الموقف الدولي المتراجع لصالح الأسد.

تشير بعض التسريبات، أن دمشق قد تستقبل في الفترة المقبلة وزير خارجية مصر سامح شكري، أو أي مسؤول كبير آخر، في انحياز واضح لنظام بشار الأسد، الذي يُحارب “الإرهاب” ذاته الذي تُحاربه مصر، ما يعني أنها معركة واحدة، هنا وهناك.

لم تُقدّر النُظم المتعاقبة على حكم مصر، في العقود الأخيرة، دور مصر حق تقديره، ولم تفهم قوانين الجغرافيا وواجباتها، ولا يدخل تخاذلها أو تقصيرها في حيز الأخلاق والقيم الإنسانية، بقدر ما هو تقاعس وتهاون في أمنها القومي الذي تهدده المشروعات المتصارعة في سورية، والمنطقة عمومًا، وستحصد مصر نتائجه الكارثية في المستقبل القريب.

ولعل ما جرى في تصويت مجلس الأمن في 8 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي على قرارين متناقضين بخصوص سورية، أحدهما فرنسي – إسباني، والآخر روسي، فضيحة سياسية، ودلالة تخبط وعدم وضوح، أثار انتقادات عديدة، إذ صوتت على القرارين بنعم، فبدت دول كالسنغال وماليزيا أقرب إلى السوريين ومصالحهم من مصر الشقيقة!

شخصية مصر؛ عبقرية الزمان والمكان، التي تحدث عنها المفكر الراحل جمال حمدان، لا يعرف عنها السيسي ونظامه شيئًا، ومصر التي في خاطر العرب هي غير مصر الحالية، وعليه، فإن بعض المعارضة السورية التي تأمل من مصر لعب دور سياسي في حل الأزمة، هي الأخرى في الغالب قاصرة عن فهم التحولات الكبيرة التي جرت في العقود الأخيرة، وحوّلتها إلى دولة ضعيفة أمام جوارها ومحيطها الذي باتت تهدده دولة ليس كإسرائيل، إنما بحجم وقوة وتأثير أثيوبيا.

الأزمة في مصر ليست فقط أزمة نظام حكم، هي أزمة نُخب سياسية، يُدلّل على ذلك تهافت بعضها، وانحيازه لنظام بشار الأسد، وزيارته في دمشق المحتلة تحت حراب الإيرانيين والروس والمليشيات الطائفية، لتقديم الدعم والمساندة له.

اليوم، مصر محكومة بهاجس الأمن، وتخشى تهديدات “الجماعات الإرهابية”، ولا ترى في المشروع الإيراني خطرًا داهمًا عليها، وهي التي عقدت “صلحًا” مبكرًا مع إسرائيل، لتكون النتيجة شراكة مع نظام الأسد في تقاطع المصالح والأهداف على حساب الدور والأمن والسياسة والأخلاق.

مصر اليوم في حالة من انعدام الوزن وإلى حين، فهي لم تعد “تاج العُلا في مفرق الشرق”، كما وصفها حافظ إبراهيم، ولا “دراته فرائد عقدها”، بالاعتذار منه، ومن الراحلة أم كلثوم التي غنت قصيدته، ورددها الملايين من العرب في مرحلة من تاريخهم القريب.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]