معتقل بتهمة الدفاع عن معتقليّ الرأي
15 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016
تهامة الجندي
قبل أن يختفي أثر المحامي خليل معتوق في السجون السورية، أمضى أكثر من عشرين عامًا، وهو يدافع عن معتقلي الرأي، من الشيوعيين والناصريين والإسلاميين والبعثيين وناشطيّ حقوق الإنسان. ويُجمع كل من عرفه على تفانيه في عمله، وعلى نزاهته وأخلاقه العالية. اختفاؤه القسّري -بحد ذاته- ينسف كل ذرائع المعولين على الإصلاح في ظل حكومة الأسد الأمنية.
وفق معلومات الإنترنت، وُلد خليل معتوق عام 1959، في قرية المشيرفة التابعة لتل كلخ في محافظة حمص. بدأ نشاطه السياسي -مبكرًا- بانضمامه إلى جناح يوسف فيصل، في “الحزب الشيوعي السوري”، وفي عام 1987 انتسب إلى نقابة المحامين السوريين، وأخذ يزاول مهنته، لكنه انسحب عام 2000 من الميدان السياسي انسحابًا تامًا؛ لأنه بات يعتقد أن العمل في مجال حقوق الإنسان “يجب أن يكون منزهًا عن أي ميل أو هوى في السياسة، لأي اتجاه كان”، بحسب ما كتب عنه تلميذه وزميله المحامي ميشيل شماس.
تزامن قراره بالتفرغ للدفاع عن حقوق الإنسان، مع انتقال مقاليد الحكم في سورية إلى بشار الأسد، وحلول ما يُعرف بـ “ربيع دمشق” القصير، ومنذ تلك اللحظة؛ وحتى قيام الثورة، بإمكاننا أن نقرأ في سيرة خليل معتوق المهنية، حجم الإرهاب الفكري الذي مورس على المعارضة السورية؛ مع أن نشاطها في هذه المرحلة، تمحور حول قضايا التحوّل الديمقراطي ومفهوم “المجتمع المدني”، وارتكز على الأساليب السلمية والعلنية، في ظل حكومة تدعي الشروع بالانفتاح والإصلاح السياسي ومحاربة الفساد.
لم يكد محامي الرأي والضمير، أن يفتتح في منزله “مركز حقوق الإنسان”، في إطار منتديات الحوار التي انتشرت في سورية، بداية “ربيع دمشق”؛ حتى سارعت الأجهزة الأمنية إلى إغلاقه، وإغلاق جميع المنتديات الأخرى، واعتقلت أهم ناشطيّ “لجان إحياء المجتمع المدني”، ومنهم رياض الترك، وحبيب عيسى، وعارف دليلة، ومأمون الحمصي، ورياض سيف، وجميعهم أُحيل إلى محكمة أمن الدولة العليا، حيث شرع خليل معتوق مع عدد من زملائه المحامين بالدفاع عنهم.
وكان لخليل معتوق يد بيضاء في الدفاع عن الناشطين الأكراد في انتفاضة عام 2004، وعن معتقلي “إعلان دمشق-بيروت” عام 2006، الإعلان الذي دعا إلى احترام سيادة واستقلال سورية ولبنان، في إطار علاقات مُمأسَسة وشفافة، تخدم مصالح الشعبين في البلدين الشقيقين، فكان رد السلطات السورية على الإعلان، أن شددت القبضة الأمنية على الموقعين عليه، واعتقلت عديدًا منهم، من بينهم: ميشيل كيلو، وأنور البني، ومشعل تمو.
مع بدء الثورة السورية أخذ خليل معتوق على عاتقه الدفاع عن ناشطيها، ممن تحصدهم سجون النظام يوميًا، واستمر في الدفاع عنهم، حتى يوم اختطافه برفقة محمد ظاظا، في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2012، وهما في الطريق إلى مكتبه في دمشق، ومنذ ذاك التاريخ لا يزال محامي الحقوق المنتهكة مجهول المصير.
لم يُحل إلى أي جهة قضائية، ولم تصدر أي تهمة بحقه، ولم يُسمح لأي كان من عائلته وزملائه بزيارته، أو الحصول على أي معلومة بخصوص وضعه، ولا تزال السلطات السورية تنفي حادثة اعتقاله، وتستمر أجهزة النظام الأمنية في إنكار وجوده لديها، مع أن خليل معتوق مصاب بالتليّف المناعي في رئتيه، بنسبة ستين بالمئة، ويحتاج إلى الإشراف الطبي الدائم، لمنع تدهور حالته الصحية.
تقول تقارير المنظمات الحقوقية، إن بعض الذين أُفرج عنهم عام 2015، نقلوا إلى عائلة خليل معتوق، أنهم رأوه في أثناء مدة اعتقالهم في أماكن احتجاز مختلفة، تديرها الحكومة السورية، بما فيها فرع أمن الدولة 285، وفرع المخابرات العسكرية 235 في دمشق، حيث يموت نحو خمسة سجناء يوميًا، إما تحت التعذيب، أو من جراء الأمراض السارية؛ بسبب انعدام الشروط الصحية، ونقص الغذاء والمياه.
قضية خليل معتوق العادلة، وحياته المهددة بالخطر، أطلقت عددًا من البيانات والحملات الدولية للإفراج الفوري عنه. وتكريمًا لجهده في الارتقاء بسيادة القانون وحقوق الإنسان، منحته منظمة “محامون من أجل المحامين” الهولندية جائزتها، وهو داخل سجنه، لكن النظام السوري، الذي لم يعترف يوما بحق الرأي والاختلاف، لم يمنحه الحرية.
[sociallocker] [/sociallocker]