ميليشيا “الدفاع الوطني” واستيراد الثورة الإيرانية


عارف محمود

حاول النظام السوري، منذ بداية الثورة، تجيير كل حقيقة لصالحه، سواء بتزويرها أو بالتعمية عليها، لكن انتهاكات جنوده وعناصر مخابراته، كانت أفظع من أن يقدر على تزويرها أو إخفائها، مع سهولة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي استخدامًا مباشرًا وسريعًا؛ ما كشف وحشيته أمام كل السوريين، وأدى إلى اتساع رقعة المظاهرات في وقت قياسي على أغلب الأراضي السورية.

حاول النظام مساندة قواته الأمنية في قمع المظاهرات بعناصر مدنيّة، من “اللجان الشعبية” و”الشبيحة” الذين شكّلوا بعدئذ ميليشيات متعددة، مثل “الدفاع الوطني”، التي اكتسبت صفة قانونية أواخر عام 2012، “جمعية البستان”، التي تعمل كشركة حماية أمنية، ولاحقًا “صقور الصحراء” المتمركزة في اللاذقية وغيرها.

كان الالتحاق بمثل هذه الميليشيات -خلال عامي 2013 و2014- أفضل خيار بالنسبة للشباب في الساحل، لما قدمته من ميزات مادية ومعنوية، مقارنة بأحوال جنود جيش النظام.

تشير بعض التقارير إلى أن تعداد عناصر ميليشيا “الدفاع الوطني”، على جميع الأراضي الواقعة تحت سيطرة النظام، بلغ صيف عام 2015 نحو المئة ألف عنصر، منهم خمسة عشر ألفًا في اللاذقية.

الميزات المادية والمعنوية للالتحاق بتلك الميليشيات، كانت بمنزلة الفخ لاستدراج الشباب إليها، حيث تكشف قصص بعض المنتسبين إليها أنها محرقة لمن يدخلها.

كشف الشاب محمد علي 26 عامًا، من قرى جبلة، وعمل لحساب هذه الميليشيا في حقل الشاعر للغاز، في آب/ أغسطس 2014، أن ما حدث في الحقل، كان عبارة عن “بازار” بين تنظيم “داعش” و”جمعية البستان”، المكلفة بحماية الحقل، مقابل مبالغ مالية ضخمة تتلقاها من الحكومة السورية.

وأوضح محمد لـ (جيرون) أنه “لم يكد عناصر التنظيم يلوحون في الأفق، حتى انسحب عناصر الجمعية، تاركين الحقل بمن فيه من موظفين فريسة سهلة للتنظيم، وبعدها جرى استدعاء تعزيزات لاستعادة الحقل، وكنت أنا من ضمنها. مجموعة صغيرة لا تتعدى 20 شخصًا تابعة لـ (الدفاع الوطني)، وكانت النتيجة مقتل أغلب أفراد المجموعة”.

مع اشتداد ضراوة المعارك التي تخوضها قوات النظام، وخسارته لمساحات جغرافية واسعة، وانهيار جيشه، بدأت تعبئة هؤلاء المقاتلين عقائديًا من خلال الدعاية المحلية في الساحل لإيران، ثم بصورة أكثر تنظيمًا عن طريق “جمعية الرسول الأعظم”، والمدارس الشرعية التابعة لها، والتي بدأت تنتشر في مدينة اللاذقية وفي القرى الأكثر حيوية في ريفها، مثل القرداحة، اصطاموا، كرسانا، عين شقاق ورأس العين.

تزامنت تلك الدعاية مع بداية تدريب قادة، وعديد من عناصر ميليشيا “الدفاع الوطني” في إيران، ليظهر الهدف الحقيقي من تشكيل هذه الميليشيا في إنشاء ذراع عسكري ثان لإيران في المنطقة، رديف لذراعها الأول في لبنان، لكن يبدو أن الرياح لم تجر بالسهولة التي توقعها النظام، ومن ورائه “آيات الله” في إيران، حيث وقع الشبان الذين تدرّبوا في إيران في حالة مواجهة عقائدية مع ضباط الحرس الثوري المعروفين بانتمائهم لأفكار أيديولوجية متطرفة، على خلاف أبناء الساحل الذين نشؤوا في بيئة علمانية إلى حد كبير، ليس للانضباط الديني فيها كثير أهمية، فبدؤوا يدركون حالة الكذب والانفصام التام بين ما يروّج له النظام في أوساطهم، وما ينوي القيام به؛ ما دفع عديدًا منهم، من الذين خاضوا هذه التجربة، إلى الانسحاب من هذه الميليشيا.

يكشف الحاج محسن، الذي تلقى تدريبًا في إيران لمدة ثلاثة أشهر، أن التركيز في التدريبات هو الولاء لإيران بالدرجة الأولى، ثم سورية وحزب الله، بوصفهما محور الممانعة في المنطقة في وجه أميركا وإسرائيل، وأن الحلقات أو الدروس الفقهية التي تلقوها، ركّزت الحديث عن الخميني ونظرية “ولاية الفقيه”، وعن دور المؤمنين في المساهمة في ظهور “صاحب الزمان”، على حد وصف محسن.

وقال لـ (جيرون): إن هذه الأمور “لا تمت بأي صلة إلى الموروث الثقافي الديني والاجتماعي لعلويي سورية، الذين يعدون علاقة الإنسان بالخالق علاقة عرفانية صرفه، لا تحتاج فقيهًا ينظمها، وأن المهدي ليس بالضعف الذي يتطلب أنصارًا يقاتلون عنه”.

يراقب أهل الساحل ما يجري من تغلل إيران بينهم بكثير من الريبة، ولا زالوا يذكرون “جمعية المرتضى” التي أسسها -آنذاك- جميل الأسد، عم بشار، ونشطت في الثمانينات (1983 – 1981) وقامت بالعمل الدعوي لصالح مشروع إيران في المنطقة، ويذكرون فيما بينهم أن مشايخ العلويين الذين عملوا في إطارها لا زالوا منبوذين من الطائفة، لكن يبدو أن النظام الاستبدادي لن يوفر وسيلة في سبيل بقائه مهما كلف الثمن، حتى وإن كان الثمن اللعب بمصير الطائفة -كمكون سوري- التي يُروج في أوساطها أنه يحميها.




المصدر