العلاج بالموسيقى.. ولكل مرض مقام


لم تقف تطورات الطب البديل عند الأعشاب أو الحجامة والإبر الصينية، بل بلغت الموسيقى وبتخصصات علاجية، تعدت ببعض الحالات، ما عجزت عنه الجراحة، بيد أنها لم تجد، حتى الآن، إقبالاً ومقتنعين، على الرغم ممّا بدأ يقال عن أثر التداوي بالموسيقى، وتأثير كل مقام على عضو في جسم الإنسان، أو أن لكل مرض نغمة يستجيب لها دون أخرى.

في تركيا، أخذت “الفرقة الوطنية للموسيقى التركية” على عاتقها، إحياء ما برع به الأجداد، من طرائق العلاج بالموسيقى والتداوي بسماع المقامات، الذي كان مستخدماً في “دور الشفاء” في عهد الدولة العثمانية.

وأطلقت الفرقة التي تأخذ من مدينة “إديرنا” مقراً لها، حفلات سمتها “من المقام إلى الشفاء”، تفتتحها بموسيقى تدخل المستمعين في حالة الاسترخاء التي تسبق النوم، وذلك لتحريرهم من الضغوط والتوترات التي شهدوها، خلال اليوم، وحينما يغزو النعاس المستعمين، ينتقل العازفون بعد ذلك إلى فقرة تتضمن صوت دقات القلب، لتشعر المستمعين كما لو كانوا في بطون أمهاتهم، وتختتم الحفلة بموسيقى خاصة تهدف لبعث الطاقة في الحاضرين.

يقول مدير الفرقة ونائب رئيس جمعية العلاج بالموسيقى التركية، فاضل أتيك: “بدأ اهتمامي بالعلاج بالموسيقى منذ 10 أعوام، عندما عكفت على دراسة هذا النوع من التداوي الذي كان موجوداً في دور الشفاء خلال العهد العثماني، لألتقي بهذا الاهتمام مع كل من المغني خليل إرسوان، ولفنت أوزتورك، عضو هيئة التدريس في قسم علم وظائف الأعضاء بكلية الطب بجامعة تراقيا التركية”.

ويضيف أتيك خلال تصريحات صحافية، أنه وزملاءه توصلوا من خلال بحثهم إلى العديد من النتائج حول العلاج بالموسيقى، قبل أن يؤسسوا عام 2006 مع مجموعة من الفنانين، جمعية “دار الشفاء للبحث في الموسيقى وتطبيقاتها” لتبدأ منذ ذاك الفرقة، بتقديم حفلات موسيقية في المدن التركية، وفي اليونان وبلغاريا وغيرها من الدول المجاورة، لتتطور الفكرة ويؤسسوا جمعية “العلاج بالموسيقى”.

بدوره، يقول رئيس “جمعية العلاج بالموسيقى” لفنت أوزتورك: “قدمنا أكثر من 30 حفلة موسيقية في تركيا وخارجها، بهدف التعريف بالإمكانات العلاجية للموسيقى التركية”، موضحاً أن الدول الأوروبية، بدأت في الفترة الأخيرة في ملاحظة ما يمكن للموسيقى التركية التقليدية أن تقدمه في مجال العلاج، ويتلقى أعضاء الجمعية دعوات منهم للعمل المشترك في المجال.

ويرى مراقبون أن العلاج بالموسيقى لا يتعدى الأثر النفسي للمريض، الذي يشعر بالراحة لبعض الوقت ويتناسى الألم بفعل الموسيقى، لكن تلك التأثيرات، تزول ويعود الألم للمريض، بمجرد زوال تأثير الموسيقى، يؤكد متخصصون أن للموسيقى مفاعيل علاجية، وخاصة إن ترافقت مع العلاج الدوائي.

ويقول الطبيب النفسي محمد الدندل: “من الثابت علمياً أن الموسيقى تأثيرات علاجية من الناحبة النفسية، وتبين أنها تساهم في نمو أدمغة الأطفال بشكل إيجابي، وتزيد عدد ما يسمى بالمشابك العصبية لدى الإنسان، ما يساهم بتطوير مهاراته لاحقاً في أمور أخرى مثل الرياضيات”.

ويضيف لـ”العربي الجديد”، أن “التوجه الحديث في الطب النفسي حالياً، ينحو صوب ما يسمى العلاج الشامل، بحيث يكون مع العلاج الدوائي والعلاجات النفسية التقليدية مثل العلاج التحليلي والسلوكي المعرفي علاج بالموسيقى، وحتى للروحانيات دور مهم، إن ترافقت مع العلاج”.

ويبدو أن “العلاج بالموسيقى دخل تخصصات وطرائق، تُفقد أثرها وجدواها، في حال عدم التخصص”، بحسب ما قال لنا قائد فرقة بيتهوفن بإسطنبول، فيليكس بيرسينو. ويضيف: “الموسيقى بشكل عام، والمفضلة لدى كل مريض، تحدث راحة نفسية وربما استرخاء جسدياً وصفاء ذهنياً، وهي تستخدم لزيادة تأثير المخدر على المريض، قبل العمليات الجراحية، لكن العلاج بالموسيقى، أمر آخر”.

ويشرح قائد فرقة بتهوفن لـ”العربي الجديد”، كيفية مخاطبة الأحاسيس عبر الموسيقى وسرعة تأثيرها إذا ما قورنت بالعلاج الكيماوي، الذي يحتاج وقتاً لينتشر بجسم المريض، مشيراً إلى أن هذا التخصص انتشر بتركيا ويلاقي العديد من المرضى، حتى بإصابات فيزيولوجية خطرة، الراحة والتماثل للشفاء.

ويؤكد بيرسينو، أن لكل مرض أو عضو بجسم الإنسان، مقاماً موسيقياً محدداً، فمقام “الرست” هو الأنجع لمعالجة مرضى الشلل وبث النشاط في أجسادهم، ومقام “البيات” لمرضى ارتفاع الحرارة و”الرهاوي ” للمصابين بالصداع ومقام “الزنجران” لمرضى القلب و”الحسيني” لآلام المعدة.

ولفت إلى أن العثمانيين عرفوا هذا التخصص الطبي، وإن لم يرجعوه لمبررات علمية ومنطقية، ولكن، بعد تأسيس “جمعية العلاج بالموسيقى” بتركيا، منهج رئيسها، لفنت أوزتورك، هذا التخصص وألف كتاب “من المقام إلى الشفاء” عام 2009، حول تفاصيل المعالجة بالمقامات الموسيقية.



صدى الشام