بوتين ينسق وأردوغان لعقد منصة آستانة!


جيرون

من المفيد للسوريين إعادة تقييم المرحلة السابقة، والتعاطي مع وقائع الأرض، لا مع الأمنيات، فما جرى في حلب سيقود إلى مرحلة جديدة مُختلفة كليًا، ولعل ما قدّمه الاتفاق الروسي – التركي، حول خروج الأهالي والمقاتلين من الأحياء الشرقية لحلب، هو أكثر المنعطفات السياسية والميدانية التي تستحق التأمل.

إذ يبرز -هنا- ما قاله الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في مؤتمر صحافي عُقد في طوكيو، أثناء لقائه مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي: “يجب العمل في المرحلة المقبلة على التوصل لوقف إطلاق النار في كل سورية، والعمل على إيجاد حل سياسي”، وأوضح بوتين أنه اتفق ونظيره التركي، رجب طيب اردوغان، على اقتراح يُقدّم “للأطراف السورية المتنازعة، لإجراء مفاوضات على منصة سلمية. نحن (بوتين) من طرفنا عن الحكومة السورية، والرئيس التركي عن المعارضة المسلحة”. واقترح بوتين أن تكون العاصمة الكازاخية، آستانة، مكانًا للمفاوضات.

من الواضح أن الروس بدؤوا بإعادة تقييم ما قاموا به في سورية، وهذه اللهجة السياسية للرئيس الروسي، تنطوي على أهداف استراتيجية، تعمل موسكو على استثمارها، وبغض النظر عن حقيقة الأهداف الكامنة وراء ذلك، يمكن ملاحظة بعض التفاصيل، منها:

محاولة إيران والنظام السوري عرقلة الاتفاق الروسي – التركي حول حلب في أولى مراحله، حينما استهدف قنّاصو النظام بعض قوافل المرضى والجرحى، إلى أن تدخلت موسكو وأعلنت أنها الضامنة، دافعةً ببعض ضباطها إلى المعابر، متعهدة بمعاقبة من يخرق الهدنة.

ما حصل في تدمر أخيرًا، من عودة تنظيم الدولة (داعش) إلى المدينة، يُمكن وضعه ضمن المشهد الكلي أيضًا، وبحسب معلومات صحافية روسية، فإن أجهزة الاستخبارات السورية كانت تشاهد عناصر التنظيم وهم يتمركزون للهجوم، وأن “القيادة السورية” على علم بذلك، وعندما وقع الهجوم، “وبعد الطلقات الأولى من عناصر (داعش)، ألقت قوات الأسد أسلحتها، وتركت آلياتها العسكرية وهربت من تدمر”، والقوات السورية (الباسلة) بالكاد تمكنت من إيقاف تقدم التنظيم بالقرب من مطار التيفور غربيّ تدمر.

يرى الباحث السياسي محمود الحمزة في حديث لـ (جيرون): أن “روسيا تُفكّر الآن جديًا بالحل السياسي، وتصريحات المسؤولين والخبراء الروس، تؤكد قناعة موسكو بأن الحرب ليست هي الحل”، فروسيا “تورطت في سورية، وتريد الخلاص مع المحافظة على ماء الوجه”.

وأضاف الحمزة أن “هناك أنباء عن تقديم موعد الانتخابات الرئاسية الروسية، إلى آذار/ مارس 2017، بدلًا من 2018؛ ما يدل على تخوف القيادة الروسية من تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وقلق وتوتر بين الناس”.

ويُشير إلى أن الروس “يشككون في قدرات جيش الأسد”، ويستشهد بما قاله بوتين أخيرًا عن جيش النظام السوري: “آمل للغاية، أن يتمكن من البقاء مسيطرًا على حلب”، كما أن المحلل السياسي الروسي المعروف، نيكولاي كوجانوف، ألمح إلى “عدم قدرة الجيش السوري على المحافظة والتمسك بالأماكن”؛ ما يُحتّم على موسكو “تبني حلّ عقلانيّ وحيد، وهو أن وقت الحرب انتهى، ويجب إحياء الحوار الدولي البنّاء حول سورية”،  ويضيف المحلل الروسي، أن حوادث الأيام العشرة الأخيرة في سورية -حيث نجح خلالها جيش النظام السوري بدعم موسكو في حلب، وخسر في تدمر، على الرغم من الدعم الروسي- “تثبت قضية أساسية: روسيا تأكدت من قدرتها في التأثير على الوضع السوري، ولكن على أن يكون لاستخدام القوة سقف”.

استخلص الحمزة، المقيم في موسكو، بعد لقاءاته مع خبراء روس، وعضوًا في المجلس الفيدرالي الروسي (مجلس الشيوخ)، أن هنالك “ارتباك في روسيا بعد حلب، مع شعور بأن من سيطر على المدينة ليس النظام، بل إيران وميليشياتها الشيعية الداعشية”، وأكّد أن الروس “قلقون من تحول المعارك في سورية إلى حرب عصابات، ما يؤدي إلى استهداف مواقعهم وقواتهم، ولديهم شعور أن استعادة (داعش) لتدمر فيها لغز، وغير مُقنعة، وهناك من يرى أيضًا أن روسيا تورطت في سورية، والقادم أعظم”. ومن هنا يتوجب برأيه “على المعارضة، فتح قنوات اتصال مع روسيا، بعد أن تتحد سياسيًا وعسكريًا”. التطورات السياسية والميدانية الأخيرة، تُحتّم على الجميع إعادة قراءة المشهد من زوايا مختلفة.




المصدر