حوار “الوطن” تحت سقف الوطن

19 ديسمبر، 2016

محمد العويد

مهيبة هذه الصحافة، لولا حجم الارتزاق المُهدد لهيبتها، وجليلة صاحبة الجلالة، لولا نزول بعضها عند أقدام الديكتاتوريات صاغرة، ومُصفّقة وناكثة لعهود صاحبة الجلالة.

لا “مانشيتات” لحديث الأسد لصحيفة “الوطن”، باستثناء حلف الأصدقاء وبعض مرتادي الفيسبوك؛ تعليقًا على ظاهرة التعفيش، التي برّرها الأسد، وشرح إشكاليتها وعواملها الأخلاقية، ولا مسؤولية القيادة عنها.

وكالات الأنباء لم تكترث، لعله ما زال فيها من يُميز بين عناوين التحولات وعناوين الثرثرة المُكرّرة، طالما الأسد يتحدث عن استمرار المعارك في حلب، فيما عناوين وكالات الأنباء ركزت -في اليوم التالي- على حديث مسؤول روسي عن وقف المعارك، لهذا بدا حديث الأسد عن التشاور والندية في علاقة سورية ونظامها مع روسيا بعيدًا عن حدود التصديق؛ إذ لم يعرف تاريخ سورية المعاصر، ارتهانًا لحضن خارجي، كما يحدث اليوم مع الروسي، والأكثر فجيعة استمرار التغني والرقص على أنغام الحضن السيبيري.

يُعدّ الحديث لصحيفة محلية، موجهًا للداخل، لكنه بدا مسكونًا بالخارج، وتحالفاته وتفسير مؤامراته ونهايتها، و”شروط الأسد” لتحالفات جديدة قد تشهدها العواصم الدولية.

لم تقل “الوطن” للأسد، بافتراض أنها ناقلة لهموم الشارع السوري، أو بعضه على الأقل، “اكسر يا ظاهر”، كناية عن حجم المزاودات التي عرضها الأسد. ليتها صارحته بأنه أسد من ورق أمام الكبار عندما يتطاول عليهم، إن كان ذلك غير ممكن، فلتسأله إن كان يعرف الفرق بين المسموح والممنوع في اللعب الدولي، لحين انتهاء دوره، وبينهما تسمينه لتكون نهايته “محرزة”.

قد نوافق معه، بوصفنا قُرّاء المقابلة، على أن ثمة مؤامرة على الشعب السوري، لكن كيف نقتنع بمزاحه الثقيل عن عروض إقليمية ودولية لرحيله. عروض سبق أن أشارت لها زوجه أسماء، ولم نسمع ردودًا دولية أو إقليمية نافية أو مُصححة أو حتى مُعلقة. حسنًا، لنوافق على أن دول الإقليم العربي عرضت، وهو رفض، لكن كيف نوافق على العرض الأميركي، الذي أشار له صراحةً دون تلميحات. ثقيلة كثيرًا، يعني “مجنون يحكي وعاقل يسمع”.

لنبقَ داخل الدائرة، ونقول: أنت خرجت من لبنان، بدون عسكر أميركي، كلّفهم الأمر هاتف “بنبرة عصبية”، وقبل لبنان خرجتم من الأردن مهزومين أيضًا بهاتف، وأمس فقط خرجتم عُراة إلى حدود بيروت، قبيل الاتفاق الروسي – الأميركي على تسليم السلاح الكيماوي. أنت وكلنا يعرف أن ما تقوله “خرط” محلي فلا تُكبّر الأمور.

ثلاثة صفحات داخلية ورابعتها، افتتاحية في حضرة الرئيس، ذكرتني بإحدى صحف “القومجيين” العرب، قبل الربيع، حين أفردت صفحاتها للرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وبعد أيام أو أشهر، وإذا بالثورة تشتعل هناك.

كل صحافي لديه قناعات تتشكل من هيمنة الأنظمة، والاعتياد والانسياق معها، لكن في ضيافة “الرئيس”، جاءت كقصيدة شعر، ويجوز الشعر في الافتتاحيات أصلًا ـ رطّبت اللقاء الجاف والمُعاد، وعادت بخيالنا إلى تقاليد الملوك والرعية، حتى إن كانوا صحافيين، فما أصعب أن تقرأ افتتاحية لصحيفة، تقول إنها “مُستقلة”، تُمجد وتتماهى وتُطبل، وتحمل هموم السوريين، ولا تقدم ما لم يقله “سيادته”، فتكشفه الافتتاحية بحس الجلالة. “اعطيها معلم، أصلًا هيك عالم بده هيك مقابلات وافتتاحيات، اعطيها”.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]