في ضرورة التبرؤ من الجماعات المتطرفة
19 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016
عبد الله تركماني
خلال الحملة الدموية على الأحياء الشرقية من مدينة حلب، مارست قوات سلطة آل الأسد، والميليشيات المذهبية المتعددة الجنسيات المدعومة من إيران، جرائم حرب ضد الإنسانية بهدف بث الذعر بين الأهالي وإجبارهم على النزوح، في إطار خطط النظام وإيران لاستلام المدينة فارغة من المقاتلين والسكان. وفي غضون ذلك، يتواصل نزوح المدنيين من الأحياء الشرقية المحاصرة باتجاه المناطق التي سيطرت عليها قوات سلطة آل الأسد وحلفاؤها، في شمال شرقي المدينة، وسط أنباء عن إعدامات ميدانية ترتكبها قوات النظام بحق عدد منهم واعتقال آخرين. وقد قال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة روبرت كولفيل، في إفادة صحافية في جنيف في 9 كانون الأول/ديسمبر الجاري، إنّ مئات الرجال اختفوا بعدما تركوا الأحياء الشرقية.
إنّ القتل والتدمير يحصلان تحت أنظار العالم، ولا تواجه المساعي الروسية والإيرانية لإخضاع المدينة أي تحرك دولي فاعل، في ظل ما يبدو رضوخًا دوليًا لمخطط إفراغ حلب من المدنيين والمقاتلين، على حد سواء. فقد أظهرت الطروحات التي شهدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 9 كانون الأول/ ديسمبر، محدودية قدرة المجتمع الدولي على التأثير أو الضغط على النظام السوري وروسيا وإيران ودفعهم إلى وقف الحملة التي تتعرض لها حلب؛ ما يشير إلى “كارثة من وجهة نظر القانون الدولي”؛ ما سيزيد من عمق الهوة الطائفية التي افتعلها النظام، وسيغذي قاعدة الجماعات الجهادية المتطرفة.
ولا شك في أنّ اعتداء الفصائل العسكرية على بعضها، وسلب مستودعات الفصائل الأخرى، يُعدّ أهم أسباب الانهيار الداخلي؛ ما يدلل على النخر والتعفن لدى هذه الفصائل، بل ويطرح السؤال جديًا عن الهدف من أفعالها، خصوصًا أنّ بعضها ينسحب انسحابًا غير مبرر أمام قوات سلطة آل الأسد والميليشيات الطائفية.
ومن هنا؛ ثمة ضرورة سياسية تقع على المعارضة، وهي التبرؤ الكلي من أي جماعات جهادية متطرفة، تتناقض مع أهداف الثورة ومصالح السوريين، ولها أهدافها الفئوية، والتي لا تتطابق مع أهداف الشعب السوري في الحرية والكرامة، وتستقي قوتها من الفوضى العارمة في الثورة السورية.
إنّ المستقبل السوري أمام احتمالين: الذهاب نحو حل سياسي ينصف المناطق المتضررة من دمار سورية ويفتح الأفق أمام تحقيق أهداف الثورة، فمثلما حلب نقطة مفصلية في المقتلة السورية، يمكنها أيضًا أن تكون محطة للانتقال إلى البحث الجدي عن حل سياسي. لقد حان الوقت للتفكير في مقاربة جديدة تنقذ ما تبقى من سورية، وتسخِّر الإمكانات لمحاربة وحش التطرف الزاحف على الجميع، بما يضمن بالضرورة تحجيم إيران وسيطرة روسيا على سورية. أو حل يتجاهل حقوق الأغلبية الشعبية في سورية، ويستكمل حصار ودمار بقية المناطق أو إجراء مصالحات معها. ولن يشكل هذا الأمر بيئة آمنة للاستقرار السياسي في الشرق الأوسط، وسيفتح المجال لحروب مستمرة من الجهاديين وغير الجهاديين، وقابلية للتفجر، حيث ستكون قوات النظام هي المتحكمة، أو ستكون مليشيات إيرانية مرفوضة شعبيًا هي المتحكمة.
في كل الأحوال، إذا كانت سورية سوف تولد من جديد، بفعل الثورة والمقتلة التي انتهت إليها، فالأرجح أنّ رأس النظام سيبقى جزءًا من ماضي سورية، وليس من مستقبلها. فبعد كل ما حصل هل يقبل غالبية السوريين أن يحكمهم رئيس وصل إلى الحكم بالطريقة التي وصل بها، لينتهي به الأمر إلى الاستعانة بقوات ومرتزقة أجانب؛ لتثبيت حكمه فوق جثث مئات الآلاف، وعلى أطلال دمار حوّل أغلب مدن وقرى سورية إلى أشباح؟
إنّ الشعب السوري الذي انفجر بثورة شكلت أنموذجًا لإرادة شعب، كسر جدران الخوف، وأنشد للحرية، لن يعود إلى زمن الظلمات، مهما كانت قوة البطش.
[sociallocker] [/sociallocker]