لماذا طردت الصحفية السويدية من سوريا .. وكيف سخرت من الأسد ؟
19 ديسمبر، 2016
باريس – ميكروسيريا
طردت سلطات بشار الأسد مراسلة الإذاعة الوطنية السويدية ،سيلينا أودين، من الأراضي السورية بعد إلغاء تأشيرتها في 15 كانون الأول ديسمبر، بدعوى أن تغطيتها للأحداث من دمشق وحلب، تنطوي على نشر ما وصفتها السلطات بـ “المعلومات الكاذبة”، ما اضطر الصحفية السويدية إلى مغادرة البلاد إلى العاصمة اللبنانية بيروت، حيث هي متواجدة الآن.
وقالت الصحفية السويدية، التي عملت في سوريا، إن النظام لا يسمح إلا للإعلام الموالي والموجه “أن يبث قصصا محصورة ومحاصرة تؤكد رواية النظام وحده فقط”.
ونقلت قصة الصحفية سيسيليا أودن، صديقتها الصحفية في “يديعوت أحرونوت”، سمدار بيري، في العدد الصادر،اليوم ” الاثنين”.
وتروي بيري أنه “من بين ثمانية ممثلين لوسائل الإعلام الأجنبية ممن تلقوا من الحكم السوري تأشيرات دخول وأذون عمل، لرفع التقارير عن القتال في حلب، كانت سيسيليا أودن، المراسلة القديمة وكثيرة الجوائز للراديو والتلفزيون في ستوكهولم، والتي تسكن في القاهرة، وعملت في مناطق مختلفة في الشرق الأوسط، كان آخرها حلب، التي وصلت إليها الأسبوع الماضي”.
ورافق أودن، مثل باقي زملائها، مرافق من وزارة الإعلام، قدم نفسه كمعلم رياضيات، ويتمثل دوره، “مثلما تسير الأمور في الأنظمة الدكتاتورية بالوشاية: أين تتجول أودن، من نجحت في إجراء المقابلات معهم، وعما توشك أن تكتب تقاريرها”، بحسب تعبيرها.
ووصلت أودن والسائق والمرافق إلى غربي حلب، وعندها تلقوا أمرا بعدم الخروج من الفندق، وأن يكونوا مغلقين ومنغلقين حول شجرة السرو المزينة بالأضواء الملونة التي أقاموها، في قاعة فندق سبحا، كما أنه طلب من الصحافيين الانتظار إلى أن يقرر الأسد رفع الحصار عنهم أيضا وأن يأخذهم الموظفون إلى جولة النصر، فلم يكن “ينقص الأسد أن يتجول الصحافيون والمصورون في المدينة المقصوفة وأن ينقلوا إلى العالم قصص الفظاعة”.
الصحفية تسخر من بشار الأسد ونظامه!
وتساءلت بيري ساخرة: “ماذا يفعل صحافي محبط حين يضغط مسؤولوه عليه؟”، موضحة أنه “يصور ما يراه من نافذة غرفته التي تطل على الأحياء المقصوفة من حلب، يسترق من خلف ظهر المرافق ويخرج للبحث عن الفارين، يوثق قصصهم الممزقة للقلب، ويرفع إلى البث وإلى الشبكات الاجتماعية كل ما ينجح في جمعه”.
وسخرت بيري بقولها إنه “بينما تتجول الصحافة الأجنبية بيدين مقيدتين، نشر بشار الأسد مقابلتين صحفيتين يشكو فيهما ضمن أمور أخرى من الصحفيين الذين يعالجون “من بعيد” قصة حلب، ويمجدون معارضه فقط، ويلوثون صورة حكمه “المتنور” و”الإنساني”، وذلك بدلا من الوصول إلى الميدان.
وبحسب ادعاء الأسد، وقصته الحقيقية، وروايته العنيدة، فإن “مئة ألف عائلة بقيت في حلب أصبحت رهينة في يد عصابات الإرهاب”، وإن “الجيش السوري خرج إلى المدينة الكبيرة كي يحمي سكانها”.
تهديد ثم إبعاد
والثلاثاء ليلا، حين هدد اتفاق الإخلاء الأول بالانهيار، استوعبت أودن بأنها باتت مستهدفة. فقد حذرها المرافق بأنهم “في دمشق غير راضين عن تقاريرك”، وأخذها ممثل الحكم من الشارع وطلب فحص العتاد والبث.
وفي صباح اليوم التالي جمدوها من الجولة التي نظمتها وسائل الإعلام للصحافيين في ضواحي حلب، بعيدا عن الأحياء المحاصرة، وعندها جاءت إلى غرفة أودن ممثلة الحكم وأعطتها محاضرة طويلة عن كيف ينبغي أن يعمل صحفي أجنبي ينال معاملة خاصة، بعد أن منح تأشيرة الدخول والعمل في داخل سوريا.
وعند الظهر هبط عليها أمر إبعاد، قائلة: “طلبوا مني أن اغادر سوريا على الفور، وأبلغوني بأنه محظور علي البث، وأخذوا التأشيرات، واتهموني بنشر معلومات كاذبة وأفهموني بأني أثرت أعصابهم، ولم يجدِ نفعا احتجاج السفير السويدي في وزارة الخارجية السورية، ولا الشكوى الحادة لمديرة الراديو والتلفزيون في ستوكهولم”.
وعندها، اتخذت أودن سيارة عمومية، وقررت أن المسار الأقل خطورة بالنسبة لها هو الوصول قبل كل شيء إلى دمشق وبعدها تغيير السيارة ومواصلة الطريق إلى بيروت.
وتروي صديقتها: “هي بالطبع غاضبة، محبطة، خائبة الأمل، فمن حاجز خروج نازحي حلب نجحت في أن تنتزع شهادات مقلقة من الفارين، ورفعت في نهاية الأسبوع إلى البث في الراديو وفي التلفزيون، وفتح إبعادها جدالا عاصفا بين الموالين للأسد ومعارضيه.. إلى أي عمق مسموح للصحافيين، إذا كان ممكنا على الإطلاق النبش في جروح سوريا؟ وكيف يمكن ربطهم بأساليب أكثر ذكاء لحملة بقائه؟”، بحسب تعبير صديقتها بيري.
“مراسلون بلا حدود” تُعلق
وفي تعليقها على قرار طرد الصحفية السويدية، أدانت ألكسندرا الخازن، مديرة مكتب الشرق الأوسط في منظمة “مراسلون بلا حدود” قرار السلطات السورية قائلة: “نحن نأسف لطرد المراسلة التي كانت من الصحفيين المعتمدين لدى الحكومة السورية”.
واعتبرت الخازن: أن قرار إبعاد الصحفية السويدية بسبب تغطيتها للأحداث الجارية في سوريا، يُظهر بجلاء رغبة الحكومة في السيطرة على المعلومات التي تخرج من البلاد، مؤكدة في الوقت ذاته أن منظمة “مراسلون بلا حدود تحث السلطات على السماح للصحفيين بتغطية الصراع في سوريا بحرية“.
بدورها، أصدرت الإذاعة الوطنية السويدية بياناً أعربت فيه عن احتجاجها حيال طرد مراسلتها، مستنكرةالطريقة التي عوملت بها الصحفية. كما أدان رئيس الوزراء السويدي قرار “الحكومة السورية”.
ووفقاً لتقارير للمنظمة الدولية “مراسلون بلا حدود لحرية الصحافة”، تعتبر سوريا البلد الأكثر خطورة على الصحفيين المحترفين منهم وغير المحترفين، حيث قُتل ما لا يقل عن 62 صحفياً و152 مواطناً صحفياً ومعاوناً إعلامياً منذ عام 2011، علماً أن أعداد الصحفيين الأجانب تراجعت بشكل مهول على مر السنين الأخيرة بسبب صعوبة الحصول على الاعتماد من السلطات أو التنقل بحرية للقيام بالتغطية الميدانية ولكن أيضاً خشية التعرض للخطف على أيدي الجماعات المسلحة المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد، حيث يوجد ما لا يقل عن 26 من الصحفيين والصحفيين-المواطنين (والمعاونين الإعلاميين) في عداد الرهائن المحتجزين لدى الجماعات المسلحة في سوريا، بينما يقبع 288 آخرون في سجون النظام السوري.
وتأتي سوريا في المرتبة 177 (من أصل 180 دولة) على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2016، الذي نشرته مراسلون بلا حدود في وقت سابق هذا العام.