المجالس المحلية بإدلب تجربة تتلمس طريقها نحو مستقبل أفضل

20 ديسمبر، 2016

بادرت معظم المناطق في محافظة إدلب إلى تشكيل هيئات تحت مسمى المجالس المحلية وذلك بعد خروجها من قبضة النظام، وقد اتخذت هذه المجالس طابعًا وحضوراً سياسيًا أحيانًا إلى جانب اضطلاعها بالمسائل الخدمية فتضاربت الآراء حول جدوى عملها ومدى تمثيلها للناس.

وكانت المجالس المحلية نشأت كضرورة ملحّة اقتضتها الحاجة الاجتماعية بهدف سد الفراغ الذي خلفه غياب الدولة، ولإتاحة الخدمات المدنية للسكان بأفضل وأسرع وسيلة، ومن بين التجارب السورية في هذا الإطار تبرز محافظة إدلب كنموذج لبقية المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.

مراحل ونماذج

تعود فكرة المجالس المحلية في إدلب إلى 2012 حين بدأت بشكل مبسط عبر ناشطين بادروا لتنظيم العمل الإداري ومتابعة الأمور الإغاثية عن طريق التواصل مع المنظمات التي افتتحت مكاتب لها بتركيا، ولم تكن تستطيع العمل في الداخل إلا عن طريقهم، ثم تم بلورة الجهود وتوجيهها بهدف تقديم الخدمات في المناطق المحررة من مياه ونظافة وصيانة لشبكة الكهرباء، تلى ذلك تطورها في مراحل التشكيل والتنظيم وحتى تقديم الخدمات لتنمو بعدها إلى فكرة الإعداد لمشاريع.
لكن الأمر لم يقف هنا كما يقول المحامي “محمد العارف” عضو المكتب التنفيذي لشؤون المجالس والخدمات بمحافظة إدلب لـ “صدى الشام” إذ إن بعض المجالس ارتقت إلى فكرة التخطيط الاستراتيجي عقب إشراك الكوادر المؤهلة التي جعلت المجالس تقوم بدور فعال لاسيما بمدن (معرة النعمان، كفرنبل، سراقب، سرمدا، الدانا) التابعة لريف إدلب.
ولفت “العارف” إلى أن نسبة 85%من المجالس تم تشكيلها وفق اللوائح التنظيمية الصادرة عن الحكومة السورية المؤقتة بإشراف مجلس محافظة إدلب، مضيفاً أن آلية تكوينها واحدة إما بالتوافق أو بالانتخابات سواء كانت بلدة أو مركز مدينة، لكن تشكيل المجالس في البلدات الصغيرة بالتوافق يكون أكبر، إذ يصعب ذلك كلما كان عدد الناخبين أكثر، في حين أن الاختلاف بين بلدة أو مدينة يقتصر على أعداد أعضاء المجالس والمكاتب التنفيذية.
وعند سؤاله عن سبب غياب المجلس المحلي في مدينة إدلب وإذا ما كان ذلك يؤثر على مصداقية عملهم أمام سكان المنطقة قال “العارف: “الكل يعلم أن مدينة إدلب جرى تحريرها حديثاً، ومنذ فترة يسعى مجلس المحافظة مع الناشطين في إدلب لتشكيل مجلس محلي، وقد عُقدت عدة اجتماعات مع الفعاليات المدنية وذهبت الآراء لاتباع آلية الانتخاب، ولكن الظروف المحيطة أخّرت هذا العمل، ومن المؤكد أن وجود مجلس المحافظة فيها لا يُغني عن إقامة مجلس محلي خصوصاً مع إمكانية الاستفادة من تجارب المجالس المحيطة به”.

“المجالس المحلية مؤسسة مدنية غالبًا ليس لها علاقة بأمور العسكرة والكتائب، إنما تعنى بتأمين طلبات الناس وحاجياتهم وتحاول تأمين البنى التحتية في المناطق المحررة، فهي بديل عن حكومة النظام ودوائره” تعريف عام ينطبق على مجمل المجالس المحلية في الأراضي السورية المحررة على اعتبارها من أهم إفرازات الثورة السورية التي تحاول النهوض بذاتها كي تأخذ هيئاتها مكانها في المستقبل القريب وتصبح أداة تفاوض بين جميع الأطراف داخل وخارج سوريا.
أمرٌ أكدته رئيس المكتب القانوني- نائب الرئيس للشؤون الإدارية بمدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي بقولها: “بالنسبة للمجالس المحلية فقد حلت فعلياً مكان الدولة وحققت السلطة اللامركزية كحل ارتضاه السكان بعد أن استدعت الضرورة وجودها لتقديم الخدمات كافة وتنظيم أمور المناطق مدنيًا لأن هذا ما يهم السكان لحل مشاكلهم كافة وخاصة التنظيمية، وهذه المجالس هي جزء من كيان سياسي مبهم نوعًا ما ستتضح معالمه في الفترات القادمة”.
بدوره أشار رئيس المجلس المحلي في كفرنبل “مصطفى علي الشيخ” إلى أن مجلسهم في الوقت الحاضر خدمي، وهو يملك مستقبلًا كل المؤهلات كي يكون سياسي من الشرعية والكفاءات السياسية والقانونية بحيث يستطيع أن يتكلم باسم المواطن ويتفاوض مع أي جهة داخلية أو خارجية بالتعاون مع جهات مسؤولة أخرى غير مدموجة بمجلسنا من كتائب عسكرية ومنظمات مدنية غير حكومية تدعم الثورة السورية”.

تحديات أضعفت أداء المجالس

أثّرت صعوبات عدة سلبًا على عمل المجالس المحلية من أبرزها ضعف القدرة على التنفيذ، وغياب الهياكل التنظيمية واضحة المسؤوليات والصلاحيات، بالإضافة لعدم وجود معلومات دقيقة يمكن الاعتماد عليها عند الحاجة لرسم خطة عمل، فضلاً عن الافتقار إلى آلية اتخاذ قرارات.

في السياق ذاته أوضح “الشيخ” أن:” التحديات كثيرة منها أمنية من طيران وقصف وأخرى مادية كحجم الأموال الكبيرة التي تدفع على النظافة والصرف الصحي وشبكة المياه مع عدم تعاون المواطن عند تسديد الرسوم المترتبة عليه، وعدم وجود منظمات داعمة لتلك المشاريع بالإضافة إلى تغيُب معظم الأعضاء عن الدوام كون العمل تطوعياً، وهذه التحديات تواجهها معظم المجالس المحلية بإدلب وسواها”.

آلية الانتخاب وشروط الترشح

يتم انتخاب المجالس المحلية في إدلب بشكل دوري كل سنة، وفي حال تعذر إجراء الانتخابات يُمدّد للمجلس مدة شهرين، باستثناء المجلس المحلي بكفرنبل الذي ينص نظامه على قواعد أخرى.
عن ذلك قالت “سعاد الأسود” رئيس مكتب المرأة والطفل في المجلس المحلي بكفرنبل :” كل 3 أشهر تجري انتخابات جديدة يتم خلالها الترشح والتصويت لكل عضو من الأعضاء ومعهم الرئيس، وتوزيع المناصب. إلا أنه وعند تردي الأوضاع الأمنية أو التعرض لضغوطات يتم تمديد الفترة للقدامى على ألا تتجاوز 3 أشهر”.
وبهذا السياق نوه رئيس المجلس المحلي في كفرنبل “مصطفى علي الشيخ” إلى ما تم مؤخراً من تشكيل جديد للمجلس أدى لتغييرات في المهام وجرى على إثره إحداث مكتبين جدد (مكتب الرياضة ومكتب تمكين المرأة).
وأضاف:” تمّ تعييني رئيسًا للمجلس إضافة لبقية الأعضاء عن طريق الانتخاب غير مباشر، فهناك هيئة منتخبة من قبل معظم أهالي كفرنبل مؤلفة من سبعة أعضاء ويطلق عليهم الوجهاء هي من اختارت الأعضاء.
وأوضح “الشيخ” أن الاختيار جرى وفق المعايير الجديدة المتعارف عليها من شهادة جامعية وحسن السيرة وعدم الانتماء لأي فصيل عسكري. وعلى هذا الأساس تم اختيار 28 عضوًا ذوي كفاءة وخبرة ممتازة مع اشتراط القبول الاجتماعي، بينما كان الاختيار سابقًا بمثابة تمثيل شرفي يحدده الوجهاء.
من جانبها شرحت نائب رئيس المجلس المحلي للشؤون الإدارية في معرة النعمان كيفية انتخاب مجلسهم وانتقاء أعضائه موضحةً أنه: “تم انتخابه بطريقة تضمن اشتراك كل الفعاليات المدنية والحقوقية والمحكمة الشرعية ولو بشكل محدود نظرًا للوضع الأمني للبلد. فإذا أعلنا أمام الناس عن اقتراع عام سيتعرض الناخبون للقصف لأن كل تحركاتنا مكشوفة للنظام”.
وأضافت :” نحن نعلن عن تشكل لجنة تحضيرية وندعو مندوبين عن كافة الفعاليات المدنية وهم ينتخبون هيئة منهم بحدود سبع أعضاء وعضوين ثابتين عضو حقوقي وعضو عن المحكمة”.
وأشارت إلى اختيار الأشخاص يجب أن يكون وفق شروط معينة كأن يتجاوز الخامسة والعشرين من العمر، وغير محكوم بجرم شائن أو إساءة أمانة، وألا ينتمي لفصيل عسكري، وأن يتمتع بالأهلية القانونية، ويكون من أهالي المدينة الأصليين، إضافة لامتلاكه شهادة علمية وخبرة تناسب المكتب الذي يطلب الترشح إليه.

المكاتب النسائية خطوة جريئة

منذ بداية الثورة كانت المرأة السورية إلى جانب الرجل في شتى المجالات للنهوض بمجتمعها وقد سجلت حضورها بشكل مباشر وغير مباشر في الدوائر المدنية المتوزعة على مجمل الأراضي المحررة ومن بينها المجالس المحلية في محافظة إدلب.
وبهذا الخصوص قالت “سعاد الأسود” رئيسة مكتب المرأة والطفل في المجلس المحلي بكفرنبل :”أنهن منذ فترة من الزمن كنّ يعملن مع المجلس بشكل غير مباشر، وقد ناقشن حينها إمكانية إنشاء مكاتب نسائية دائمة فيه، لكن بعد 3 أشهر توقف الدعم”.

وتابعت: “كفريق نسائي بقينا نعمل تطوعًا 3 أشهر أخرى فالنساء يطلبن منا أية خدمة أو شيء يحتاجونه، ومع أن عملنا مع المجلس انتهى لكننا نتابع مطالب النساء ضمن إطار عملنا بعيدًا عن المجلس، وفي التشكيلة الحالية الجديدة نسبيًا اقترح علينا أعضاء المجلس ووجهاء المدينة الانضمام للمجلس المحلي وتكوين مكتب لتمكين المرأة والطفل وهذا ما حصل فعلاً”.
واعتبرت ” الأسود” تشكيل المكتب خطوة إيجابية ممتازة تتيح العمل للنساء الكفوءات، معربة عن أملها أن يكون هنالك في القريب تطويرات تشمل مكاتب نسائية لكافة مجالات المجتمع.

بين السلبي والإيجابي

لم تعكس آراء الناس الذين استطلعتهم صدى الشام رضًا تامًا عن عمل المجالس مع الأخذ بعين الاعتبار عدم دراية بعض الناس جهل بطبيعتها وعملها.
“ناصر هزبر” رئيس المجلس المحلي لمدينة معرة النعمان للدورة الماضية قال: “ربما أراهم مقصرين مهما قدموا مقارنة مع مدينتا المدمرة التي لا يمكن تزويدها بكل شيء، وسيبقى النقص واضحًا مع استمرار القصف، لكن تعاملهم مع السكان جيد خاصة أنهم دخلوا هذا المجال كأشخاص جدد على هذه الأعمال “.
بالمقابل قالت “صفاء” من سراقب بريف إدلب الشرقي: ” حالي كحال الكثير من الناس لا نعلم ما هو المجلس المحلي ولا أعماله وذلك يعود إلى قلة تنسيقهم وتجاهلهم لنا أثناء عملية الانتخاب واقتصارهم على بضعة أشخاص يعتبرونهم ممثلين عنا”.
لكن “أبو محمد” رأى في عمل المجالس ما هو إيجابي مهما كان ضعيفًا “فهي في طور النمو في ظل الظروف الأمنية الصعبة التي نتعرض لها”.
وليست هذه الآراء سوى غيض من فيض فالمجالس المحلية لم تسلم من اتهامات لها بأن الفصائل العسكرية تحكمها، بالإضافة إلى الحديث عن الفساد من رشوة، ومحسوبية، وابتعاد عن الموضوعية والحيادية والشفافية.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]