من يملك رقبة الأسد .. “بوتين” أم “قاسم سليماني”؟


رغم القناعة المطلقة لدى أغلب المتابعين للشأن السوري أن “حزب الله” و”الميليشيات الإيرانية” ستُطرد شر طردة من سورية على يد روسيا وإسرائيل في نهاية المطاف لضرورات الأمن الإسرائيلي ووفقاً للتفاهمات الروسية – الإسرائيلية. لكن رغم ذلك فالدلائل تقول أنه لم يحِن بعد موعد تنفيذ هذا القرار.

مآلات ومفرزات معركة حلب كانت الأكثر وضوحاً والأكثر تعرية لأوراق الجميع؛ معارضة سياسية، حراك مسلح، ميليشيات إيران، وكل عناصر المجتمع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة، نعم لقد فعلتها مدينة التاريخ “حلب” ورفعت الغطاء عن الجميع وكشفت وعرّت مواقف الجميع.

عندما تخرج الصحافة الروسية بتحليل لأحد قادتها العسكريين السابقين “العقيد الروسي ميخائيل خودرايونوك” وتنشره كبرى صحفها المحلية “غازيتا.رو” وفيه يعرّي ويفضح تعاون جيش “الأسد” مع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ويكشف ضعف هذا الجيش وتهلهله ويتحدث عن جبن هذا “الجيش” الذي يتباهى إعلام “الأسد” بانتصاراته ويعدد كذباً إنجازاته بينما الحقيقة تقول أنه كان يتراكض كالفئران أمام مقاتلي”داعش” هارباً من مدينة “تدمر”. ومع علمنا المسبق أن هناك تعليمات من أعلى الهرم القيادي الروسي في الكرملين يمنع نشر أي خبر في الإعلام المقروء والمسموع والمشاهد دون المرور بغرفة عمليات وزارة الدفاع الروسية، فهذا يعطينا حق التساؤل عن الغاية من نشر تلك المعلومات والتفاصيل لحد الإهانة لكل ميليشيات “إيران” وعصابات “الأسد”.

 

في التفاصيل كتب المحلل العسكري العقيد “ميخائيل” يقول: (وأقتبس بعض الجمل من المقال) “عندما هاجم داعش “تدمر” مؤخراً كان أول الهاربين المذعورين نائب رئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة السورية (النظامية)، و في حالة من الهلع تبِعه الجنود وصغار الضباط؛ كل من رئيس إدارة العمليات في هيئة الأركان السورية وقائد قوات الصواريخ والمدفعية للجيش السوري ورئيس أركان الفيلق الثالث وقائد الفرقة الـ 18 دبابات، وقد عثروا بصعوبة على نائب رئيس أركان جيش “بشار الأسد” بعد يومين من البحث عنه هائماً في الصحراء، ولا يمكن وصف حالة كبار القادة العسكريين السوريين إلا بالجبن والتخاذل والذعر. وبجهود روسية تم إيقاف المذعورين والجبناء وتم إرجاعهم إلى مواقعهم في 11 ديسمبر وتثبيت الوضع ولكن السوريين هربوا من جديد، واعترف “بشار الاسد” للروس بأفعال وسلوك قواته العسكرية المخزية وقال: أنه تم عزل نائب رئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة السورية من منصبه وتسريحه من الجيش. لكن هذا لا يكفي وكان عليه إخراس إعلامه في دمشق الذي كان يتفاخر بإنجاز جيشه العرمرم بينما كان تنظيم “داعش” يستعيد “تدمر” ويطارد فئران جيشه بالصحراء”.

ثم يتابع الكاتب قائلاً: “أما بقية التشكيلات العسكرية وباعتراف محدّثينا المطّلعين على سير المعارك هناك فهُم يُضرون أكثر مما ينفعون لأنهم بلا جدوى، فـ”حزب الله” وحسب تقديرات الخبراء العسكريين فهم لا يقاتلون أبداً بل يثرثرون، وأما “الفاطميون” المكلفون بالهجوم من جهة الغرب فهم يثيرون الغبار بلا فعل، وتشكيلات “الحرس الثوري” الإيراني يقفون كالأصنام ولا يتقدمون، ويستطيع الجنرال الإيراني أن يؤكد لك خمس مرات في اليوم ويقسم ويتعهد للزملاء الروس ويضرب بيديه على صدره بأن المهمة القتالية ستنفذ بحذافيرها! ولكن بعد ساعة من بدء المعركة ولدى سؤاله: لماذا يقف مقاتلوكم في أماكنهم ولا يهجمون؟ يجيب الجنرال الإيراني بسؤال ساذج: هل المعركة بدأت حقاً؟

 

 وأحياناً نضطر للبحث عن هذا الجنرال لمدة 3 ساعات ومن جديد يقدم التعهدات والوعود بتنفيذ المهمات القتالية وبعدها نكتشف أن الإيرانيين يطلبون السلاح ويقدمون قائمة من خمس صفحات باحتياجاتهم من الأسلحة، وبعد تلبية طلباتهم فإن السلاح يختفي بسرعة إلى جهة غامضة، وعندما نسأل أين اختفت الأسلحة يردون ببلاهة مقرفة: إنها الحرب.

فقط من الصواريخ المضادة للدبابات قدمنا لهم 1500 قطعة ولم نتمكن من ضبط مصير هذه الصواريخ. فإما أنهم باعوها أو نقلوها الى جهة مجهولة.

المستشارون العسكريون الروس أخبرونا أنه لا يجوز الثقة بالإيرانيين وأنه يجب البحث عن مخرج من هذا الوضع، ويقولون للإيرانيين تبا لكم! عليكم أن تثبتوا في أماكنكم ولا داعي لأن تهجموا، وحتى في أماكن محددة لا يستطيعون الثبات، وقد تبلور لدى العسكريين الروس انطباع عن الإيرانيين بأنهم ثرثارون بكل معنى الكلمة”. (انتهى الاقتباس)

هذا الكلام الذي يخرج من الصحافة الروسية المراقَبة من قبل القيادات السياسية العليا للكرملين تعطي وبما لا يدع مجالاً للشك أن هناك تغيرات وإعادة قراءة للموقف العسكري والسياسي الروسي، وأن هذا الزخم الروسي بالدعوة لوقف إطلاق نار شامل في سورية ولطاولة حوار سوري –سوري هو ناجم عن قناعات تولدت لدى الرئيس “بوتين”.

القناعة الأولى: أن كل الجهود الروسية (الدبلوماسية والعسكرية) بمختلف أنواعها لم تستطع أن تنتزع قرار “بشار الأسد” من الحضن الإيراني.

القناعة الثانية: أن الاستمرار في تلك المعركة مع كل تكاليفها السياسية والاقتصادية والعسكرية لن تغير من الواقع بشيء وأن الروس في النهاية ليسوا إلا مرتزقة يعملون عند “قاسم سليماني” و”بشار الأسد” داخل الأراضي السورية.

القناعة الثالثة: أن كل المناطق والمساحات التي تمت إعادتها لميليشيات إيران ولنظام الأسد ستتم إعادتها من قبل فصائل الثورة بمجرد غياب الطيران الروسي.

 

وتلك القناعات لم تتولد من فراغ وهي ناجمة أيضاً عن المستجدات التي حصلت في “حلب” مؤخراً، فالاتفاق الذي رعته موسكو وأنقرة ويقضي بخروج المدنيين والمقاتلين المحاصرين من أحياء “حلب” الشرقية استطاعت إيران من تحريك أدواتها وعرقلته. في البداية دفعت بذراعها العراقي عبر حركة “النجباء” التي خرقت وقف إطلاق النار وحاولت التوغل داخل أحياء “حلب الشرقية” ليخرج علينا الرئيس “بوتين” متجاوزاً وزارة الدفاع والخارجية وحتى غرفة عمليات قاعدة “حميميم” وليعلن: أنه ستتم مرافقة القوافل الخارجة من “حلب” من قبل ضباط وعناصر روس حرصاً على تطبيق الاتفاق، ثم أتبعه بقرار آخر يتضمن تهديداً واضحاً لحلفائه بأن الطيران الروسي سيقصف أي جهة تعرقل إنجاز الاتفاق مما يشكل حالة تحدٍ لكل المعرقلين من قبل حلفائه. لكن في اليوم الثاني وبدل أن تلتزم ميليشيات إيران وتمتنع عن تقويض الاتفاق خرج الذراع العسكري الإيراني في لبنان “حزب الله” ليوقف قافلة كاملة تعدادها 800 مدني، وليقتل منهم أربعة ويجرح سبعة ويختطف سبعة آخرين، وزاد عليها بسلب كل ما يحمله المدنيون وإعادتهم لداخل حلب المحاصرة سيراً على الأقدام في تحدٍّ واضح لقرارات “بوتين”.

الاتفاق الثنائي بين تركيا وروسيا دخلت عليه إيران وأعادت ترتيب أوراقه من جديد وفرضت نفسها لاعباً أساسياً فيه، فزجت بمستعمرتيها في إدلب “كفريا والفوعا” واشترطت لمتابعة العملية في “حلب” إخراج بعض الأعداد من تلك المستعمرات. والغاية لم تكن إخراج مصابين أو جرحى من “كفريا والفوعة” بقدر ما كانت توجيه ضربة للسياسة الروسية ورسالة أرادت إيصالها لـ”بوتين” من أن أي قرار يخص سورية ويخص نظام الأسد لن يُكتب له النجاح دون مروره بـ “طهران”.

تزايد الأعباء الاقتصادية على نظام “بوتين” التي وصلت لحد تأخير رواتب الموظفين لما بعد منتصف الشهر في بعض الوزارات وإغلاق العديد من الصناعات الثقيلة وتوقف الكثير من المشاريع الخدمية، وزيادة الضغوط السياسية من خلال مشاريع القرارات في مجلس الأمن وعبر نشر الإعلام الغربي للجرائم والمجازر التي يرتكبها الطيران الروسي في داخل الأراضي السورية، وزيادة الضغوط العسكرية التي توحي بانغماس وتورط روسي لا يقل كارثية عن وضع الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، كل ذلك يعيد وضع الأوراق على الطاولة ويتطلب من القيادة الروسية إعادة قراءة الموقف الجديد المتشكل بكل تأنٍّ ودراية وحكمة.

إن قررت موسكو المتابعة بنفس الطريق فهي تُدرك أن إيران هي الرابح الأكبر من كل ما يحصل داخل سورية وأن إنشاء وتشكيل “الفيلق الخامس” من قبل إيران غايته بناء قوة عسكرية على غرار “الحشد الشيعي في العراق” مهمتها القضاء على نقطة ارتكاز الروس في سورية وهو مؤسسة الجيش السوري (غير الموجود أصلاً) والذي تراهن عليه موسكو إضافة إلى تكريس فكرة بدأ الغرب بتناقلها من أن مهمة روسيا في سورية هو تغطية وحماية ودعم عمل الميليشيات الطائفية التي تشكل إرهاباً عابراً للحدود.

يبقى الخيار العقلاني الذي يتطلب الشجاعة بأن تُعلن موسكو عن وقف عملياتها الجوية في السماء السورية، وكشف كل الأوراق وتعريتها، والإعلان عن تضامنها مع الشعب السوري وليس مع ديكتاتورية مجرمة. وعندها ستجد أن الأيادي السورية المخلصة ستمتد لها لتشكل قوة عسكرية تطرد كل الإرهاب الذي يفتك بالشعب السوري بدءاً من ميليشيات إيران وصولاً لعصابات الأسد مروراً بتنظيم داعش وإعادة ترتيب البيت الداخلي وإقامة الدولة المدنية الديموقراطية التي تضم كل مكونات الشعب السوري بعد مقاضاة ومحاسبة كل من تلطخت يداه بدماء السوريين.

ويبقى السؤال المحير: هل يفعلها بوتين؟

 



صدى الشام