تداخل السلطات وإشكاليات السلطة القضائية
21 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016
حبيب عيسى
(1)
تعتمد السلطة القضائية المُعاصرة في سورية -تاريخيًا- على النصوص القانونية، ابتداءً من المجلة العدلية العثمانية، وانتهاء بالنصوص القانونية، التي جرى استنساخها من النصوص القانونية الفرنسية، بما يتعلق بالقانون المدني وقانون العقوبات والقانون الإداري، بينما اعتمد قانون الأحوال الشخصية على النصوص المُستمدة من المذهب الحنفي، إضافة إلى المحاكم الروحية لغير المسلمين التي اعتمدت تشريعاتها الطائفية، وقد كشفت الممارسة خلال العقود المُنصرمة عن قصور؛ ما استدعى الاعتماد على الاجتهاد القضائي؛ لتلافي النقص في التشريع القضائي، على ما يُشكل ذلك من تناقض في بعض الأحيان، إضافة إلى ما يُشكّله العمل بقوانين مازال معمولًا بها منذ العصر العثماني، إلى جانب قوانين مُستمدة من القانون الفرنسي، وأخرى من القانون المصري الذي كان يعتمد على القانون البريطاني.
(2)
أما هيكلية السلطة القضائية، فقد انتهت، وبناء على ما جاء من مواد مُتعلّقة بالسُلطة القضائية في دستور 1973، والتي جرى ترحيلها إلى دستور 2012، إلى رسم هيكلية السلطة وتحديد اختصاصاتها كما يلي:
– القضاء الدستوري: وتمثله المحكمة الدستورية التي تتألف من رئيس وأربعة أعضاء، يُسميهم جميعًا رئيس الجمهورية.
– مجلس القضاء الأعلى: بموجب (م65) من قانون السلطة القضائية، فهو يتألف من: رئيس الجمهورية، ينوب عنه وزير العدل ـ رئيسًا، وعضوية كل من: رئيس محكمة النقض، والنائبان الأقدمان لرئيس محكمة النقض، ومعاون وزير العدل، والنائب العام، ورئيس إدارة التفتيش القضائي. يعقد مجلس القضاء الأعلى جلساته بصورة سريّة ويُصدر قراراته بالأغلبية، وتُنفّذ القرارات المتعلقة بتعيين القضاة، وترفيعهم ونقلهم وتأديبهم وعزلهم وإحالتهم على التقاعد أو الاستيداع وقبول استقالتهم بمرسوم يُوقّعه وزير العدل (م 66 ف 1 و2)، ونُلاحظ هنا أن السلطة التنفيذية عن طريق وزير العدل تتحكم بمصير القضاة تعيينًا وتسريحًا وترفيعًا وعقابًا.
– مؤسسات وهياكل السلطة القضائية: جرى تنظيمها بموجب (قانون السلطة القضائية) الذي حدّد علاقة السلطة القضائية مع وزارة العدل، بعد أن منح الوزارة صلاحيات واسعة للتحكم بالمؤسسات القضائية، حيث يُمارس وزير العدل السلطات المُتعلقة بوزارته وبالقضاء في الوقت ذاته، وهو المرجع الأعلى في الشؤون التوجيهية وفي الإشراف على الأعمال ومراقبة تنفيذها. وبموجب (م1)، من قانون السلطة القضائية، فإن وزارة العدل تُمارس الصلاحيات التالية:
(1) السهر على تطبيق القوانين والأنظمة القضائية.
(2) الإشراف على الدوائر القضائية من حيث تنظيم أعمالها الإدارية وارتباطها بعضها ببعض وذلك؛ في حدود القانون.
(3) تحضير ودراسة مشروعات القوانين القضائية.
(4) اقتراح العفو الخاص.
(5) تفتيش السجون ودور التوقيف، للتثبت مما إذا كانت حالة المحكوم عليهم أو الموقوفين لا تنطوي على مخالفة قانونية، وما إذا كانت تُراعى فيها القواعد الصحيحة والأنظمة النافذة.
(6) اقتراح تعيين قضاة الحكم والنيابة العامة وترفيعهم ونقلهم وتأديبهم وعزلهم وقبول استقالاتهم وإحالتهم على التقاعد وعلى الاستيداع.
(7) منح قضاة النيابة العامة الإجازات على اختلاف أنواعها.
(8) تعيين الكُتّاب بالعدل وعزلهم وقبول استقالتهم.
(9) تعيين المساعدين العدليين والمحضرين وترفيعهم ونقلهم وتأديبهم وعزلهم وإحالتهم على التقاعد وعلى الاستيداع وقبول استقالتهم وإحالتهم على مجلس التأديب.
(10) إيفاد البعثات من القضاة إلى البلاد الأجنبية بقصد التخصص أو استكمال الثقافة وفقًا لنظام خاص تضعه وزارة العدل بالاتفاق مع مجلس القضاء الأعلى.
(11) ممارسة جميع الصلاحيات الموكولة إلى وزارة العدل بمقتضى القوانين والأنظمة النافذة.
(3)
واستنادًا إلى (م3) من قانون السلطة القضائية، تتألف الدوائر القضائية من:
(1) الإدارة المركزية. (2) التفتيش. (3) المحاكم. (4) النيابات العامة. (5) دوائر التحقيق. (6) دوائر التنفيذ. (7) دوائر كُتّاب العدل. (8) مؤسسة الطب الشرعي. ويمكن التعريف بعمل هذه الدوائر القضائية باختصار:
1 – إدارة التفتيش: تتألف من رئيس بدرجة رئيس غرفة استئنافية وستة مستشارين، ويجري ندبهم بقرار من وزير العدل، بناءً على اقتراح مجلس القضاة الأعلى، ويضع وزير العدل لائحة للتفتيش القضائي، بموافقة مجلس القضاة الأعلى، ويُحاط القضاة علمًا بكل ما يلاحظ عليهم، وقضاة إدارة التفتيش مرتبطون بوزير العدل، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، ومسؤولون أمامهما عن سير الأعمال.
2 – المحاكم: تفصل المحاكم، على اختلاف أنواعها ودرجاتها، في جميع الدعاوى والمعاملات التي تُعرض عليها في حدود اختصاصها، إلا ما استثني بنص خاص والمحاكم هي:
1 – محاكم الأحوال الشخصية وتتألف من:
أ – المحاكم الشرعية.
ب- المحكمة المذهبية للطائفة الدرزية.
ج- المحاكم الروحية: للطوائف غير الإسلامية.
2- محاكم الأحداث: تُؤلّف محاكم الأحداث، وتعين مراكزها واختصاصاتها بقانون خاص.
3– محاكم الصلح: وتتألف من قاضي واحد يُدعى قاضي الصلح، وتفصل في جميع الدعاوى المدنية والتجارية والجزائية المُبيّنة في قوانين أصول المحاكمات وفي القوانين الأخرى، ويقوم قضاة الصلح بأعمال القضاة العقاريين.
4- محاكم البداية: وتتألف من قاضٍ منفرد، يدعى القاضي البدائي، وهي محكمة درجة أولى، وتفصل محاكم البداية وفق (م77) من قانون أصول المحاكمات المدنية، في جميع القضايا التي لم يُعيّن لها مرجع خاص، ولها بحسب (م78) من قانون أصول المحاكمات المدنية اختصاص النظر في الأمور المستعجلة، كما أن قانون أصول المحاكمات الجزائية أعطاها صلاحية النظر في بعض الجنح.
5- محاكم الاستئناف: وهي تتألف من رئيس واثنين من المستشارين، وتفصل محكمة الاستئناف في القضايا الجنائية وفي القضايا التي تقبل الاستئناف، وفي القضايا التي هي من اختصاصها بمقتضى القوانين النافذة.
6- محكمة النقض: محكمة النقض مركزها دمشق، وتُؤلَّف من رئيس وعدد من نواب الرئيس والمستشارين، وتقسم إلى ثلاث دوائر هي: دائرة للقضايا المدنية والتجارية. ودائرة للقضايا الجزائية. ودائرة لقضايا الأحوال الشخصية، ويجوز تعدد هذه الدوائر بقدر الحاجة، أما الهيئة العامة في محكمة النقض فتُؤلف من سبعة من المستشارين الأقدم في الدائرتين المدنية والجزائية في المواد المدنية والتجارية والجزائية، ومن سبعة من المستشارين الأقدم في الدائرتين المدنية والشرعية في المواد الشرعية، ويرأس رئيس محكمة النقض الهيئة العامة.
7- قضاة النيابة العامة: يتولى النيابة العامة قُضاة يمارسون الاختصاصات الممنوحة لهم قانونًا وهم مرتبطون بقاعدة تسلسل السلطة ويرأسهم وزير العدل.
8- قضاة التحقيق: يتولى التحقيق قُضاة يمارسون الوظائف المعهودة إليهم بموجب القوانين النافذة، ويُحدّد القانون فئاتهم ومراكزهم ومناطق صلاحياتهم.
9- قاضي الإحالة: يعين بقرار من مجلس القضاء الأعلى.
(4)
القضاء الإداري: استنادًا للمادة (138) من الدستور فإنه: ” يُمارس مجلس الدولة القضاء الإداري ويُعين القانون شروط تعيين قضاته وترفيعهم وتأديبهم وعزلهم” فصدر (قانون مجلس الدولة)، نوجز فيما يلي لمحة تعريفية عنه:
بينت (م1) من قانون مجلس الدولة أنه: “هيئة مستقلة تلحق برئاسة مجلس الوزراء”(24)، (هنا أيضًا القضاء الإداري تحت السلطة المباشرة للسلطة التنفيذية ويتبع مباشرة لمجلس الوزراء)، ويتكون مجلس الدولة من قسمين: القسم القضائي والقسم الاستشاري للفتوى والتشريع.
اختصاصات مجلس الدولة: وبموجب (م8) يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره بالفصل في المسائل التالية، ويكون له فيها ولاية القضاء كاملة:
(1) الطعون الخاصة بانتخابات الهيئات الإقليمية والبلدية.
(2) المُنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت.
(3) الطلبات التي يقدمها ذوو الشأن بالطعن في القرارات الإدارية النهائية الصادرة بالتعيين في الوظائف العامة أو بمنح علاوات.
(4) الطلبات التي يُقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية.
(5) الطلبات التي يُقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة بإحالتهم إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم عن غير الطريق التأديبي (باستثناء المراسيم والقرارات التي تصدر استنادًا لأحكام المادة 85 من قانون الموظفين الأساسي).
(6) الطلبات التي يقدمها الأفراد أو الهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية.
(7) الطعون في القرارات النهائية الصادرة من الجهات الإدارية في منازعات الضرائب والرسوم.
(8) أحكام ديوان المحاسبات وقراراته القطعية.
(9) دعاوى الجنسية.
القسم القضائي: وهو يتألف من الهيئات التالية:
– المحكمة الإدارية العليا: يكون مقرها في دمشق، ويرأس المحكمة الإدارية العليا رئيس المجلس أو أقدم الوكلاء، وتكون بها دائرة لفحص الطعون وتصدر أحكامها من ثلاثة مستشارين.
– محكمة القضاء الإداري: ومقرها في دمشق، ويرأس محكمة القضاء الإداري أحد وكلاء المجلس أو أقدم المستشارين وتُصدر أحكامها من دوائر تُشكل كل منها من ثلاثة مستشارين.
– المحكمة الإدارية: ومقرها في دمشق أيضًا، ويجوز إنشاء محاكم إدارية في المحافظات بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء.
– هيئة مفوضي الدولة: وتُؤلف من أحد وكلاء المجلس رئيسًا ومن مستشارين ومستشارين مساعدين ونواب ومندوبين.
القسم الاستشاري للفتوى والتشريع: ويتكون من إدارات مُختصة لرئاسة الجمهورية والوزارات والمصالح العامة، ويرأس كل إدارة منها مستشار أو مستشار مساعد ويُعين عدد الإدارات وتحدد دوائر اختصاصها بقرار من الجمعية العمومية للمجلس.
(5)
هكذا يتبين لنا أن اصلاح القضاء في سورية، يتعلق بتفعيل مبدأ الفصل بين السلطات أولًا، وهذا المبدأ يجب أن يُفعّل دستوريًا، فحتى يكون لدينا قضاء مستقل يجب -أولًا- أن تكون لدينا سلطة قضائية مُستقلة، وهذا يجب أن يُنص عليه صراحة في ديباجة الدستور التي تُعبر عن روح الدستور، ثم يجب ترجمة ذلك في مواد الدستور المُتعلقة بالسلطة القضائية، ابتداءً من المحكمة الدستورية إلى مجلس القضاء الأعلى إلى هيكلة القضاء، وتعيين القضاة، وكل ما يتعلق بذلك، وما يترتب عليه، ولقد أدى ذلك التداخل بين السلطات إلى ما تشكو منه مؤسسات العدالة في سورية من عَوَار، ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل تعدى ذلك إلى إصدار نصوص استثنائية ومؤسسات قضائية استثنائية، فماذا عن القضاء الاستثنائي ومؤسساته في سورية…؟! (وللحديث صلة).
[sociallocker] [/sociallocker]