أفّــاقــان في “إعــلان”


باسل العودات

وأخيرًا… بشّرنا الروس، بأنهم وجدوا حلًا لنهاية المقتلة السورية، وأعلنوا على الملأ أنهم “مقتنعون” بأنه لا وجود لحل عسكري للأزمة السورية! كما بشّرنا الإيرانيون بأنهم يريدون “دولة ديمقراطية علمانية” في سورية، لا، بل ودولة “متعددة الأعراق والأديان”!

بشّرنا هذان “الأفّاقان”، عبر “إعلان موسكو”، أنهما مع “احترام سيادة واستقلال ووحدة أراضي سورية”! وأنهما يُدركان “أهمية دور الأمم المتحدة” لحل الأزمة السورية! وأنهما -أيضًا- يحترمان قرار مجلس الأمن رقم 2254، ويتمنيان تطبيقه!

قالوا قديمًا: تُعرف الكذبة من كبرها، وهنا الكذبة ليست كبيرة فحسب، بل هي بلقاء وفجّة، لا يمكن تصديقها ولا التعويل عليها، فوفق “إعلان موسكو” تريد إيران دولة ديمقراطية علمانية! وهي الدولة الدينية الثيوقراطية المتطرفة المتشددة الدكتاتورية التمييزية، ولا تريد روسيا حلًا حربيًا تدميريًا! وهي الدولة التي لا تفهم إلا لغة السلاح، وكلاهما يريد المحافظة على سيادة سورية التي انتهكاها -ومازالا- كل يوم ألف مرة، ويريدان تطبيق القرار 2254 الذي عطّلاه، بل وقاتلا من أجل ضمان عدم تنفيذه.

قبل “إعلان موسكو”، كان هناك “إعلان جنيف”، و”إعلان فيينا”، و”إعلان القاهرة”، و”إعلان باريس”، وغيرها كثير، صدرت عن جهات مختلفة، حليفة للنظام وحليفة للمعارضة، بعضها مال نحو هذا الطرف، وبعضها مال نحو ذاك، والقاسم المشترك بين جميعها أنها فشلت بامتياز.

جميع هذه المبادرات، أفشلها الطرفان السابقان، سيّئا الذكر، بالتناوب، بعضها عطّلتها روسيا، وبعضها عطّلتها إيران، وبعضها الأخير عطّلها كلاهما، وأسهما في زيادة حجم المقتلة السورية، وكانا دائمًا عنصرًا رافضًا لكل سلام، قاتلًا لكل أمل، سدًّا في وجه الحل.

عطّلت روسيا ست مرات قرارات أممية تحمل بعض الأمل في الحل، واستخدمت الفيتو بوقاحة؛ حتى ضد قضايا إنسانية بحتة، وباركت للنظام عنفه، وأثنت على طائفيته، وساندت ميليشياته، وقصفت السوريين دون تمييز، وقتلت عشرات الآلاف منهم، واستخدمت أسلحة عمياء لا تُميّز، وأفرغت مستودعات ذخيرتها فوق رؤوس السوريين، ومارست أعلى درجات “دبلوماسية الوقاحة” لإنقاذ النظام، دون أن تعير مصير الشعب السوري أي أهمية، وهي الآن تعتقد -واهمة- أن لبس جلد حمل وديع سيجعلها بريئة وعفيفة.

هتكت إيران حرمة سورية، ألف مرة ومرة، ومارست أعلى درجات الطائفية والمذهبية، وحرّضت على القتل على الهوية، وفعلت ميليشياتها ذلك، وغيّرت الديموغرافيا السورية، وتغلغلت في المجتمع السوري تمهيدًا لتفتيته، ثنيًا ودينيًا وإنسانيًا، ومارست أسوأ ما يمكن أن يُمارسه رجال العصابات، وأسوأ ما يمكن أن تُمارسه وحوش البراري بفرائسها، وهددت استقرار المنطقة، بل والعالم، وهي الآن تعتقد -واهمة أيضًا- أن لبس جلد حمل وديع سيجعلها محترمة ومقبولة.

يعتقد هذان “الأفّاقان”، أن إصدارهما وثيقة تضم بنودًا معتدلة “نسبيًا”، سيجعلهما في أعين السوريين -وغيرهم- طرفين متوازنين رياديين، ووسيطين متخمين بالصدقية، ويعتقدان أن الشعوب ساذجة وصاحبة ذاكرة سمكة، وأن الشعوب بلا كرامة، وستقبل أي كسرة خبز جاف تُلقى لها.

كانت روسيا وإيران جزءًا من المشكلة، وجزءًا من القتلة، وجزءًا من مأساة كل السوريين، ومازالتا، ولا يوجد ما يمكن أن يُغيّر هذه الفكرة، لا الآن ولا في المدى المنظور، ولن يمر على السوريين خداعهم، فالأفعى وإن لانت ملامسها – عند التقلُّب في أنيباها العطبُ.




المصدر