الموندو: روسيا وإيران تلعبان وتكسبان في سوريا


 

بعد سقوط حلب، يتحدث مؤلف المقال أوغستو زامورا عن الأهمية الجيواستراتيجية لسوريا، ودور الدول العظمى في هذا الصراع وتداعيات السيطرة على هذا البلد، على مستوى السياسة العالمية.

 

تعتبر استعادة السيطرة على حلب من قبل قوات الحكومة السورية بدعم من ، انتصارا لنظام الأسد في حربه ضد المعارضة السورية. كما أنه منذ بداية التدخل الروسي في أيلول/ سبتمبر من سنة 2015، لم يتوقف النظام عن استعادة المدن التي فقدها سابقا ووقف تقدم القوى المعارضة المدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية وقطر، وكذلك تركيا.

 

وخلال هذه الحرب، بدا أن روسيا ليست على استعداد لخسارة حليفها الوحيد الذي تبقى لها على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، كما لا تبدو روسيا على استعداد لإزاحة إيران من اللعبة، لأسباب منطقية نوعا ما؛ فهي الحليف الشيعي الوحيد الذي لا يخضع لتأثير الولايات المتحدة الأمريكية، والمتواجد على الحدود اللبنانية، موطن أقوى المجموعات الشيعية المسلحة، حزب الله.

 

وعموما، فإن روسيا وإيران تتشاطران الرغبة في الدفاع عن مصالحهما ضد سياسة توسع الناتو، التي تهدف إلى طرد هذين البلدين ـ روسيا وإيران ـ من الشرق الأوسط، وتجريدهما من الناحية العملية من أي تأثير في هذه المنطقة.

 

كما أنه لا يجب الاستخفاف بهذه المسألة، فسوريا هي القطر الوحيد الذي يمكن أن تستعرض من خلاله روسيا قواها في البحر الأبيض المتوسط؛ انطلاقا من قاعدتي طرطوس وحميميم. ويذكر أنه في 17 من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وقعت روسيا وسوريا اتفاقا يقضي بتحويل قاعدة طرطوس إلى قاعدة بحرية روسية قارة.

وفي نفس الوقت، قامت روسيا بالتوسع في قاعدة حميميم مع بناء مدرج جديد للطائرات، لنشر المزيد من الوحدات الجوية القارة، والتي ستتمكن من خلالها من مراقبة قوات حلف شمال الأطلسي في البحر الأبيض المتوسط.

 

ولهذه الأسباب، تعتبر قاعدتي طرطوس وحميميم مكسبا لا يقدر بثمن بالنسبة لروسيا، خاصة وأن حلف شمال الأطلسي تمكن انطلاقا من بلغاريا ورومانيا، من مراقبة وتهديد البحر الأسود والجهة الجنوبية لروسيا.

 

ويذكر أنه في سنة 2013، حاول حلف شمال الأطلسي المساعدة على الإطاحة ببشار الأسد، كما فعل مع القذافي في ليبيا. ولو لا تواجد شخص مثل بوتين في الرئاسة الروسية، لتمكن حلف شمال الأطلسي أيضا من الإطاحة بالأسد وبالتالي طرد روسيا من البحر الأبيض المتوسط.

 

ومن جهته، فهم بوتين بسرعة التحدي الذي يواجهه، وتصدى لهذه المساعي بكل حزم، الأمر الذي فاجأ حلف شمال الأطلسي. ومن أجل ذلك اندلعت في سنة 2013 حرب غير مباشرة بين روسيا وإيران والصين من جهة، وبين أمريكا وحلف شمال الأطلسي من جهة أخرى. وحتى أيلول/ سبتمبر سنة 2015، كان حلف شمال الأطلسي بصدد كسب الحرب، بفضل تدفق الأسلحة إلى المعارضة السورية، قادمة من الولايات المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية.

 

ولكن بحلول أيلول/ سبتمبر من السنة الماضية، اتخذت روسيا قرارا أدى لتمديد هذا الصراع غير المتوقع والحاسم، عبر الزج بقواتها الجوية في المعركة. ومن الواضح أن هذا النوع من التدخلات الذي يعتمده بوتين، يؤدي للفوز في كل الحالات، كما هو الحال في جورجيا، شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس الأوكراني.

 

وخلال هذه الحرب، سارعت إيران حليف النظام السوري وروسيا، لمنع محاولات إضعاف المحور الشيعي طهران-بغداد-دمشق-حزب الله، في أكثر المناطق الإستراتيجية وهي ؛ الحليف الوحيد المتواجد على الحدود مع إسرائيل ولبنان.

 

ولو تم فقدان سيطرة على سوريا، سيكون احتمال استمرار دعم إيران لحزب الله ضعيفا جدا، مثل ما ظهرت سابقا صعوبة دعم الحوثيين في اليمن عسكريا، والتصدي لعدوها الإقليمي المملكة العربية السعودية.

 

وعلاوة على ذلك، فإن إيران ستخسر عاجلا أم آجلا حلمها في بناء خط الأنابيب الذي سيمرر غازها الطبيعي نحو البحر الأبيض المتوسط، عندما يحل السلام في سوريا.

 

وخلال هذه الحرب السورية، كانت الصين أيضا عنصرا فاعلا، خاصة عندما أظهرت وقوفها إلى جانب روسيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. كما أنها كانت حريصة على أن تبقى بعيدة عن الأضواء، رغم دعمها بالسلاح والمدربين العسكريين لحلفائها الروس على الأراضي السورية.

 

وفي إطار دعم مكانتها كقوة عالمية، أنشأت الصين في شباط/ فبراير الماضي خط سكة حديدية جديدة يربطها مع إيران، في إطار مشروعها العملاق “طريق الحرير الجديد”، الذي يقوم ببناء أكبر شبكة من البنى التحتية في العالم لدعم الاستثمارات الصينية. كما أن هذا الخط الإيراني الصيني سيمتد إلى دمشق وإلى الموانئ السورية في البحر الأبيض المتوسط.

 

ونظرا للتبعات والآثار الجيواستراتيجية، والاقتصادية والتجارية لطريق الحرير الجديد، فإن الصين في حاجة إلى شبكة من الدول الشقيقة والصديقة التي لا يمكن أن تعرقلها بسبب ضغوطات الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي.

 

وفي حالة النزاع المسلح، فإن طريق الحرير الجديد سيضمن للصين الوصول إلى جميع أنحاء القارة الآسيوية تقريبا، وإلى أسواقها ومواردها وموانئها.

 

وصحيح أن الولايات المتحدة يمكن أن تحكم سيطرتها على البحر، ولكن الصين (وروسيا) ستتمكنان من فرض سيطرتهما على منطقة أوراسيا والسيطرة على الموارد الهائلة التي تحتويها.

 

ومن ناحية أخرى، فإن سوريا تعد أرضية ملائمة للانتقام الصيني؛ فما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية في بحر جنوب الصين، يمكن أن ترد عليه الصين في الشرق الأوسط.

 

وفي وقتنا الحالي، يمكن اعتبار أن العالم في حالة حرب، كما تدور حروب جانبية تشبه الحرب الباردة التي تسعى فيها كل قوة عظمى إلى ضمان مصالحها في المناطق الخاضعة إلى نفوذها. كما أن هذه الحرب ساهمت في إعادة توزيع النفوذ بين القوى العظمى، بشكل يشبه ما أنتجته الحروب التي عرفها القرن التاسع عشر، ولكن مع خصوصية كبيرة.

 

وﻷول مرة منذ 500 سنة، فإن المستفيدين في هذا التعديل في ميزان القوى ليسوا من القوى الأوروبية الكبرى. وعموما فإن روسيا هي التي تتفرد بأفضل استفادة في هذا التعديل، وبالتالي فقد أصبحت قوة لا يمكن الاستغناء عنها في أوروبا وآسيا الوسطى والشرق الأقصى.

 

وفي الوقت الحالي، أصبحت أوروبا مجرد متفرج بسيط يقتصر دورها على التردد بين سياسات الولايات المتحدة والمخاوف تجاه روسيا. كما أن تراجع الهيمنة الغربية تؤكد عليه حقيقة واحدة، وهي اجتماع وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا في موسكو، لمناقشة الوضع في سوريا، مع إقصاء الولايات المتحدة الأمريكية.

 

ومن جهة أخرى فإن القوة الأوروبية الوحيدة النشطة هي ألمانيا، التي تتمتع بقوة اقتصادية وسياسية، لكنها تبقى مكبلة بسبب جغرافيتها المحاصرة من عدة دول ومحدودية مواردها الطاقية.

 

وبالنسبة لهذه القوة الأوروبية، تبقى روسيا هي المنافس الذي يجب كبح جماحه مثلما حصل منذ مائة سنة، ولكنها في نفس الوقت في حاجة إلى النفط والغاز الروسي. ولذلك فإن الشيء الوحيد الذي يمكن أن تفعله برلين لتظل مهيمنة في أوروبيا على الأقل، هو نسيان خصوماتها وتنافسها مع روسيا.

 

أما في تركيا، فيعتبر أردوغان أن بوتين وروسيا حليفا أكثر استقرارا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، الذين يعتبر كلاهما شريكا غير مريح. كما أن أولوية الرئيس التركي القصوى الآن هي محاربة الأكراد، ومع سيطرة النظام على حلب، فإن تركيا تعتبر إلى جانب روسيا وإيران، أكبر المستفيدين من الصراع السوري.

 

وفي الختام، يمكن القول إن سوريا هي أرضية الحرب الجيوإستراتيجية وبامتياز، كما أن كل ما يحاك في أوروبا أو من قبل حلف شمال الأطلسي من أجل إطالة هذه الحرب، لم يساهم إلا في إطالة مدة عذاب ومعاناة الشعب السوري.

 

وبغض النظر عن هذه الحقيقة، فستبذل كل من روسيا وإيران ودمشق كل ما في وسعها لتعزيز انتصارها في حلب وتوسيع نطاقه ليشمل مناطق أخرى، خاضعة لسيطرة المعارضة السورية.

 

وعموما فإن الهدف منطقي وواضح للغاية، فعلى الصعيدين العسكري والسياسي، يسعى هذا الثلاثي المتمثل في روسيا، وتركيا وإيران، إلى تحويل الحرب السورية بكل الأحوال لتصب في صالحهم. وبالتالي فإن روسيا وإيران أحسنتا اللعب وربحتا في سوريا، كما أنه في حال التوصل لتسوية لهذه القضية، لن تولي هذه الأطراف أهمية إلى مصير الشعب السوري المنكوب.

هذه المادة مترجمة من صحيفة الموندو للإطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا 

 

 




المصدر