آلية دولية للتحقيق بجرائم الحرب بسورية
23 ديسمبر، 2016
جيرون
نحو خمس سنوات وتسعة أشهر، وما زالت آلة قتل النظام السوري تحصد أرواح الناس، وتدمر مُمتلكاتهم، وتهجّرهم، وتتفنن في تعذيبهم والانتقام منهم، تساعدها دول وميليشيات ومرتزقة وقوانين دولية عاجزة. أخيرًا تُصدر الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها، بتشكيل مجموعة عمل مُستقلة، مهمتها “جمع الأدلة وتحليلها”، لإعداد آلية تحقيق في القضايا المُتعلقة بجرائم الحرب المُرتكبة في سورية، وبانتهاكات حقوق الإنسان.
منظمة “هيومن رايتس ووتش” علّقت على القرار: “أظهرت الجمعية العامة اليوم أنها تستطيع أن تلعب دورًا قياديًا في المسائل المتعلّقة بالعدالة، عندما يفشل مجلس الأمن في ذلك، لقد اتخذت الدول التي صوّتت لصالح هذا القرار غير المسبوق حول سورية، موقفًا أساسيًا لمساندة ضحايا الجرائم الخطرة واسعة النطاق”، وأضافت المنظمة “ساعدت الجمعية العامة –عبر إنشاء آلية التحقيق– على إفساح المجال للمحاسبة، بعد سنوات من الفظاعات التي لم تُردع”، كما عدّت أن عملية الإدانة طوال الفترة السابقة كانت غير كافية، بينما الآن “صار الجناة يعلمون أنه سيجري جمع الأدلّة المتعلقة بجرائمهم للتعجيل بإدخالهم إلى قفص الاتهام”.
من جهته عدّ مندوب النظام السوري في الأمم المتحدة، بشار الجعفري، القرار “تدخلًا بالشؤون الداخلية”.
القرار الأممي الذي قدّمته دولة ليختنشتاين، ودولة قطر، وصدر الثلاثاء، نال تأييد 105 أصوات، مقابل رفض 15 صوتًا، وامتناع 52 دولة عن التصويت، وقال كريستيان فينافيسير، مندوب ليختنشتاين: “أخيرا خطونا خطوة مهمّة باتجاه تحقيق الآمال التي لطالما خيّبناها”.
تقع إمارة ليختنشتاين في أوروبا الوسطى، في منطقة جبال الألب بجوار النمسا وسويسرا، ومساحتها 160 كيلو مترًا مربعًا فحسب، وهي أصغر دولة تتكلم الألمانية، وكان مندوبها، فينافيسير، قد أوضح قبل التصويت في الأمم المتحدة، أن غاية اللجنة جمع الأدلة؛ “لتكون جاهزة للاستخدام، حين يُتاح لمحكمة لها صلاحية، النظر في جرائم مماثلة، أن تنظر في هذه القضايا، وهو أمر ليس قائمًا حاليًا”.
يرى القاضي السوري، حسين حمادة، أن القرار “جيد ومهم”، لكن “نظام الأمم المتحدة الجامد، الذي وضعته القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وحرصت على أن يكون لمصلحتها، يقف عقبة حقيقية أمام ذلك”، وقال لـ (جيرون): إن النظام المُتّبع في الأمم المتحدة “يُعرقل الوصول إلى الحق، ولا يُساعد في الوصول إليه؛ لأن القانون الدولي حصيلة تحالف الدول المهيمنة على القرار العالمي، وهو بحاجة مُلحّة إلى التعديل؛ ليكون فاعلًا”.
وأضاف حمادة، المستشار السابق في محكمة النقض السورية: “مجلس الأمن الدولي بنظامه الحالي، يؤدي دورًا يُخالف مُوجبات إحداثه”، وإذا استمر المجلس في سلبيته أو عطالته؛ فإنه “سينقلب إلى خطرٍ على الأمن والسلم والدوليين”، وأشار إلى أن هنالك محاولات سابقة، لإحالة جرائم الحرب إلى المحاكم الدولية، “منها ما تقدمت به المملكة العربية السعودية، ولكنها لم تلق آذانًا صاغية”.
يُذكر أن روسيا والصين أفشلتا -في أيار/ مايو 2014- مشروع قرار أوروبي في مجلس الأمن، أعدته فرنسا، ويدعو إلى إحالة الملف السوري الى “المحكمة الجنائية الدولية”، والقيام بعمليات تحقيق في جرائم الحرب المرتكبة.
يطلب القرار الحالي الصادر عن “الجمعية العامة للأمم المتحدة” من جميع “الدول وأطراف الصراع وجماعات المجتمع المدني، تقديم أي معلومة أو وثيقة لفريق العمل”. ودعا القاضي حمادة إلى ضرورة “تعاون جميع الجهات الحقوقية السورية مع القرار، وعلى المختصين في القانون الدولي أن يبادروا إلى تقديم ما يُساعد”.
وكان “مجلس حقوق الإنسان” التابع للأمم المتحدة، ومقره جنيف، أنشأ في 22 آب/ أغسطس 2011، لجنة تحقيق في جميع “الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، منذ آذار/ مارس 2011، في الجمهورية العربية السورية”، وكانت هذه اللجنة قد طالبت -أكثر من مرّة- مجلس الأمن بإحالة ما يجري في سورية إلى “محكمة الجنائية الدولية”، لكن دون جدوى.
تُستخدم بعض القرارات الدولية، ذات الطابع القانوني، لأجل غايات سياسية، قد لا تكون في صالح المظلومين، بل ورقة بيد الدول الفاعلة، تُلوّح بها متى تشاء، وحول ذلك، قال القاضي حمادة: إن “القانون الدولي العام؛ وحتى الخاص، هو مزيج من القانون والاقتصاد والسياسة، ويغلب عليه مصالح الدول الكبرى”، ويخشى حمادة، إن بقي الأمر على ما هو عليه، أن “يحكم العالم قانون الغاب”.
[sociallocker] [/sociallocker]