الأسد أو نحرق البلد: التطهير الديموغرافي تجسيدًا


صبحي دسوقي

يتابع مؤيدو الأسد والميليشيات الطائفية، تطبيق شعاراتهم بحرفية عالية على الشعب السوري، وهاهم بعد أن أحرقوا البلد، يستخدمون سلاح التهجير وإفراغ المدن من ساكنيها تمهيدًا لاستبدالهم بآخرين، من بينهم مقاتلون في الميليشيات الشيعية التي ساندتهم في حربهم ضد سكان البلد الأصليين، وقد نجحوا في بعض المدن والقرى، وجاءت عملية إخلاء مدينة التل في ريف دمشق من جزء من سُكّانها ضمن هذه السياسة، بعد إعلان اتفاق التسوية بين لجنة من التل، وما يُسمى “لجنة المصالحة” في حكومة النظام، وخرجت بعدئذ قافلة مؤلفة من 43 حافلة دفعة واحدة، تحمل المقاتلين وأسرهم، باتجاه إدلب شمال سورية.

تؤكد الوقائع أن نظام الأسد اتبع -خلال الأشهر الماضية- سياسة تهجير أهالي المدن والبلدات الخارجة عن سيطرته، بعد أن جرى إفراغ مدينة داريا في الغوطة الغربية، ومعضمية الشام في ريف دمشق، إلى جانب اتفاق قدسيا والهامة وخان الشيح والتل.

في هذا السياق، جاءت أخيرًا عملية تهجير سكان الجزء الشرقي من حلب، ودخول “المحتل” الإيراني، واستعراضات قاسم سليماني، وتجواله في شوارعها المُدمّرة، لتؤكد أن النظام والإيرنيين ماضون في سياستهم هذه، يواصلون ما يسعى إليه النظام من تغيير ديموغرافي في المدن، من خلال إجبار أهلها على مغادرتها، وما إقدامه على حرق السجلات في تلك المناطق إلا وسيلة لتحقيق أهدافه، وكذلك تأكيدات من سكّان ومراصد حقوقية أن النظام يجنّس مئات الآلاف من المرتزقة، ويتلف الوثائق التي تثبت جنسية السوريين المُهجّرين، مع إتلاف وثائق ملكيتهم، فتُصادر بيوتهم وتُنقل ملكيتها إلى مرتزقته وشبيحته.

وسط كل هذا، لم يعترض العالم على ممارسات النظام، بل وغالبًا وقف إلى جانبه ومدّه بما يلزم لتنفيذ مخططاته. فالاتحاد الأوروبي، عرض تقديم مال لنظام الأسد مقابل صفقة سلام في سورية، بعد إعلان مسؤولين أوروبيين أن المطالب الغربية السابقة بتنحي الأسد باتت غير واقعية، كما أن ثمة إحساس متزايد بأن الولايات المتحدة قد نُحّيت جانبًا، بوصفها شريكًا في المفاوضات الغربية هناك.

جاءت مقترحات الاتحاد الأوروبي التي تتضمن نقل السلطات إلى المحافظات السورية؛ ما سيسمح لقوى “المعارضة المعتدلة” بالاندماج في القوات الأمنية المحلية، مع المحافظة على المؤسسات المركزية للدولة، ولكن بتنظيم أكثر ديمقراطية، ولم تذكر المقترحات شيئًا بشأن مستقبل الأسد.

كل هذا قد يوحي بأن العالم متفق على إعادة تدوير الأسد، وفرضه على الشعب السوري، وتوحي أيضًا بوجود رغبة دولية في عودة من ثار على النظام عن ثورته، وضرورة طلبه المسامحة والغفران والعودة إلى حكم “سقف الأسد”.

تسقط الأقنعة هنا وهناك، وتظهر مواقف الدول التي أوهمت السوريين بوقوفها إلى جانب ثورتهم، وتحقيق أهدافهم في الحرية والكرامة، وقد يُفسّر موقف الاتحاد الأوروبي بأنهم أصحاب وجهين، يُجاهرون برغبتهم في تغيير نظام القتل والإجرام الأسدي والانتقال إلى الديمقراطية، ومن وراء الكواليس يدعمون نظام القتل، ويصمتون عن تدميره المدن وبسط الإيراني نفوذه، فهل ما يحصل هو نتيجة للاتفاقات التي أُبرمت بين أميركا وإيران، وهل هي جزء من البنود السرية للاتفاق النووي الإيراني – الأميركي؟

قد تصعب الإجابة عن هذا السؤال بدقة، وقد تكشفه الأيام المقبلة، لكن الحذر واجب، واختيار الحلفاء فن وخبرة، ويجب تكريس كل الخبرات الممكنة للتمييز بين هذا وذاك، وللوصول إلى ميزان واضح يفصل الحلفاء عن الأعداء.




المصدر